تقرير: ياوز أجار
بروكسل (زمان التركية) – قدم محلل سياسي تركي بارز تحليلاً مثيرًا ربما يفسر سر اتجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى قرع طبول الحرب مع اليونان في الآونة الأخيرة.
أردوغان وجه اتهامات إلى اليونان بمحاولة حشد العداء الغربي ضد بلاده والاستمرار في تسليح الجزر، ورد على ذلك بتصريحات نارية حملت تهديدا بالحرب.
الصحفي والمحلل السياسي التركي جوهري جوفين زعم في مقطع فيدو نشره عبر قناته على يوتيوب، أن أردوغان يسعى إلى الاستثمار في “الأصوات القومية” مرة أخرى، ويرفع عقيرته بشكل تدريجي تجاه اليونان، من أجل تحضير الأذهان لعملية عسكرية تنتهي بـ”ضم شمال قبرص” إلى الأراضي التركية.
وبين جوفين أن أردوغان يعرف جيدا أن الأتراك يرون جمهورية شمال قبرص التركية “قضية وطنية”، لذا يعتزم جعلها ولاية تابعة لتركيا بما يسمح له أن يقدم نفسه كزعيم وسع مساحة الأراضي التركية لأول مرة منذ قرن، ويدغدغ مشاعرهم القومية قبيل الانتخابات المقبلة.
جزيرة قبرص انقسمت إلى شطرين بعد اجتياح تركيا لشمال الجزيرة، على إثر انقلاب عسكري يوناني عام 1974 كان يهدف إلى ضم الجزيرة إلى اليونان، أدى في المحطة الأخيرة إلى فصل الشطرين بمنطقة عازلة، تسمى الخط الأخضر تحت رقابة للأمم المتحدة.
يسكن القبرصيون الأتراك الثلث الشمالي لجزيرة قبرص، واليونانيون الثلثين الجنوبيين منها، وأسس القبارصة الأتراك جمهورية مستقلة في الجزء الشمالي من الجزيرة تحت اسم “جمهورية شمال قبرص التركية”، لكن لا تعترف أي دولة في العالم سوى تركيا. في حين أن قبرص “اليونانية” معترف بها دوليا، وقد انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2014، وتعتبر كل من تركيا وبريطانيا واليونان الدول “الضامنة” لاستقلال الجزيرة.
جوهري جوفين الذي يتابعه على يوتيوب نحو نصف مليون شخص، ويتجاوز عدد مشاهدي فيديوهاته مئات الآلاف، ادعى أن أردوغان يعتمد في عملية “ضمّ قبرص” على “صديقه الوفي بريطانيا”، مشيرًا إلى أن الطرفين طورا علاقات وثيقة، خاصة اعتبارا من عام 2014 حتى اليوم.
بريطانيا، التي تمتلك قاعدتين عسكريتين في الجزيرة، تغيرت نظرتها إلى القضية القبرصية بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي أو البرِيكْسِت، إذ كانت نظرتها التقليدية ترى ضرورة وجود “توترات متواصلة” بين قبرص اليونانية وقبرص التركية (وبالتالي بين تركيا واليونان الضامنتينن لهما) لكي يستمر “الوجود البريطاني” في الجزيرة دون نقاش باعتبارها دولة ضامنة، بحسب المحلل التركي.
وأشار جوفين إلى أن قسمًا كبيرًا من القبارصة الأتراك يحلمون بدولة مستقلة بعيدًا عن وصاية أي دولة، ويفضلون الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بعدما عاينوا مستوى الرفاهية الذي ينعم به جيرانهم اليونانيون في ظل هذا الاتحاد.
لكن تسوية الخلافات في جزيرة قبرص بشكل أو بآخر لا تصبّ في مصلحة المملكة المتحدة، لأنه سيكون، حينها، الوجودُ البريطاني في الجزيرة أول قضية يناقشها الطرفان، الأمر الذي قد يدفعها إلى دعم مشروع أردوغان لضم قبرص.
جوفين اعتبر أن انضمام قبرص التركية إلى الاتحاد الأوروبي يشكل “أسوأ سيناريو” لكل من بريطانيا وأردوغان، بينما ضمّها إلى تركيا يمثل “أفضل سيناريو” بالنسبة لهما أيضًا، وذلك لأن حالة الصراع الدائمة في الجزيرة تخلق الذريعة اللازمة للوجود البريطاني، كما تقدم لأردوغان ورقة مهمة تبرر له استخدام خطابات قومية يشحن بها أنصاره عند الحاجة.
واصل حديثه قائلا: “في حال ضمّ قبرص إلى تركيا سيكون انضمام أتراك قبرص إلى الاتحاد الأوروبي مستحيلا، كما سيخلق توترات أكبر وأكثر أمدا بين سكان الشطرين من جانب؛ وبين تركيا واليونان من جانب آخر.. لكن هذه النتيجة ستؤكد مرة أخرى على ضرورة وجود بريطانيا في الجزيرة كدولة ضامنة”.
وكشف جوفين أن أردوغان يستعد منذ زمن طويل لسيناريو ضم قبرص، وقد اتخذ خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، حيث ذكر أنه من أجل السيطرة الكاملة على زمام الأمور في قبرص أقدم على تغيير نظام الانتخابات هناك، وتمكن من تأسيس حكومة تحت إمرته، بل أوصل الأمر إلى حد تصدير نظام المافيا التركي إلى هناك للسيطرة على هذا العالم أيضًا.
ومن ثم كشف أن حكومة حزب العدالة والتنمية وقعت بروتوكولا مع حكومة قبرص التركية أرسلت بموجبه 200 شرطي “تركي” إلى القسم الشمالي من الجزيرة، في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين الطرفين.
يوجد في جزيرة قبرص حوالي 30 ألف “جندي” تركي منذ عقود، لكن وجود قوات شرطة فيها حدث يأتي لأول مرة، ووفقًا للمعلومات التي قدمها جوهري جوفين، فإن مهمة هذه القوات هي التدخل في حال اندلاع أحداث اجتماعية للاعتراض على قرار أردوغان بضم قبرص.
وكان أردوغان قال محذرًا اليونان: “ابتعدوا عن الأحلام والأفعال التي ستجلب الأسف.. وعودوا إلى رشدكم… تركيا لن تتنازل عن حقوقها في بحر إيجة، ولن تتخلى عن تفعيل صلاحياتها بموجب الاتفاقيات الدولية بشأن تسليح الجزر”.
يذكر أن أردوغان واجه اتهامات بالتدخّل في الانتخابات الرئاسية عام 2020 بجمهورية شمال قبرص التركية، لصالح زعيم حزب الوحدة الوطنيّة أرسين تتار الذي فاز بفارق ضئيل عن الرئيس السابق مصطفى أقينجي الذي كان يدعم الاستقلال عن تركيا.
وبعد أن زار أردوغان عام 2020 منتجع “فاروشا” المتنازع عليه بين القبارصة اليونانيين والشماليين، برفقة حليفه زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، في ذكرى تأسيس شمال قبرص، أعلن أرسين تتار عن إعادة افتتاح منتجع فاروشا.