تقرير: ياوز أجار
بروكسل (زمان التركية) – في استمرار لمسلسل الملاحقات الأمنية المستمر منذ سنوات، أصدر مكتب المدعي العام في أنقرة يوم الثلاثاء أوامر اعتقال بحق 98 شخصًا، بمن فيهم ضباط عسكريون سابقون وعاملون في الخدمة حاليا، وكذلك أكاديميون، في إطار ثلاثة تحقيقات منفصلة، تتعلق كلها بحركة الخدمة.
حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان تتهم حركة الخدمة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، في حين تقول المعارضة التركية بأنها كانت مدبرة من قبل السلطة للحصول على الذريعة اللازمة لإجراء حركة التصفية الشاملة في صفوف الجيش وأجهزة الدولة الأخرى.
وكان أردوغان وصف محاولة الانقلاب بـ”هدية إلهية”؛ حيث اعترف في تصريحات أدلى بها على الشاشات التلفزيونية بأن المحاولة كانت “لطفًا إلهيًّا” سمح له بإجراء عمليات لم يكن بمقدورها أن يجريها في الظروف العادية.
السلطات التركية أصدرت أوامر اعتقال بحق 59 شخصًا، من بينهم أكاديميون، بتهمة التورط في تسريب أسئلة في اختبار إتقان اللغة الأجنبية لموظفي الدولة (KPDS)، وامتحان الموظفين الأكاديميين والتعليم العالي (ALES)، وامتحان تحديد مستوى معرفة اللغة الأجنبية (YDS)، وامتحان اللغة الأجنبية بين الجامعات (UDS)، الذي عقد بين عامي 2011 و2013.
وفي إطار تحقيق آخر يتعلق بأشخاص متهمين بالانتماء إلى حركة الخدمة أيضًا، صدرت أوامر اعتقال بحق 22 شخصًا، بدعوى تسريب أسئلة في امتحان 2013 ليصبحوا ضباطًا في صفوف قوات الدرك.
وفي نطاق تحقيق ثالث بدأه مكتب المدعي العام، صدرت أوامر اعتقال بحق 17 شخصًا، بينهم ثلاثة ضباط عسكريين في الخدمة الفعلية، بالإضافة إلى ضباط سابقين، يواجهون اتهامات بالتواصل سراً عبر الهواتف العمومية المزعوم بأنها إحدى الأدوات السرية لتواصل الحركة مع المنتمين إليها.
وفقًا لبيان صادر عن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في نوفمبر، تم احتجاز ما مجموعه 292 ألف شخص، بينما سُجن 96 ألفًا آخرين منهم بسبب صلات مزعومة بحركة الخدمة منذ الانقلاب الفاشل. بالإضافة إلى الآلاف الذين تم سجنهم، اضطر العشرات من أتباع الحركة الآخرين إلى الفرار من تركيا لتجنب القمع الحكومي.
جهود حركة الخدمة في التعليم
يذكر أن الآلاف من المساكن الطلابية وصالات القراءة ومراكز دروس التقوية والتحضير الجامعي والمدارس والجامعات الخاصة المفتوحة في كل أنحاء تركيا منذ الثمانينات، من الخدمات الجليلة التي قدمتها حركة الخدمة للشعب التركي بكل أطيافه وطوائفه، والتي اعترف بها جميع المثقفين “المعتدلين” من تيارات فكرية مختلفة للغاية، بمن فيهم الداعمون لحكومة أردوغان حاليًّا، والمنتمون إلى التيار العلماني واليساري.
لقد باتت هذه المؤسسات التعليمية “جسورًا” تحمل أبناء الجماهير العريضة المهمشة، خاصة “أبناء الأناضول المتدينين”، إلى مؤسسات الدولة، بعد أن كانت حكرًا على شرذمة قليلة من الأقليات الأجنبية والنخب العلمانية “المتطرفة” فقط، التي لم تكن تتحمل أدنى ظهور للدين في القطاع العام بل الحياة الشخصية.
