واشنطن (زمان التركية) – نشرت أمس صحيفة فورين بوليسي مقالا لمكسيميليان هيس المتخصص في الدراسات الأسيوية والباحث في مركز السياسة الخارجية التابع للصحيفة والمقالة تعد هامة لمحاولة فهم كيفية تعامل الغرب مع حكومة أردوغان في الآونة الأخيرة وما هو النهج الذي يمكن أن تنتهجه الدول الغربية لاستخدام أردوغان في حربها على روسيا ، وقد وصفت الصحيفة أردوغان باعتباره دكتاتورا ، وقد جاء في المقال :
إن للغرب الديمقراطي تاريخ طويل مثير للجدل من الدخول في تحالفات مع دكتاتوريين بغية المصلحة في جميع أنحاء العالم – ومع أنهم شركاء بغيضين لكنهم ضروريون في مواجهة التهديدات التي يتعرض لها النظام الدولي، وقد تمت إدانة هذا النوع من التحالفات باعتباره مشكوكًا فيه من الناحية الأخلاقية وباعتباره أيضًا تحالفا سياسيا واقعيا قائما على توازن القوى بامتياز، ولقد مكنت تلك التحالفات الغرب الديمقراطي من الاتحاد لهزيمة أدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية وكسب الحرب الباردة .
ويأتي على رأس قائمة الشركاء البغيضين الذين يحتاج الغرب بشكل عاجل إلى اقامة علاقات أفضل معهم اليوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن الواضح أنه بغيض: فلقد قوض الديمقراطية التركية بنشاط ، وأزال عقودًا من التحرير ، وسلَّح الهجرة ، وأرهب الأقلية الكردية في الداخل وفي سوريا المجاورة ، وساعد إيران على انتهاك العقوبات الأمريكية. وفي الآونة الأخيرة ، هدد بمنع عضوية السويد وفنلندا في الناتو، وسوف يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يتمكن الغرب من الوثوق به بصدق.
لكن الحقيقة هي أن الغرب اليوم بحاجة إلى أردوغان أكثر من أي وقت مضى، بعدما عززت حرب روسيا الوحشية والشاملة ضد أوكرانيا إلى حد كبير مكانة تركيا على رقعة الشطرنج الجيوستراتيجية، وبرزت أنقرة كمورد رئيسي للطائرات بدون طيار إلى كييف – الشحنات التي لحسن الحظ لم تظهر أي نية لوقفها، والتي ستحسن فرص أوكرانيا في الفوز بشكل كبير إذا تم توسيع شحنات الأسلحة التركية. وأغلق أردوغان ، الذي يتحكم في الوصول إلى البحر الأسود عبر المضيق التركي ، الممر المؤدي إلى السفن الحربية في أواخر فبراير.
في الوقت نفسه ، كانت أنقرة مستعدة أيضًا للتعاون مع موسكو بشأن أوكرانيا حيث يرى أردوغان فرصة، فقد ناقش وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو خططًا لتأمين طريق لصادرات الحبوب الأوكرانية مع نظيره الروسي سيرجي لافروف في أنقرة في 8 يونيو ، ويقال إنه طلب خصمًا بنسبة 25 في المائة على مشتريات الحبوب التركية كجزء من الصفقة، فبدون أن تكون أنقرة على طاولة المفاوضات، فإن أي مقترحات غربية لكسر الحصار الروسي على الموانئ الأوكرانية ماتت فور وصولها.
كما يحتاج الغرب إلى تركيا إلى جانبها في الحرب الاقتصادية ضد روسيا، فيمكن أن يؤدي دعم أنقرة وحده إلى تقييد تدفق البضائع الروسية الخاضعة للعقوبات من وإلى البحر الأسود والتي تستمر حتى مع بقاء السفن الأوكرانية عالقة في الميناء. إن مساعدة أنقرة حاسمة في تقليص الأموال الروسية لا سيما بعد أن أصبحت تركيا وجهة رئيسية للأموال الروسية (ويخوت القلة) الفارين من العقوبات وتلعب دورًا متزايدًا في دعم الاقتصاد الذاتي الجديد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي نفس الوقت فإن تركيا هي واحدة من الدول الرئيسية القليلة التي تقبل الدفع الروسي بحرية ، مما يقلل من تأثير العقوبات المصرفية الغربية، وبالتالي فإن تطبيق تركيا للعقوبات المفروضة على روسيا من شأنه أن يسد واحدة من أكبر الثغرات في نظام العقوبات الذي فرضته الدول الغربية على روسيا .
