أنقرة (زمان التركية)ــ نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تحليليا هاما عن وضع الاقتصاد التركي وما آل إليه، والذي يعد بمثابة تقريرا اقتصاديا موثقا بالبيانات.
شارك كل من الصحفيين جالريد مالسين وكايتلين أوستروف في كتابة هذا التقرير التحليلي، وسنورد هنا بعض أهم المعلومات التي وردت فيه.
استفتح المقال بحقيقة تعد في غاية الأهمية وهي أن التضخم الذي تعاني منه تركيا يعد أعلى نسبة تضخم بين دول مجموعة العشرين وعلى مستوى العالم، فهو يأتي في المرتبة السادسة من حيث الدول الأعلى تضخما، ولقد سارعت تركيا وعلى مدى أشهر لدعم اقتصادها من خلال ضخ مليارات الدولارات لدعم الليرة التركية ، ولكن فقدت هذه الإجراءات أهميتها، وهو ما أدى إلى تشديد الضغط الاقتصادي على الرئيس رجب طيب أردوغان.
وقد ذكر المقال أيضا أن من المؤثرات السلبية التي أدت إلى تدهو الوضع الاقتصادي التركي هو اجتماع عدة عوامل خارجية منها الغزو الروسي لأوكرانيا المجاورة ، والضغوط التضخمية العالمية، وارتفاع الدولار. كل هذه العوامل وعدم التعامل معها بحكمة اقتصادية أدى إلى تفاقم مشاكل تركيا الاقتصادية، حيث تفاقم تدهور الاقتصاد بصورة واضحة مع ظهور الأزمة المحلية التي بدأت العام الماضي بعد الضغط الذي مارسه أردوغان على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة على الرغم من ارتفاع التضخم.
واليوم نرى نتيجة تلك القرارات الاقتصادية الخاطئة فقد تراجعت الليرة يوم الأربعاء لليوم السادس على التوالي لتصل إلى 17 ليرة للدولار للمرة الأولى منذ أزمة العام الماضي، مما زاد من تآكل القوة الشرائية للمستهلكين والشركات والتركية، وقد كان ارتفاع تكلفة الغذاء والرعاية الطبية والطاقة والضروريات الأخرى ملايين المواطنين الأتراك إلى الاقتراب من الفقر واستنفاد الدعم المقدم من قبل حكومة أردوغان.
كما أدى ضعف الليرة والوضع المالي غير المستقر لتركيا إلى إضعاف وضع الرئيس التركي ، رغم محاولته ليكون لاعبا رئيسيًا في حرب أوكرانيا ، حيث استضاف محادثات حول شحنات الحبوب ووقف إطلاق النار ، وزود أوكرانيا بطائرات بدون طيار ، ومنع السويد وفنلندا من الانضمام إلى الناتو.
وقد صرحت وكالة الإحصاء التركية يوم الجمعة الماضي أن التضخم في تركيا ارتفع في مايو إلى ما يقرب من 75٪ المعدل حاليًا هو الأعلى بين أي دولة في مجموعة العشرين والسادس الأعلى في العالم حيث تأتي تركيا أعلى تضخما من دول مثل سوريا التي لا تزال في خضم حرب أهلية ، وفنزويلا .
ويقول الاقتصاديون المستقلون إن معدل التضخم من المرجح أن يكون أعلى بكثير مما تصرح به السلطات التركية، حيث صرحت مجموعة ENAGroup وهي مجموعة للتحليلات الاقتصادية يقوم عليها خبراء اقتصاديون ومحاسبون، إن معدل التضخم الحقيقي في تركيا يقترب من 160٪ وهو ما دفع الحكومة التركية لتضييق الخناق على الاقتصاديين المستقلين ونشرهم أية أرقام تتعلق بالتضخم أوإبدائهم تعليقات التي يعتبرها المسؤولون ضارة بالعملة التركية، ففي العام الماضي ، رفعت وكالة الإحصاء الحكومية دعوى قضائية ضد ENAGroup بسبب حسابات التضخم الخاصة بها.