وبيان ذلك أن مستوى التعليم في المدارس الرسمية كان منخفضًا جدا بحيث لا يمكن النجاح في الامتحان الجامعي بدون دعم خارجي. فكان الأغنياء يرسلون أبنائهم إلى المدارس الخاصة الأجنبية، في الأغلب، أو يحصلون على دروس خاصة في منازلهم؛ في حين أن الجماهير العريضة الفقيرة لم تكن بمقدورها الدراسة في المدارس الخاصة ولا تلقي دروس خاصة في منازلهم، وبالتالي كانوا لا يستطيعون الانتقال إلى المرحلة الجامعية والوظائف العامة بعد انتهاء المرحلة الثانوية في المدارس الرسمية. وهنا مثّلت الآلاف من المساكن الطلابية وصالات القراءة- بدون مقابل مادي -، ومراكز دروس التقوية والتحضير الجامعي مقابل مبالغ رمزية مقارنة بالمدارس الخاصة، شعلة أمل للطلبة الفقراء. وحركة الخدمة حققت نجاحًا بارزًا في هذا المجال بحيث كان الطلاب الدارسون في تلك المؤسسات يحصلون على الدرجات الأولى دائمًا في الامتحان الجامعي وامتحان التوظيف العام، بالإضافة إلى أن مدارس الخدمة الخاصة كانت تحصد ميداليات ذهبية في المسابقات العلمية العالمية، حتى أصبحت ماركة عالمية في هذا المجال.
وهذا الأمر كان يعدّ سابقة هي الأولى من نوعها، حيث لم تسبق أن حصلت تركيا على المراكز الأولى من قبلُ، بل لم تشارك أصلاً في مثل هذه المسابقات العالمية. والأهم من كل ذلك أن أبناء الأناضول “المتدينين” هم من كانوا يحققون هذه النجاحات العلمية بعد أن كانوا يُتَّهمون بالرجعية الدينية أو التخلف الديني من قِبل فئة الأغنياء العلمانيين المتطرفين.
وبعدما رفضت طلبات “المبايعة” و”الخضوع الكامل” لإجراءات الحكومة بغض النظر عن ملاءمتها للقانون والدستور، بدأ أردوغان اعتبارا من تحقيقات الفساد والرشوة في 2013 يتهم حركة الخدمة باختراق الدولة عبر سرقة أسئلة التوظيف العام ومنحها لطلابها ليصبحوا في النهاية أعضاء الجهاز البيروقراطي.
وتماديًا في تشويهها في نظر الرأي العام، ادعى أردوغان أن حركة الخدمة سرقت أسئلة امتحانات التوظيف العام لسنة 2010، ليثير حفيظة الرأي العام ضدها. ومع أن امتحانات ذلك العام ألغيت وأعيدت مجددًا، وأن الموظفين المعينين من المؤسسات الرسمية من يشرفون على تلك الامتحانات، إلا أنه اتهم الخدمة بأنها دأبت على سرقة تلك الأسئلة منذ سنوات، ليبرر تمكُّن طلبة الخدمة أو الدارسين في مؤسساتها التعليمية من النجاح في الامتحانات بسهولة.
لكن هذا الادعاء لم يلق قبولا لدى الشعب؛ نظرا لأن مدارس الخدمة كانت تحصل على المراكز الأولى في المسابقات العلمية العالمية أيضًا والتي لا مكان فيها للحيلة والخداع، كما استمرت نجاحاتها في الداخل التركي بعد هذه التصريحات إلى أن أغلق النظام جميع مؤسساتها عقب انقلاب 2016 المزعوم.
في إطار رده على مزاعم اختراق أفراد حركة الخدمة لمؤسسات الدولة، قال فتح الله كولن، ملهم حركة الخدمة، بأن تشجيع أي إنسان لأفراد شعبه على دخول بعض مؤسسات بلاده في إطار القانون لا يمكن تسميته بـ”الاختراق”، حيث إن المشجَّعين على دخول هذه المؤسسات هم أفراد الشعب التركي، ومواطنو الدولة التركية، والمؤسسات هي مؤسسات هذا الشعب وهذه الدولة. ومن ثم لفت إلى نقطة مهمة بقوله: “إن الاختراق الحقيقي في تركيا جرى فعلاً في فترة معينة على أيدي شرذمة قليلين مِمَّن ليسوا من الأمة التركية. فالذين يتهمون اليوم أبناء الأمة التركية باختراق دولتهم ربما يسعوْن للتستر على اختراقهم الحقيقي للدولة التركية. ولعل قلقهم نابع من أن أبناء هذه الأمة لاحظوا اختراق هذه المجموعات الأجنبية لمؤسسات دولتهم. فالأتراك لا يخترقون مؤسسات دولتهم، بل الدخول إليها والتوظيف فيها حق قانوني ومشروع لهم، فهم يستطيعون أن يدخلوا إلى السلك السياسي والقضائي والجيش والاستخبارات والخارجية في إطار القوانين واللوائح الخاصة بتلك المؤسسات الرسمية دون أي مانع”.
–