أنقرة (زمان التركية) – نشر الباحث الكردستاني لازغين يعقوب مقالا حلل فيه العلاقات التركية الروسية، وتأثيرها على الوضع في الداخل السوري في ضوء اتفاقية “أضنة” التاريخية الموقعة بين تركيا وسوريا.
التحليل الذي نشرته شبكة (روداو) الكردية العراقية، تطرق إلى اتفاقية “أضنة” التاريخية بين تركيا وسوريا في 1998، والتي تحاول موسكو إحيائها، كبديل عن مخطط “المنطقة الآمنة”.
وفيما يلي المقال كاملا:
صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت متأخر من يوم الجمعة الماضي عن وجود اجتماعات جارية بين تركيا وسوريا بشأن القضايا الأمنية، وبالأخص مكافحة الجماعات الإرهابية. وقد جاءت تصريحات أردوغان عقب اجتماعه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي يوم الجمعة، حيث قيل إن الأخير طلب من أردوغان التعاون مع سوريا.
وقد صرح أردوغان أيضا بقوله “اتفقنا على القرار بإعطاء الرد اللازم في معركتنا ضد القتلة الذين هاجموا جنودنا وشرطتنا وقواتنا الأمنية ومواطنين مدنيين”.
إلا أن الكرملين كشف في بيان مشترك أن كلا الجانبين اتفقا على “العمل المشترك والتعاون الوثيق لمحاربة جميع المنظمات الإرهابية”، مع عدم إعطاء تفاصيل حول جوهر هذا التعاون أو الآلية التي سيتم من خلالها تنفيذه. والحقيقة أن المسؤولين الروس حثوا مرارًا وتكرارًا كلا من سوريا وتركيا على تفعيل اتفاقية أضنة 1998.
والحقيقة أيضا أنه بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية كان البلدان على طرفي نقيض، و قطعت تركيا العلاقات الدبلوماسية مع سوريا في آذار / مارس 2012، إلا أنه على الرغم من ذلك أكد المسؤولون الأتراك دائمًا أنه عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأمنية ومكافحة الإرهاب،كان هناك دائما لقاءات بين البلدين الجارين، لكن دمشق من جانبها تنفي بشكل قاطع مثل هذه المزاعم.
وبعد عقد من قطع العلاقات الدبلوماسية سهلت روسيا في كانون الثاني /يناير 2020 لقاءً بين رئيسي جهازي المخابرات التركية والسورية هاكان فيدان وعلي مملوك في موسكو، وقد تضمن ذلك اللقاء نقاشات لعدة أمور، كان من بينها إمكانية العمل معا ضد القوات الكردية، وزعمت وسائل الإعلام التركية أن اجتماعا آخر عقد أيضا في عام 2021 دون أي تعليق من قبل الجهات الرسمية السورية.
ولطالما تأثرت العلاقات التركية السورية بسبب القضايا المتعلقة بالقضية الكردية التي كانت نقطة اختلاف أحيانا وفي أحيان أخرى نقطة التقاء. ومن المعلوم أن معاهدة “أنقرة” لعام 1921 والمعروفة أيضًا باسم اتفاقية “فرانكلين بويون” أرست الأساس لترسيم حدود تركيا الجنوبية مع سوريا والتي كانت مدار اختلاف بين الجانبين إلى أن تمت تسويتها نهائيًا في عام 1939 وإن لم يكن بشكل دائم.
في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي كادت الحرب تقع بين البلدين بسبب قضية حزب العمال الكردستاني (PKK) وقضية المياه. ومع فشل السياسيين الأتراك في إيجاد حل دبلوماسي لحل مسألة الدعم السوري لحزب العمال الكردستاني، كان الجيش هو الجهة التركية التي اتخذت إجراءا فيما يتعلق بهذا الأمر. لكن نقطة التحول الحقيقية في العلاقات بين الجانب التركي والسوري جاءت في تشرين الأول/أكتوبر 1998 عندما وقع الجانبان على “اتفاقية أضنة” التي تركز على الأمن والتي أدت إلى تعاون سريع بين الجانبين ليس فقط سياسيًا ولكن اقتصاديًا أيضًا.
