واشنطن (زمان التركية)- نشر موقع المونيتور المتخصص في الشؤون التركية تقريرا حول تحركات المصالحة التي تسارع تركيا في إجرائها، بعد أن قد خربت علاقاتها بالعديد من الدول المحورية، خلال السنوات العشر الأخيرة.
وفيما يلي التقرير:
يسعى أردوغان إلى تحقيق إنجازات بالسياسة الخارجية، ولكن لا يزال الاقتصاد التركي في وضع سيء، فقد خفضت البلاد أسعار الفائدة مرة أخرى، على الرغم من ارتفاع التضخم إلى 80 ٪ سنويًا في يوليو.
بينما ارتفعت البطالة أكثر من 10%، حيث تستنزف الحرب التركية في سوريا قرابة ملياري دولار سنويًا وفقًا لصحيفة فاينانشيال تايمز، بينما يعيش على الأراضي التركية 3.7 ملايين لاجئ سوري، الأمر الذي يضيف أعباء على الاقتصاد التركي المنكمش وتقدر تلك الأعباء بحوالي 40 مليار دولار .
واليوم يسعى الرئيس التركي أردوغان إلى تحقيق بعض النجاحات لمواجهة الأزمة الاقتصادية عبر تغيير سياسته الخارجية، محاولا إحياء نهج “صفر مشاكل مع الجيران” الذي اتبعه قبل الربيع العربي منذ أكثر من عقد من الزمان. وهكذا تكشف المبادرات التركية في أوكرانيا وسوريا وإسرائيل عن إعادة ضبط للسياسة الخارجية حول الأزمة الاقتصادية والجيوستراتيجية .
ولكن في وسط كل هذه التحركات لا تزال الليرة التركية تعاني الأمرين، ولا سيما بعد القرارات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي التركي بخفض الفائدة مرة أخرى. فقد شهدت الليرة التركية انخفاضًا حادًا مقابل الدولار بعد قرار البنك المركزي المفاجئ بخفض أسعار الفائدة، ولم يمر ذلك دون أن يلاحظه أحد على وسائل التواصل الاجتماعي.
أردوغان والتركيز الدبلوماسي على أوكرانيا
كان أردوغان في لفيف الأوكرانية في الثالث من أغسطس يقف بجانب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، ويعرض مساعدة تركيا في التوسط لإنهاء الحرب في أوكرانيا، كما وقعت تركيا وأوكرانيا مذكرة تفاهم للمساعدة التركية في إعادة إعمار أوكرانيا.
التقى أردوغان، الذي “يسير على خط رفيع بين روسيا وأوكرانيا في الحرب الأوكرانية، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي في 3 أغسطس. وعقب تصريح الزعيمين بأنهما سيزيدان من تحسين العلاقات الاقتصادية، أعلن الرئيس التركي في أنقرة أن خمسة بنوك تركية اعتمدت نظام المدفوعات الروسي مير، فتركيا في حاجة إلى الغاز الروسي، والنقود والسياح – ودفعت بهجة أنقرة الصاخبة بشأن علاقاتها الاقتصادية المتنامية مع روسيا – بعض الخبراء الأوروبيين للإشارة إلى تركيا على أنها “الفارس الأسود”، بمعنى أنها تساعد روسيا في التهرب من الحظر الدولي لمصلحتها الخاصة.
وفي حين أن عملية السلام في أوكرانيا ستتطلب في نهاية المطاف دعم الولايات المتحدة والقوى العالمية الأخرى، تبرز تركيا في الحفاظ على الدبلوماسية حية في هذه الأثناء – بما في ذلك من خلال الوساطة، مع الأمم المتحدة من خلال مبادرة حبوب البحر الأسود والتي سمحت باستئناف تصدير الحبوب الأوكرانية والمواد الغذائية والأسمدة.
ولا يزال أردوغان يحمل واحدة من أهم الأوراق التي يمكن لعبها في الصراع: الموافقة على عضوية الناتو لفنلندا والسويد. وقد صرح أردوغان إنه “غير وارد” بالنسبة للبرلمان التركي الموافقة على عضويتهما ما لم يتم استيفاء الشروط التي اشترطها فيما يتعلق بالقوانين والسياسات التي تتعامل بها مع الجماعات الكردية والتي تعتبرها تركيا إرهابية.
أما بخصوص الوضع السوري، فتحاول تركيا التقارب مع نظام الأسد بعد سنوات من الحرب. ففي غضون ذلك كشف وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الأسبوع الماضي أنه التقى نظيره السوري فيصل المقداد حول ضرورة المصالحة بين قوى المعارضة ودمشق في إطار التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا، كما كشف جاويش أوغلو عن ذلك في اجتماعهم في سوتشي في 3 أغسطس. فقد شجع بوتين أردوغان على النظر في الاجتماع مع الرئيس السوري بشار الأسد لدفن الأحقاد التي خلقتها العداوة التي استمرت أكثر من عقد من الزمن، ولطالما دافع بوتين عن التقارب بين دمشق وأنقرة معتبراً إياه أمرًا محوريًا لأي ترتيب سلام في سوريا، حتى إن موسكو سهلت الاجتماعات بين كبار مسؤولي المخابرات الأتراك والسوريين ولكن دون نتيجة تذكر.
