(زمان التركية)ــ رصد تقرير لوكالة “سي إن بي سي” الاقتصادرية الأمريكية تأثر البنوك الدولية سلبًا بوضع الاقتصاد التركي، والذي يتهاوى لا سيما مع السياسات المالية التي تتبعها حكومة حزب العدالة والتنمية، والتي تؤدي إلى رفع حالة التضخم النقدي في تركيا، حيث قد وصل التضخم خلال شهر أغسطس إلى قرابة الـ90%.
جاء التقرير مبينًا أن البنوك التي تتعامل مع تركيا أصابتها خسائر منذ أن بدأت العملة التركية عملة في الانخفاض الحاد منذ عام 2018، واليوم من المقرر أن يتعرض المقرضون في العديد من دول الخليج الغنية بالنفط على وجه الخصوص لضربة موجعة في العام المقبل بسبب صلاتهم المالية بتركيا، وفقا لتقرير صدر مؤخرًا عن وكالة التصنيف فيتش.
نشرت وكالة التصنيف المالي فيتش هذا الأسبوع تقريرا يؤكد أنه كان على بنوك مجلس التعاون الخليجي وشركاتها التابعة والعاملة في تركيا أن تتصرف وفقا لـ “تقارير التضخم المفرط” والتي شهدتها تركيا في النصف الأول من عام 2022، حيث إنه خلال السنوات الثلاث الماضية بلغ التضخم نسبة هائلة بلغت 100٪. وكانت فيتش نشرت مؤخرا أنه “لطالما نظرت إلى تعرض البنوك الخليجية التركية على أنها تعاملات ائتمانية سلبية” وأن “ما تتعرض له تركيا يمثل خطرًا على المراكز الرأسمالية لبنوك دول مجلس التعاون الخليجي، نظرا للخسائر الناتجة من تحويل العملات بعد انخفاض قيمة الليرة التركية وعدم استقرارها خلال السنوات الماضية”.
واليوم فإن وكالة فيتش تقدر أن خسائر بنوك دول مجلس التعاون الخليجي مع الشركات التابعة التركي وصلت إلى ما تقدر قيمته 950 مليون دولار في النصف الأول من هذا العام، أما عن البنوك الأكثر تضررا فسنجد أن بنك الإمارات دبي الوطني في المقدمة، ويليه بيت التمويل الكويتي والذي يعد ثاني أكبر بنك في الكويت حيث تبلغ نسبة التعرض التركي لبيت التمويل الكويتي وبنك الإمارات دبي الوطني على التوالي 28٪ و 16٪ من أصولهما، كما أن بنك قطر الوطني يعد هو الأخر من المتضررين.
ومن المعلوم لدى المحللين الاقتصاديين أن الليرة التركية فقدت ما يقارب 26٪ من قيمتها أمام الدولار الأمريكي، ومع زيادة التضخم في تركيا بنسبة هائلة أدى هذا إلى جعل الواردات وشراء السلع الأساسية أكثر صعوبة بالنسبة لسكان تركيا البالغ عددهم 84 مليون نسمة.
وقد كان سعر الدولار مقابل الليرة قبل خمس سنوات فقط يعادل ما يقرب من 3.5 ليرة تركية. لكن اليوم يعادل الدولار الواحد حوالي 18 ليرة، وكان منحى نمو الاقتصاد التركي بدأ في الهبوط السريع بينما رفض البنك المركزي رفع سعر الفائدة لتهدئة التضخم، وهو ما أدى إلى ارتفاع عجز الحساب الجاري، وانخفضت احتياطيات النقد الأجنبي بصورة كبيرة، كما ارتفعت تكاليف الطاقة اضعافا مضاعفة، ولا يمكن إغفال أن الخلاف مع الولايات المتحدة كان له دور في الضغط على الليرة التركية وإضعافها.
وفي المقابل يلقي الاقتصاديون باللائمة فيما آل إليه الاقتصاد التركي على الرئيس أردوغان، والذي رفض رفع أسعار الفائدة واصفا إيها بأنها “أم كل الشرور” ويرى المستثمرون أن تأثير أردوغان أدى إلى خنق استقلالية البنك المركزي، ورئيس البنك المركزي الذي يعارض أو يناقش فكرة رفع أسعار الفائدة يتم استبداله بأخر لمجرد الاعتقاد بأن أسعار الفائدة هي سبب الأزمة المالية في تركيا، وبحلول ربيع عام 2021 شهد البنك المركزي التركي أربعة محافظين مختلفين في غضون عامين فقط .
وبينما ابتكرت حكومة أردوغان طرقًا بديلة لمحاولة دعم عملتها وزيادة الإيرادات، مثل بيع العملات الأجنبية، كما تم فرض قواعد صارمة على قروض الليرة، وحاول أردوغان تغيير سياسته الخارجية والتي اتسمت بالعدائية لدول الجوار التركي، فانطلق يحسن العلاقات مع دول الخليج الثرية لجذب الاستثمار، وهو ما أثمر عن تعهد كلا من الإمارات وقطر بضخ استثمارات بمليارات الدولارات في الاقتصاد التركي.
لكن بحلول منتصف أغسطس الماضي كان الاقتصاديون يشعرون بالذهول فقد قرر البنك المركزي التركي خفض سعر الفائدة مرة أخرى وبمقدار 100 نقطة أساس كاملة – من 14٪ إلى 13٪ دون النظر أو اعتبار أن التضخم وصل إلى ما يقرب من 80٪ وهو أعلى مستوى تضخم عاشته تركيا خلال 24 عامًا. ويرى المحللون الماليون إنه ومع وعدم وجود بدائل لحل مشكلة الليرة التركية فإن البنوك التي تتعرض للانكشاف التركي ستتأثر هي الأخرى بخسائر كبيرة.
وكتبت فيتش “نحسب أن خسائر تحويل العملات الإجمالية لبنوك دول مجلس التعاون الخليجي من خلال “الدخل الشامل” بلغت 6.3 مليار دولار أمريكي في الفترة ما بين 2018-2021 ويرجع ذلك إلى انخفاض قيمة الليرة مضيفة بأن “إجمالي الدخل الصافي للشركات التابعة التركية للبنوك، في غضون نفس الفترة، قرابة نصف هذا المبلغ عند 3.3 مليار دولار”. وتوقعت فيتش مستقبل الاقتصاد التركي بقولها “نتوقع أن تظل خسائر العملة مرتفعة حتى عام 2024 على الأقل بسبب ما تشهده الليرة من الانخفاض مستمر”.
ولكن من جهة أخرى، لا ترى وكالة فيتش نفسها مضطرة إلى خفض تصنيفات الجدوى لبنوك دول مجلس التعاون الخليجي التي لديها شركات تابعة تركية حيث تصرح بقولها “تتمتع تلك البنوك بقدرة جيدة على استيعاب الخسائر”، كما لا تتوقع فيتش من بنوك مجلس التعاون قيامهم بمغادرة تركيا تمامًا، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم وجود عدد كافٍ من المشترين المحتملين، على الرغم من أن البنوك التركية تتداول بنصف قيمتها الدفترية الأصلية.
ورأت فيتش أن “بنوك دول مجلس التعاون الخليجي ستكون مستعدة وقادرة على تزويد الشركات التركية التابعة لها بالدعم المالي إذا لزم الأمر، وينعكس هذا في تصنيفات الشركات التابعة”، مضيفة أن توقعاتها بشأن تعرضها لا تزال سلبية على الائتمان على وجه الخصوص بسبب تزايد خطر التدخل الرئاسي فيما يتعلق بقرارات البنك المركزي والسياسة النقدية في تركيا.