وقد تم التوقيع على الاتفاقية في 20 أكتوبر 1998 بعد أحد عشر يومًا من إجبار عبد الله أوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني، على مغادرة سوريا، إلا أن ذلك لم يخفف من مخاوف تركيا، غير أن سوريا اعتبرت حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية، وتعهدت بعدم السماح بأي أنشطة لحزب العمال الكردستاني ضد تركيا أو السماح لأعضائها باستخدام أراضيها كموقع عبور.
وهكذا بموجب اتفاقية أضنة تم إغلاق جميع مكاتب حزب العمال الكردستاني على الأراضي السورية، وتم حظر أنشطته وملاحقة أعضائه داخل سوريا.
وبالعودة إلى يومنا الحاضر، فقد فشل أردوغان الأسبوع الماضي في إقناع نظيريه الروسي والإيراني بدعم عمليته العسكرية المخطط لها ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في شمال سوريا، حيث يريد أردوغان التوغل 30 كيلومترًا في عمق الأراضي السورية لاستكمال “منطقته الآمنة” التي بدأها منذ سنوات طويلة، محاولا طرد المقاتلين الأكراد.
يوم الاثنين، أعربت إدارة العلاقات الخارجية في كردستان الغربية بسوريا “روجافا“ -منطقة الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا- في بيان لها عن مخاوفها بشأن التقارير المزعومة عن إحياء اتفاقية أضنة. ومن جهة روسيا فإنها لا تعارض بشكل صريح فكرة “المنطقة الآمنة” لأردوغان في شمال سوريا، مادام أنها لا تصل إلى حد الإضرار بالمصالح الروسية من خلال المزيد من الاحتلال التركي للأراضي السورية، ومن جهة أخرى تريد كل من روسيا وإيران إعادة المناطق التي يسيطر عليها الأكراد بالكامل إلى سيطرة قوات النظام السوري.
من خلال الوساطة الروسية بين تركيا وسوريا تحاول روسيا تشجيع كلا الدولتين على حل القضايا العالقة بينهما على طول حدودهما من خلال إحياء اتفاقية أضنة. ومع ذلك يؤكد الأتراك أن سوريا لا تملك القدرة على تنفيذ الاتفاق المعني.
إلا أن الجدير بالذكر هنا كون المادة الرابعة من تفاهم “سوتشي” الروسي التركي لشهر أكتوبر 2019 تنص على أن “كلا الطرفين يعيد تأكيد أهمية اتفاقية أضنة، وأن روسيا من جانبها ستسهل تنفيذ هذه الاتفاقية في ظل الظروف الحالية”.
ورغم أن الأزمة السورية أوقفت اتفاقية أضنة، إلا أن الاتفاق من وجهة النظر الروسية لا يزال ساري المفعول من الناحية الفنية. ووفقًا لوجهة النظر الروسية، فإن اتفاقية أضنة هي الأساس القانوني لأي عمليات تركية داخل الحدود السورية بالتنسيق مع دمشق، وبناءً على ذلك تقول موسكو إنه لا توجد حاجة لأرضية جديدة للقيام بعمليات عسكرية تركية في الأراضي السورية، وأن هذا كفيل بتحقيق “المنطقة الآمنة لأردوغان”. إلا أنه يمكن تعديلها بما يلبي الأوضاع الجديدة التي نشأت في شمال سوريا. واللافت للنظر، أنه خلال الشهر الماضي قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن بلاده مستعدة للتعاون مع النظام السوري ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد.
أما الجانب الروسي فلديه هدفان أساسيان يعمل على تحقيقهما. أولاً: تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، أما الهدف الثاني فهو تقليص التطلعات التركية في شمال سوريا للتحول من منطقة آمنة إلى مسألة قلق أمني تركي.
وبحسب اتفاقية أضنة فقد تخلت سوريا عن مطالبتها بولاية هاتاي “الإسكندرونة سابقاً”، كما منحت المادة 4 من اتفاقية أضنة تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية على عمق خمسة كيلومترات، لمطاردة أعضاء حزب العمال الكردستاني. وهكذا يزعم أردوغان أن اتفاق أضنة يمنح تركيا الحق في دخول سوريا في حالة حدوث تطور سلبي.
ونظرًا لكون اتفاقيتي تركيا الموقعة بشكل منفصل مع الولايات المتحدة وروسيا في أكتوبر 2019 لا تزال قائمة نظريًا، فقد يبدو اتفاق أضنة بديلاً جذابًا لأردوغان على الأقل في الوقت الحالي، مما قد يمثل تغييرًا في موقف تركيا تجاه سوريا.