وقد صرح أردوغان للصحافيين في طريق عودته من أوكرانيا: “بالنسبة لنا المسألة لا تتعلق بهزيمة الأسد أو عدم هزيمته” مضيفًا أن إبقاء قنوات الحوار مفتوحة مع دمشق أمر “ضروري”، فالتصور الروسي للتفاهم السوري التركي أنه يكون على غرار اتفاقية أضنة المحدثة والتي أعادت العلاقات الثنائية في حينها، لتكون سوريا هي المسؤولة عن قمع أي نشاط لحزب العمال الكردستاني في سوريا، وفي الوقت نفسه لم يوقع الرئيس الروسي حتى الآن على عملية عسكرية تركية جديدة في شمال غرب سوريا ضد الجماعات الكردية المتمركزة هناك، كما أشارت واشنطن من جانبها إلى أنها لن توافق على عملية عسكرية تركية جديدة في شمال غرب سوريا ضد الأكراد، حيث إن واشطن تدعم وجود الأكراد هناك، لا سيما بعد التعاون العسكري الأمريكي معهم لإخراج داعش من المنطقة.
إلا أن أردوغان يسعى إلى عدم إعطاء فرصة لوجود حكم ذاتي كردي فعلي في شمال شرق سوريا، من خلال البدء في عملية إعادة 3.5 مليون لاجئ سوري حيث يعتبرون عبئًا وتهديدًا من قبل الكثيرين في تركيا، ولذلك فهو يريد منطقة آمنة واسعة على طول الحدود خالية من قوات سوريا الديمقراطية الكردية، و يمكن لاتفاق مع الأسد أن يسمح للاجئين بالعودة إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في بقية البلاد أيضًا.
كتب الكاتب فهيم تاشتكين أنه “من الواضح أن الحجة من أجل السلام مع دمشق تكتسب وزناً في مختلف مستويات الدولة التركية”، ولطالما نصح عدد من الدبلوماسيين والضباط العسكريين المتقاعدين البارزين بالمصالحة مع الأسد، حتى الجهات القومية الجديدة التي تدعم موقف الحكومة العدائي ضد الأكراد تضغط من أجل السلام مع دمشق”، كما أن حسابات أردوغان السياسية وبقاءه السياسي جزء من هذا المزيج، فمن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بحلول 18 يونيو من العام المقبل، إلا أن الاقتصاد التركي الذي عزز نجاح أردوغان لسنوات طويلة في حالة سقوط حر، كما يتصاعد الاستياء ضد المهاجرين يوميا من قبل المواطنين الأتراك حيث تؤثر عمالة المهاجرين الرخيصة على زيادة البطالة بين المواطنين الأتراك. وهكذا تتزايد الاعتداءات العشوائية على السوريين، وقد صرحت المعارضة إنه بمجرد وصولها إلى السلطة فإنها “ستعيد السوريين إلى وطنهم”، ثم ستقوم بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد وترى أن هذا النهج “أمر لا بد منه” ومثل تلك التصريحات يتلقاها المواطنون الأتراك بالقبول والترحاب.
وقد يكون أكبر عقبة أمام أي مصالحة مع سوريا هو الأسد نفسه، فهو يشعر بالرضا عن نفسه من خلال التوسع التدريجي لعلاقات سوريا مع العديد من الدول العربية، ويصر على انسحاب تركيا من شمال سوريا، ومن غير المرجح أن يتصالح مع جماعات المعارضة المدعومة من تركيا كشرط للسلام. ومن جانبه فقد صرح صالح مسلم؛ الرئيس المشارك لحزب الاتحاد الديمقراطي، والذي يشترك في السلطة في الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بقوله: “علينا أن نأخذ هذه التحركات على محمل الجد لأن الجانبين (الأسد وأردوغان) يأخذان أوامرهما من بوتين”، وأضاف: “حقيقة وقوفهم ضد الأكراد ليست مفاجأة للأكراد”.
وليس بعيدا عن سوريا فقد أصلحت كل من تل أبيب وأنقرة علاقتهما أخيرا بعد محادثات استمرت قرابة عامين من أجل مصالح يستهدفها الطرفان من تلك العلاقة. لا تقوم إسرائيل وتركيا بإحياء علاقتهما، لكنهما استأنفتا صداقتهما. ستظل هناك تقلبات، لكن الجميع تقريبا يتفقون على أن المصالحة الإسرائيلية التركية موجودة لتبقى في المستقبل المنظور. طريق العودة لم يشمل فقط الدبلوماسية من أعلى إلى أسفل بقيادة أردوغان والرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ولكن تعاونًا غير مسبوق بين الموساد الإسرائيلي ونظيره التركي ردًا على المخابرات الإيرانية وإرسالهم قتلة إلى تركيا لقتل أو اختطاف السياح الإسرائيليين. ومن خلال استعادة العلاقات مع إسرائيل وجدت تركيا بابًا خلفيًا للفوائد المحتملة من التحالف الإبراهيمي بينما تكمل تركيا تقارباتها مع المملكة العربية السعودية والبحرين.
وبينما يحاول أردوغان جاهدا للعودة بعلاقاته الخارجية إلى ما قبل عقد من الزمان إلا أن سياسات أردوغان فيما يتعلق بالاقتصاد تجعل الوضع الاقتصادي التركي يسوء يوما بعد آخر و بدون الاعتراف بالأزمة الاقتصادية التي تضغط على المواطنين الأتراك فمن غير المرجح أن يصمد الاقتصاد التركي حتى موعد الانتخابات الرئاسية وهو الأمر الذي يحذر منه خبراء الاقتصاد.