وفي نفس الوقت استمرت دعوات الرئيس التركي إلى خفض أسعار الفائدة معتقدًا أنها ستساعد في توسيع الاقتصاد وتهدئة التضخم في نهاية المطاف وهو ما يخالف النظريات الاقتصادية المطبقة والمعروفة حول العالم ، وفي النهاية أجبر أردوغان البنك المركزي على خفض أسعار الفائدة أربع مرات متتالية في أواخر عام 2021، وهو ما أدى إلى انهيار الليرة، ولقد عملت تركيا على تثبيت العملة لبعض الوقت من خلال مجموعة من الإجراءات المؤقتة ،كان من أبرزها في نهاية العام الماضي حيث وعد أردوغان بسداد فرق انخفاض العملة مقابل الدولار إذا احتفظ الأتراك بمدخراتهم بصورة الليرة التركية في البنوك.
ولقد علق إريك مايرسون ، كبير الاقتصاديين في بنك Handelsbanken السويدي بقوله
“هذه إجراءات لشراء الوقت فحسب، فمثل هذه إجراءات لا يمكنها أن تحل المشكلات الاقتصادية”.
و مع ارتفاع معدل التضخم عاد انزلاق الليرة إلى الارتفاع مرة أخرى ففي الأسابيع الأخيرة فقدت الليرة التركية أكثر من 20٪ من قيمتها منذ بداية العام، وحاول البنك المركزي التكيف مع الانخفاض عن طريق إنفاق الدولارات المتضائلة الموجودة تحت تصرفه للتدخل في أسواق العملات لدعم الليرة، حيث تظهر بيانات البنك المركزي التي استعرضتها صحيفة وول ستريت جورنال أن البنك قد باع على الأرجح 24 مليار دولار من العملات الأجنبية من يناير إلى مارس من هذا العام.
وقد أدى ذلك إلى استنفاد خزائن تركيا المتضائلة بالفعل، حيث يقدر الاقتصاديون أن لدى البنك المركزي 60 مليار دولار من الأصول بالعملات الأجنبية ، وهو ما يعني أن لديه صافي احتياطيات سلبية، فلقد اقترضت الدولارات بكثافة من البنوك التركية ، وهوما أثار ويثير مخاوف تجارية بشأن نقص الدولارات في النظام المصرفي.
ولكن ورغم كل تلك النتائج المدمرة للاقتصاد التركي لا يزال البنك المركزي التركي يقاوم دعوات الاقتصاديين المطالبة بسرعة رفع أسعار الفائدة كوسيلة لجذب الأموال مرة أخرى إلى الليرة، بل العجيب أن أردوغان دعا البنك المركزي مؤخرًا إلى خفض أسعار الفائدة مرة أخرى، ومن المتوقع أن يجتمع البنك المركزي في وقت لاحق من هذا الشهر.
ولكن ماذا يعني كل هذا للمواطنيين الأتراك؟ لقد أدت الأزمة الأخيرة إلى انهيار مستويات المعيشة للطبقة المتوسطة الواسعة في تركيا التي توسعت خلال السنوات الأخيرة بعد عقدين من وجود أردوغان في السلطة، ويقول المحللون إن أردوغان وحزبه يواجهان انتخابات من المقرر إجراؤها العام المقبل لكن قد يؤدي الوضع الاقتصادي إلى إجراؤها في وقت مبكر إذا قررت الحكومة ذلك.
أما الغالبية العظمى من المواطنين الأتراك فهم يتفقون مع ما قاله المواطن التركي أوزان تانر عندما سؤل عن الوضع الاقتصادي في تركيا فقال
“إننا شاهد الأموال في جيوبنا تفقد قيمتها يوما بعد يوم ، ونرى المال الذي نكسبه يتلاشى من حيث القيمة كل يوم”.
وهو ما تثبته البيانات والأرقام فزيادة الأسعار في تركيا تزداد وتيرتها بصورة يومية بداية من المواد الغذائية إلى أسعار السولار الذي زاد أضعافا مضاعفة عن ما كان عليه في نفس الفترة من العام الماضي، فهل هذا الوضع سيجعل الحكومة تغير من قرارتها الاقتصادية الخاطئة والتي أدت إلى وضع المواطن العادي في موقف صعب للغاية أم أن الحكومة ستتابع نهجها غير المنهجي في نفي المشكلة الاقتصادية وهو الأمر الذي لم يعد يصدقه أحد لا المواطن في الداخل ولا أي شخص خارج تركيا؟