بقلم: محمد أبو سبحة
القاهرة (زمان التركية) – بعد عشر سنوات من اندلاع الأزمة السورية، حدّثت حكومة حزب العدالة والتنمية من رؤيتها لحل الأزمة في سوريا؛ فبعد أن كانت تتبنى حتمية “الحل العسكري” لإنهاء الصراع، استبدلت أنقرة ذلك بمبادرة “التسوية السياسية” بين النظام والمعارضة، وإن شئت فقل إن الرئيس رجب أردوغان قرر أن ينفضّ الغبار عن أقدم ما طرح من مبادرات لمعالجة الأزمة في بدايتها.
تركيا تتخلى عن الحل العسكري
بعد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي، ومن قبلها في طهران، فجر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قبل أيام سجالا كبيرًا بإعلانه أن تركيا ترى في “التسوية السياسية” الحلَّ الدائم والأمثل للأزمة السورية، ملقيًا باللوم على النظام السوري؛ لأنه لا يؤمن إلا بالحل العسكري، ويرفض جميع مبادرات الحل السياسي.
بالعودة سنوات قليلة إلى الوراء، نجد أنه مع زيادة توغل الجيش التركي في الأراضي السورية عام 2017، لإقامة نقاط أمنية بزعم دعم “الجيش الحر” لتأمين السوريين في شمال البلاد من هجمات للنظام، في حين أن الغرض القضاء على النفوذ الكردي، كان هناك تصريح للرئيس رجب طيب أردوغان، ردا على رفض الولايات المتحدة وروسيا للتحركات العسكرية التركية، قال فيه: “من لا يقتنع بجدوى الحل العسكري في سوريا عليه سحب قواته”، في إشارة إلى أنه شخصيًا لا زال يؤمن بحتمية الحل العسكري لإنهاء الصراع في البلد الجار.
أسباب التدخل التركي في سوريا
نفذت تركيا حتى الآن أربع عمليات عسكرية في سوريا، وتقول إنها تستعد للخامسة، فيما تركز جميعها على القضاء على النفوذ الكردي في شمال وشرق سوريا. وبعد السيطرة على عفرين، ثم تل أبيض، ومن قبلها جرابلس وإعزاز والباب، تريد تركيا حاليًا السيطرة على تل رفعت ومنبج، حيث تبسط قوات سوريا الديمقراطية سيطرتها.
تتزامن الرؤية التركية الجديدة التي أزعجت المعارضة السورية، واندعلت بسببها مؤخرًا احتجاجات ضد أردوغان في المناطق الخاضعة لنفوذ تركيا في شمال سوريا، مع قرب تحقق المخطط التركي بالقضاء على/إضعاف النفوذ الكردي في سوريا، ليتأكد للسوريين أن مخططات حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان كانت منصبة طوال الفترة الماضية على ما هو بعيد تماما عن آمالهم.
أردوغان يستبعد الدبلوماسية
رفض أردوغان منذ أن قرر توريط تركيا في الأزمة السورية عام 2012 جميع النصائح التي وجهت له من شخصيات سياسية مؤيدة ومعارضة وأخرى على الحياد، بشأن الحفاظ على استمرارية العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، كما رفض الأصوات المنادية بأن تلعب أنقرة دورًا في الوصول إلى حل سياسي بين دمشق والمعارضة، لكنه أصر على أن تحظى تركيا بلقب أكبر بلد يستقبل اللاجئين في العالم، وأطلق تعهداته بإسقاط النظام السوري والصلاة في الجامع الأموي.
حتى وقت قريب، كان أردوغان لا يردّ على دعوات شخصيات مثل، زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو، وزعيمة حزب الخير ميرال أكشنار، بالسعي للمصالحة مع الرئيس السوري بشار الأسد، كما كان ينزعج من أي دعوة لإعادة السوريين إلى بلادهم، بينما بات الحديث عن تهيئة الأوضاع لإعادة السوريين بحلول العام المقبل على أولوية أجندة حكومة حزب العدالة والتنمية التي تستعد لانتخابات حاسمة في 2023، فيما تشير تصريحات لقيادات في الحزب الحاكم، من بينهم حياتي يازيجي، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، إلى أن العلاقات مع سوريا في طريقها للتطور إلى مستوى أعلى.
حل الأزمة السورية عند كولن!
في حين كانت لا تزال العلاقات بين حزب العدالة والتنمية وحركة الخدمة طبيعية، التقى وزير خارجية تركيا الأسبق أحمد داود أوغلو في عام 2013 مع المفكر الإسلامي فتح الله كولن، ملهم حركة الخدمة، وقال خلال لقاء تلفزيوني إنه طرح على حكومة أردوغان الابتعاد عن فكرة الإطاحة ببشار الأسد، وذكر ما واجهه الشعب السوري على يد حافظ الأسد الذي أباد أكثر 80 ألف نسمة لوأد تحرك معارض ضده في الثمانينيات.
كولن قال إنه طالب بدعم النظام السوري للتغلب على أزمته، وحلّ المشكلة دون تعقيدٍ للأمر، وطرح فكرة إقناع النظام السوري بالتحول تدريجيا إلى الديمقراطيّة، بما يتيح لاحقا لكافة المكونات، مثل السنة والكرد، التمثيل في الحكومة والبرلمان، لكن رأيه قوبل بتعال من نظام أردوغان، الذي اعتبر أن لديه من الخبرة ما يؤهله لحسم الأمر دون الحاجة إلى رأي “داعية”. حيث قرر الرئيس التركي أن يبدأ تدخله في سوريا بتسليح المنشقين من الجيش السوري وإنشاء جيش موازٍ، الأمر الذي جعل من الحرب الأهلية في سوريا واقعًا لا مفر منه.
حل شامل للأزمة السورية
ورغم أن طرح كولن كان يبدو وقتها بسيطًا، ويراه البعض غير واقعي، إلا أنه الأكثر شمولية، وبات المجتمع الدولي يسعى في السنوات الأخيرة لتطبيقه، فيما بدأ نظام أردوغان تبنيه. وزير الخارجية التركي قال إن بلاده تدعم سيادة ووحدة الأراضي السورية، وترغب في تحقيق أهداف اللجنة الدستورية برعاية الأمم المتحدة، والتي تعمل على إقرار دستور جديد للبلاد يضمن الانتقال إلى نظام حكم ديموقراطي ممثل فيه جميع أطياف ومكونات الشعب السوري.
على عكس جميع الفاعلين الآخرين على الساحة السورية، سواء المستمرين أو من قرروا الانسحاب مبكًرا، كانت تمتلك تركيا من المقومات بحكم موقعها الجغرافي المجاور لسوريا، وعلاقات الصداقة الأسرية التي جمعت بين عائلتي أردوغان والأسد، ما يؤهلها بدون الحاجة إلى تحريك أي قطعة عسكرية أو إطلاق رصاصة واحدة، للعب دور مؤثر، يفضي إلى نتائج أكثر إيجابية في الملف السوري، عبر الأدوات الدبلوماسية والاستخباراتية بما يحقن الدماء، ويوقف موجة النزوح البشري الأكبر في التاريخ، لكن أردوغان انجر وراء مخططات أخرى بعيدة كل البعد عن مصلحة الشعب السوري والمنطقة عمومًا من أجل تحقيق أغراض قومية وشخصية.