أنقرة (زمان التركية)ــ نشرت صحيفة الشرق الأوسط مقالة تحليلية هامة حول الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى تركيا، للكاتب المتخصص في الشأن التركي عمر أونهان.
أونهان تناول في مقالة المنشور بالنسخة الإنجليزية لموقع الصحيفة، الوضع السوري وكيف أن كلا من سوريا وأوكرانيا قضيتان مرتبطتان ببعضهما البعض، وقد جاء في المقال:
يواصل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف جولاته الدبلوماسية في المنطقة وخارجها، وقد التقى مؤخرا بوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي لبحث موقف روسيا المتوازن فيما يتعلق بالدول العربية عامة، وسيزور لافروف تركيا غذا الموافق 8 يونيو. وتوجد عدة بنود ستتم مناقشتها خاصة فيما يتعلق بكلا من ملف أوكرانيا وسوريا، وهذه الأجندات تتصدر جدول الأعمال.
وفي الواقع فإن هذه القضايا مرتبطة ببعضها البعض بطريقة أو بأخرى الآن.
وبينما تستمر الحرب في أوكرانيا مع بعض التقدم الروسي والمقاومة الشرسة من الأوكرانيين، فقد صرح الرئيس فولوديمير زيلينسكي في مقابلة إنهم سيستمرون في القتال ولكن لا يمكن الوصول إلى نهاية للحرب إلا على طاولة المفاوضات، وهذا البيان صحيح ويعطي الأمل لكن كلا الجانبين يهدفان إلى شغل مقعدهما على الطاولة كجهة أقوى.
ومن أهم القضايا المتعلقة بالحرب في أوكرانيا أزمة الغذاء، فالواقع أن الحبوب الأوكرانية والروسية تشكل جزءًا مهمًا من إمدادات الحبوب في العالم، وقد عانت العديد من البلدان خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا من عواقب نقص إمدادات الحبوب بعد الدخول العسكري الروسي في أوكرانيا.
وبينما ملايين الأطنان من الحبوب تنتظر في الصوامع الأوكرانية، ولا يمكن تصديرها بسبب الحصار الروسي والظروف الأمنية بما في ذلك الألغام المزروعة في البحر الأسود، فإن الجهود جارية لوضع خطة أو آلية تسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية، تهدف إلى فتح ممر آمن يمكن من خلاله تحميل الحبوب الأوكرانية على السفن ثم نقلها إلى وجهاتها دون أن يتم استهدافها.
إلا أن هناك عددا كبيرا من المشكلات التي يجب التعامل معها بما في ذلك طرق الدفع، وكذلك مشكلة الثقة فالأوكرانيون قلقون من قيام روسيا استخدام هذا الوضع للاستيلاء على أوديسا.
وتركيا باعتبارها دولة من دول البحر الأسود وكونها أيضا المتحكم في مضائق البحر الأسود، فقد صرح وزير خارجيتها بأن مباحثات تركيا مع كلا من روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة هدفها تكثيف الجهود لتسهيل نقل الحبوب الأوكرانية إلى مختلف دول العالم.
من ناحية أخرى فقد جادل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة الماضي بأن أزمة الغذاء مصطنعة، وصرح إنه يمكن تصدير الحبوب المعنية عبر بيلاروسيا ، لكنه أضاف أنه من أجل التمكن من القيام بذلك يجب رفع العقوبات المفروضة على بيلاروسيا، كما أدلى رئيس بيلاروس ألكسندر لوكاشينكو ببيان مشابه في نفس السياق، والحقيقة فإنه من الصعب تحديد كيف ستتوافق أفكار بوتين هذه مع الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة للتوصل إلى خطة للتعامل مع المشكلة.
يجب أن لا ننسى أن العقوبات المفروضة على روسيا تضر بمصالحها لكن بوتين لا يستسلم ويحاول عكس الوضع بتكتيكات مختلفة، تهدف روسيا إلى خلق توترات داخل المعسكر الآخر، ويمكن النظر في هذا الإطار إلى الصعوبات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي في فرض عقوبات على واردات النفط من روسيا ومعارضة المجر والإعفاء.
ومن القضايا التي ستكون مطروحة على الطاولة خلال زيارة لافروف لتركيا هي القضية السورية، فقد صرح الرئيس التركي أن المنظمات الإرهابية على الجانب الآخر من الحدود في شمال سوريا تشكل تهديدًا وأن تركيا تهدف إلى تطهير هذه المناطق، حتى أن الرئيس رجب طيب أردوغان حدد المناطق التي سيتم استهدافها وهي على وجهة الدقة، تل رفعت ومنبج. وهذا ليس بالشيء المألوف ، وتلك المناطق المعنية تخضع لسيطرة وحدات حماية الشعب.
ولكل من الروس والأمريكيون والإيرانيون وقوات نظام الأسد حول وفي هذه المناطق، ففي سوريا تمتلك روسيا قواعد عسكرية وعددًا غير معروف يقدر بحوالي 30-40.000 من الأفراد العسكريين الروس والشيشانيين ، الذين يعملون في الغالب كشرطة عسكرية، ومرتزقة، وقد يعيد الروس تمركزهم في سوريا أو نقل بعض القوات والمعدات إلى أوكرانيا ، لكنهم بالتأكيد لن يتخلوا عن التقدم الذي أحرزوه هناك وبالتأكيد فلن ينسحبوا، فقد أصبحت سوريا مهمة للغاية بالنسبة لروسيا ، وما لم يحدث شيء مأساوي للغاية ستستمر روسيا في البقاء في هذا البلد بشكل أو بآخر، وبينما تعيد روسيا تحديد موقعه، فإن إيران والميليشيات المتحالفة معها يتحركون هم الآخرين ويتقدمون في إطار تفاهمات أو اتفاقات مع نظام الأسد، حيث تواصل إيران اتباع سياسة النفوذ والتوسع في جميع أنحاء المنطقة عبر وسائل مختلفة ،ومن جهة أخرى فإنه يبدو أن العملية التركية المتوقعة والموجهة ضد وحدات حماية الشعب لا مفر منها، وهناك من يجادل بأن العملية ستكون شاملة والبعض الآخر يتوقع عملية ذات نطاق محدود في أماكن من غير المرجح أن تسبب أي توتر مع القوات الدولية الأخرى المنتشرة هناك.
يجب أن نشير إلى ملاحظتين هامتين أولا: حقيقة أن روسيا لا تزال تسيطر على المجال الجوي السوري أمر لا يمكن إغفاله، ثانيا أن العملية التركية التي من شأنها أن تؤدي إلى توترات جديدة بين حلفاء الناتو ستكون موضع ترحيب كبير من روسيا.
وفي ظل هذه الملاحظات توجد قضايا يمكن أن تكون مطروحة للمفاوضات، وبلا شك فإن زيارة لافروف لتركيا ستكون مثيرة للاهتمام والمتابعة.