(زمان التركية)ــ بشأن المصالحة السورية التركية التي تعمل ترعاها روسيا، ورغبة تركيا في عودة اللاجئينإلى سوريا مجددا من خلال ما يسميه أردوغان “منطقة آمنة” على الحدود السورية التركية، كتب الصحفي كريم فهيم مدير مكتب اسطنبول ومراسل الشرق الأوسط لصحيفة واشنطن بوست مقالا هاما عن وضع اللاجئين في تركيا، وما آل إليه حالهم اليوم بعد سنوات من المكوث في تركيا، والظهور المتزايد للكراهية ظذ اللاجئين وهو ما يتزامن مع الوضع الاقتصادي المتدهور في تركيا، والذي يعاني منه المواطنين الأتراك ويرون أن أحد أسبابه هو كثرة عدد اللاجئين في بلادهم، وقد جاء في المقالة :
اختفى اللاجئون السوريون في أحد أيام الأسبوع الماضي، و أغلقوا متاجرهم، و سارعوا متجهين نحو بيوتهم، فقد حلت الذكرى السنوية للفوضى التي قام به حشد من الغوغاء المناهضين للسوريين، وقد وجهت السلطات تحذيرًا: للسوريين المقيمين، أنه من الأفضل لهم الاختفاء عن الأعين.
كانت قد انطلقت أعمال عنف في أغسطس / آب الماضي عندما اتُهم شاب سوري بطعن المراهق التركي أميرهان يالجين خلال قتال في منطقة ألتينداغ في أنقرة، وهو ما جعل مجموعة من العصابات المحلية التركية تقوم بتخريب ونهب المتاجر والمنازل والسيارات المملوكة للسوريين ،وهو ما يعتبر هجمة شرسة على أطراف العاصمة التركية، وعلى بعد أميال قليلة من القصر الرئاسي.
وقد علق أبو حذيفة وهو ناشط سوري محلي بقوله “لقد تعرضوا لغسيل دماغ” وأضاف إنه تعرض للتهديد بالضرب بينما كان يشاهد أعمال الشغب من الشرفة، أما بالنسبة للسوريين في جميع أنحاء تركيا، فقد كان الغضب الذي اندلع في ألتنداغ بمثابة تحذير من موسم كراهية للسوريين واللاجئين في المستقبل، فقد أدى تصاعد المشاعر المعادية للمهاجرين خلال العام الماضي في تركيا إلى اعتداءات مميتة على اللاجئين وهجمات العصابات المحلية على أحياء المهاجرين – وهو تحول خطير بالنسبة لتركيا التي كانت تفخر ذات مرة بالترحيب بالسوريين ، وتستضيف ما لا يقل عن 4 ملايين لاجئ.
وقد اندلع غضب المواطنين الأتراك نتيجة شعورهم المتزايد بالقلق من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، بالإضافة إلى عدم ارتياحهم بسبب الادعاءات القائلة بأن المهاجرين يغيرون شخصية تركيا، وتلك الادعاءات يحفزها السياسيون حيث يستخدمون خطابًا استفزازيًا أو عنصريًا للاستفادة من حالة الخوف تلك، وهكذا تعد تركيا أحدث دولة أوروبية يتسارع فيها صعود السياسات المناهضة للمهاجرين، كما أن لاجئيها يواجهون أيضًا نوع من التفضيل فالنزعة القومية التركية تفضل أولئك القادمين من البلقان على غيرهم ،لا سيما على القادمين من الشرق الأوسط.
وكما صرحت أسلي أيدينتاسباس الزميلة البارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية قائلة إن تركيا “تسير في اتجاه قومي من جميع النواحي”.
ومن جانبه فقد كافح الرئيس رجب طيب أردوغان -الذي سمح لملايين اللاجئين السوريين بالقدوم إلى تركيا- للرد على الغضب الشعبي حيث تناوبت حكومته بين الدفاع عن المهاجرين وإقرار لوائح جديدة للحد من ظهورهم، وذلك وهو يضع في الحسبان انتخابات حاسمة العام المقبل ، فقد تعهد أردوغان بإعادة مليون سوري إلى وطنهم ، وهي سياسة يُنظر إليها على أنها غير عملية وغير قانونية ،ولم تكن كافية لإسكات دعوات خصومه لاتخاذ مزيد من الإجراءات.
