بقلم: ماهر المهدي
اشتروا وتحكموا ، أو هكذا يقول البعض بامتعاض . كانت المكافأة الوحيدة التى يمنحها لنفسه المهندس رضوان هى الذهاب إلى ذلك المصيف المعروف في تلك المدينة الساحلية القديمة المحبوبة لأسبوع أو عشرة أيام كل عام ققط لا غير . لم يكن الثمن بالكثير من البذخ والترف ، ولكنها كانت رحلة مكلفة فعلا وكانت متعة المهندس هو ووالديه وابنه الوحيد . فقد تكلفت الليلة الواحدة في فنادق هذا المصيف ما يعادل الألف دولار الأمريكى ، وهو بالطبع ثمن يخرج من نطاق قدرة فئات كثيرة في المجتمع المصرى ويختص بالقدرة عليه فئات معينة .
ولكن البعض ارتبط بحب المدينة وحب مصيفها الشهير وحب ذكريات العقود الماضية فيها وفي شواطئها وحولها ورأوا ألا ضير في تكلفة عالية ومرهقة لفترة قصيرة ولمرة واحدة في العام تبث في قلوبهم شيئا من الدفء ومديدا من الحياة والقدرة على العمل وعلى التفكير وعلى تحمل التبعات والمسؤوليات . ولكن رضوان لم يهنأ هذه المرة بمقامه في المصيف الأثير المفضل اديه ، لا لسبب يخصه ، ولا لظروف طارئة اعترت عمله أو غير ذلك مما يحدث مع الناس ، وانما لأن الفندق طرده هو وأسرته وطرد كافة النزلاء الخاصين ذوى المكانة الاجتماعية والعلمية قبل أن يكونوا على بعض من الثراء .
فجأة ، سمع المهندس رضوان طرقا لينا على باب غرفته بالفندق فأسرع يلبى النداء ويفتح الباب بوجه باش للطارق غير المنتظر ، ولا يوجد ما قد يدعو إلى القلق ، ولكن تلاشى هذا الخاطر فور تحدث الطارق . قال الرجل مخاطبا المهندس رضوان بكل أدب : عذرا يا فندم ، نشكركم على رغبتكم في النزول ضيوفا لدينا ولكننا بحاجة الى غرفكم اعتبارا من يوم غد . ولذا نرجوكم – باسم ادارة المنتجع – أن تخلوا الغرف كلها اعتبارا من صباح الغد ، علما بأنكم ستستردون كامل مستحقاتكم لدينا عن الفترة المتبقية في أصل إقامتكم لدينا .
انتهى الكلام وانصرف الطارق المفاجىء الحزين ، وقد ترك خلفه وجها محبطا مندهشا تتنازعه مشاعر الغضب والاستياء والاستغراب . حار رضوان فيما سمع وفيما طلب منه ، ولكنه انصاع لطلب ادارة المنتج ولملم وأسرته أشياءهم وحصلوا بقية مستحقاتهم وانصرفوا غير مصدقين أنهم طردوا في بلدهم هكذا ، ولو بلطف وأدب . ورغم مضى بعض الوقت على هذا الموقف غير اللطيف ، إلا أن رأس رضوان يدور منذ حين بسؤال مهم في اعتقاده : هل لمن اشترى أن يفعل ما يشاء بما اشترى دون مراعاة لحقوق أهل البيت ؟ أم أن الشراء والييع يحفظ شيئا من الحدود بحيث لا ينسى أحد – مهما حدث وما كان – ما هو بيتنا وما هو بيتهم ؟
ماهر المهدى