لكن الأهم من ذلك ، أن تركيا ستكون لاعباً رئيسياً في إعادة ترتيب إمدادات الطاقة الأوروبية ، لأسباب ليس أقلها أنها تتحكم في الوصول إلى الطاقة من خلال عدد من خطوط الأنابيب المهمة، والتي تعد مفتاحا استراتيجيا لمرور الغاز الجنوبي إلى أوروبا ، وعلى سبيل المثال فإن خط الغاز الأذربيجاني الذي يتم توفيره عبر خطوط الأنابيب التركية العابرة للأناضول والبحر الأدرياتيكي تم افتتاحه في 2018 و 2020 على التوالي ويغذي شبكة الغاز الأوروبية في البلقان.
أخيرًا ، من شأن التحالف مع أردوغان أن يوفر للغرب مزيدًا من النفوذ الجيوستراتيجي على الكرملين بعد الحرب في أوكرانيا، حيث تلعب تركيا أيضًا دورًا رئيسيًا في ثلاثة صراعات إضافية تشارك فيها روسيا وهي : سوريا وليبيا والنزاع بين أرمينيا وأذربيجان حول ناغورنو كاراباخ، لا سيما بعد أن انتقل أردوغان من سياسة الإهمال الحميد إلى التدخل النشط في هذه الصراعات على مدى العقد الماضي ، بدافع الرغبة في تعزيز دور تركيا كقوة إقليمية مستقلة عن الغرب. توفر الشراكة المستأنفة مع أردوغان مزيدًا من نقاط الضغط في محاولة لتقييد نفوذ موسكو.
إذا السؤال هو ما هي الجزرة التي يمكن أن يقدمها الغرب لأردوغان للتخلي عن موسكو؟ قد تكون الأزمة الاقتصادية في تركيا مجرد فرصة، مع وصول التضخم السنوي إلى 73.5 في المائة في مايو ، وقرب احتياطيات العملة من أدنى مستوياتها على الإطلاق ، وانخفاض الليرة التركية بنسبة 30 في المائة مقابل الدولار منذ بداية العام حتى الآن بعد انخفاض بنسبة 44 في المائة في عام 2021 ، وارتفاع ا مخاطر التخلف عن السداد في تركيا، وفرار المستثمرين الأجانب من السوق، وبحث تركيا عن رأس مال أجنبي جديد. إننا نرى أردوغان يقوم بإصلاح العلاقات مع منافسه الإقليمي الرئيسي ، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وسيكون من الأفضل للغرب أن يقدم لأردوغان شريان حياة اقتصاديًا بدلاً من السماح لموسكو بالقيام بذلك، فعلى سبيل المثال ، يمكن للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي النظر في تقديم خط مقايضة العملات لأردوغان ، حيث سيؤدي الوصول إلى الدولار واليورو إلى تخفيف العديد من التحديات الاقتصادية المتزايدة التي تواجه أنقرة وتمهد الطريق لمزيد من الشراكة التعاونية.
إن أردوغان يعرف أن لديه دور إقليمي ومن المرجح أن يقدم مطالب أخرى، ولقد مارس بالفعل نفوذه على انضمام السويد وفنلندا المطلوب إلى الناتو ، وربط ذلك بمزيد من الحرية لتركيا ضد الأكراد السوريين الذين كانوا حلفاء الغرب البواسل في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وفي وقت سابق من هذا الشهر أعلن أردوغان عن خطط لعملية عسكرية جديدة تستهدفهم، وقد يطرح مطالب بشأن مصالح إقليمية أخرى ، وسيسعى بالتأكيد إلى تخفيف حدة الانتقادات الغربية لحكمه المحلي، وقد تكون هذه التنازلات مكلفة للمصالح الغربية الأخرى.
هناك تردد واضح في التعامل مع أردوغان في الوقت الحالي، ويبدو أن استراتيجية الغرب تتمثل في “الاعتماد على احتمال خسارة أردوغان لانتخابات [يونيو 2023]” ، بحسب كوجاك، والاعتماد على سماح أردوغان إجراء انتخابات حرة ونزيهة وانتقال سلمي محتمل للسلطة بعد عام من الآن وهو أمر مثالي في أحسن الأحوال وساذج بشكل ميؤوس منه في أسوأ الأحوال.
وهكذا يرى الكاتب أن مصلحة القوى الغربية هي الوقوع في جانب أردوغان، من أجل حماية مصالحهم والتصدي للقوة الروسية التي تعد أهم قوة معادية للغرب، ولكن يظل السؤال الهام هو كيف سيتعامل الغرب مع ابتزازات أردوغان وهل من مصلحة القوى الديمقراطية التمسك بأردوغان ؟وهل أردوغان لديه نية للتخلي عن القمح الروسي والغاز الروسي والسياحة الروسية ؟ تلك الأسئلة التي يبدوا أن الجزرة التي يتحدث عنها الكاتب لن تكون كافية لتخلي أردوغان عن تحالفه مع روسيا في الوقت الحالي.