بقلم: هيثم السحماوي
(زمان التركية)-ماذا لو شكل حق الرأي والتعبير إساءة للأديان بالتطبيق على ما حدث مؤخرا من تصريحات المسؤولة الهندية” نوبور شارما”، المتحدثة باسم الحزب الحاكم “بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي”، وقبلها كانت الرسومات الكاريكاتيرية المسيئة للرسول الصادرة عن صحيفة “شارل إبدو” بفرنسا عام 2020، وقبلهم كانت الرسومات الصادرة من صحيفة “يلانذز بوستن” بالدنمارك عام 2005؟ فهل مثل هذه الرسومات وغيرها من الكتابات أو الأعمال الأخرى التي يعتبرها البعض “ازدراء للأديان ” تندرج تحت حق حرية الرأي والتعبير أم أنها تعتبر تجاوزا للخط الأحمر الذي لا ينبغي أن يتعداه حرية التعبير؟؟
بداية تعد مثل هذه الرسومات الكاريكاتيرية المسيئة “للنبي محمد صلى الله عليه وسلم” انعكاس للصراع الفكري الأيديولوجي بين الأوروبيين والمسلمين.
وكل طرف يتبنى وجهة نظر معينة ويرى أنها هي الصواب، ووجهتي النظر حول هذه القضية كالآتي :
المسلمون يرون أن مثل هذه الأعمال هي تجاوزا للخط الأحمر والقيد الذي يجب ألا تتعداه حرية الرأي والتعبير احتراما لدين الإسلام والمسلمون.
وفي القانون الدولي هذه الحرية ليست مطلقة وإنما مقيدة بالشروط والقيود الثلاثة
ا- النظام العام 2- سمعة الآخرين 3- الأمن العام
وهنا يمكن أن تعد مثل هذه الرسومات تهديدا للنظام والأمن العام الدولي، ولعلنا شاهدنا ما ترتب على هذه الرسومات المسيئة للرسول بفرنسا من قيام مجموعة من المتشددين بالهجوم المسلح على جريدة ” شارلي ابدو” نصرة لنبيهم الذين رأوا أنه تم التجاوز بحقه والاساءة اليه بهذه الرسومات ، ونتج عن ذلك الهجوم مقتل معظم الصحفيين الذين شاركوا في رسم ونشر هذه الرسوم وعددهم 17 صحفيا.
أيضا كما أن الأقليات غير المسلمة التي تعيش بالدول الإسلامية يتم احترامها في الدول المسلمة فهكذا ينبغي أن يكون الأمر أيضا بالنسبة للأقليات المسلمة في الدول الاوروبية، فينبغي أن يتم احترامهم وعدم الاساءة لدينهم، وبالتالي منع مثل هذه الرسومات .
وبالتالي يجب صدور قانون في جميع الدول الاوروبية يجرم قذف جميع المعتقدات الدينية والمساس بقدسية الأديان، قياسا على وجود مثل هذا القانون يجرم ويطبق عقوبة السجن علي كل من ينكر الهولوكوست أو العداء للسامية أو قذف اليهود والاعتداء على مقدساتهم، فلماذا لا يكون مثله حماية للمسلمين ودينهم، أما انها حرب علي الاسلام والمسلمون .
أما وجهة نظر الجانب الآخر وهم الأوروبيون ومن لا يتفقون مع أصحاب الرأي الأول من المسلمين فيرون أن ذلك يندرج تحت حرية الرأي والتعبير، وأنه ليس من المقبول ولا يتصور أن المسلمين الذين سارعوا وكافحوا حتى يصلون للبلدان الأوروبية لينعموا بالعيش فيها، وعاملتهم هذه الدول كمواطنيها الأصليين بكل إنسانية ومساواة وعدالة ، الان يريدون ان ينقلبوا على قوانينها و يثورون ضدها، و يفرضون قوانينهم هم،وقد عبر عن ذلك المفهوم الرئيس الفرنسي ماكرون عام 2020 احتفالا بمرور مائة وخمسين عاما على إرساء الجمهورية الفرنسية فقال: ” أن الجمهورية والديمقراطية في خطر حاليا، واننا لن نترك مجموعة من الناس يفرضون علينا قوانينهم” هذه واحدة
وأيضا بالنسبة لمسالة أن ذلك يهدد النظام العام الدولي بما يشكله من استفزاز لمشاعر المسلمين ومن ثم وقوع أعمال إرهابية من قبل المتطرفين، أصحاب هذا الرأي يعترضون على ذلك كليا ويرون أن في ذلك نوع من التبرير لأعمال هؤلاء، وأنه لا يمكن أن يستقيم هذا المنطق بأن يكون المقابل لممارسة أحد حقوق الإنسان في بلادهم هو التهديد بالقتل والإرهاب، فلو صلُح هذا المنطق فمن باب أولى يتم أيضا الاستجابة لمطالب هؤلاء الإرهابيين في بلدانهم الأصلية منعا لوقوع الأعمال الإرهابية فيها.
اما بالنسبة لمسالة القياس على الغير مسلمين الموجودين بالدول الإسلامية، فهو قياس مع الفارق فهؤلاء إن كنا نقصد بهم الأوروبيين الموجودين في هذه البلدان فايُطبق عليهم نفس الشئ ويلتزمون به بمعنى احترام قوانين الدول التي يتواجدون فيها للزيارة أو الإقامة، أما إذا كنا نقصد بهم أهل البلد من غير المسلمين فهؤلاء لا يسمون أقليات فهم أهل البلد مثلهم مثل المسلمين وليسوا لاجئين أو وافدين عليها كما هو حالة المسلمين بأوروبا، ومع كل ذلك فهم يقولون إننا لا نقول في تطبيق هذا المبدأ أو باحترام ممارسة هذا الحق في بلد دون الآخر أو ضد دين معين، وإنما حرية الرأي والتعبير حق عام يمارس ومن حق كل فرد، ولا يستهدف الدين الإسلامي بذاته بدليل أن قبل الرسومات المسيئة للإسلام كانت هناك رسومات أخري ضد المسيحية وتشكل إساءة للسيد المسيح عليه السلام .
وبالنسبة للكتابات والأعمال الفنية الأخرى التي يعتبرها البعض أنها تمثل ازدراء للأديان، وتقع داخل الدول المسلمة، تنقسم الآراء أيضا حولها ، فمعظم المسلمون يرون أنها ازدراء للأديان وينبغي أن يحاكم أصحابها احتراما لقدسية الأديان واحتراما لمشاعر المسلمين، اما الجانب الاخر من المسلمين فيرون أن ذلك يندرج تحت حرية الرأي والتعبير ،وأن الإبداع لا ينبغي ان يقيد إلا بضمير صاحبه، وقد جاء القانون بجمهورية مصر العربية يؤيد وجهة النظر الأولي وهو رأي الأغلبية، حيث توجد مادة لازدراء الأديان بالقانون المصري .
حوكم بها كثيرون بمصر منهم دكتور نصر حامد أبو زيد ، والكاتبة فاطمة ناعوت، والصحفي إسلام بحيري وأخيرا كان الأستاذ أحمد عبده ماهر..