أما من جانب السوريين المقيمين في تركيا فتتصاعد لديهم المخاوف من أن أنقرة قد تعيد العلاقات التي قطعت منذ فترة طويلة مع الرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي من شأنه أن يرضي القوميين الأتراك الذين يرون أن دعم أردوغان للمعارضة السورية يساهم في خلق أزمة اللاجئين الحالية.
فلقد زاد الاستياء العام لدى المواطنين الأتراك منذ سنوات وتفاقم ذلك الاستياء خلال الصيف الماضي عندما وصلت موجة جديدة من اللاجئين الأفغان إلى حدود تركيا، وترى استطلاعات الرأي الآن أن الهجرة المنتظمة إلى تركيا هي المشكلة الأولى أو الثانية الأكثر إلحاحًا التي تواجه الأمة.
صرخ مواطن تركي هذا الشهر على محطة ترام حي السلطان أحمد المليء بالسياح في إسطنبول قائلا “نحن كالكلاب في بلدنا” ويبدو أن صرخة المواطن تلك تعكس المزاج الوطني، وهو ما جعل السياسي أوميت أوزداغ المناهض للمهاجرين نفسه في قلب الضجة، مما أدى إلى تضخيم كل نزاع يتعلق بالمهاجرين وخلق نزاعات جديدة ، لا سيما أثناء سفره في جميع أنحاء تركيا مروجا لحزبه السياسي الجديد المناهض للهجرة والذي يركز برنامجه على القادة الأتراك – الذين يتهمهم بخلق أزمة “هوية وطنية” ولكنه يستهدف بشكل أساسي اللاجئين مستخدمًا كلمات مثل “الغزو” لوصف وجودهم.
كما صرح أثناء مقابلة أجريت معه مؤخرا إن المهاجرين خلقوا “أزمة وجودية عميقة للمجتمع التركي والدولة التركية”، كما يصرح بأنه “لا يمكن دمج أكثر من 5 ملايين عربي في تركيا”، وعندما سئل عما إذا كان بذلك يثير المشاعر المعادية والتي تشكل خطرًا على المهاجرين ، أجاب بأن هذه المشاعر كانت متفشية بالفعل، وأضاف “هناك الكثير من الغضب في الشوارع” وعدم تمثيل هذا الغضب على الساحة السياسة في الواقع يزيد من خطر العنف.
بينما يعاني الاقتصاد التركي، يحلق أردوغان منفردا
بينما قفز معدل التضخم إلى 80 في المئة في يوليو ، وفقا للأرقام الرسمية، وفي الوقت الذي يكافح فيه الأتراك من أجل شراء السلع الأساسية، فإن الروايات التي تتحدث عن الدعم الحكومي للاجئين السوريين اكتسب زخما غير عاديا.
ومن جانبها فقد رأت يلديز أونين المتحدثة باسم منصة “كلنا لاجئون ” ، أن أوزداغ ليس المسؤول الوحيد عن كراهية الأجانب المتصاعدة، حيث ترى أن حكومة أردوغان كانت بطيئة في مكافحة المعلومات المضللة التي انتشرت في تركيا بشأن حصول المهاجرين على مزايا حكومية سخية، ونتيجة لذلك فإن “الأشخاص الذين كانوا ضد المهاجرين – وأنا أسميهم عنصريين – بدأوا يصبحون أكثر قوة، وبدأوا في العمل بصورة منظمة”.
كما علق أيدينتاسباس من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أنه في السنوات الأولى من الحرب السورية “كان هناك شعور أكبر بالتضامن والتعاطف” حيث فتح الأتراك منازلهم لسوريين مصابين بصدمات نفسية – في وقت فعل فيه الأوروبيون كل شيء لمنعهم من الوصول إلى حدودهم ،بما في ذلك تقديم أموال ومعونات لإبعادهم عن أوروبا بموجب اتفاق أبرمته تركيا عام 2016 مع مساعدة أوروبية تقدر بقيمة 6 مليارات يورو، وأضاف أيدينتاسباس “الحقيقة هي أن سوريا لا تزال غير آمنة للعودة”.
وهكذا يمكننا القول بأن الحرب السورية التي لا نهاية لها حولت مخيمات اللاجئين إلى مدن خرسانية، وهناك اصطدمت الأفكار المسبقة القديمة بمخاوف جديدة، مكونة مزيجًا قابلًا للاشتعال.