أنقرة (زمان التركية)ــ تباهى دوغو برينجك، زعيم حزب الوطن اليساري المتطرف، والمعروف بموقفه المناهض للغرب، بسجن الجنرالات الأتراك الذين خدموا في حلف شمال الأطلسي الناتو.
برينجك الموالي للمعسكر الأوراسي أعلن دعمه لأردوغان بعد محاولة انقلاب عسكرية مثيرة للجدل وقعت في تركيا ليلة 15 يوليو 2016، ووصفتها المعارضة بأنها مدبرة من قبل السلطة لتحصل على الذريعة اللازمة لإجراء عملية تطهير موسعة النطاق المعدة سلفا في الجيش وأجهزة الدولة الأخرى.
في حديثه لوسائل الإعلام بمدينة إزمير غرب تركيا يوم الجمعة، أشار برينجك إلى عشرات الآف من المطرودين من الجيش والمؤسسات الأخرى، واصفًا إياهم بـ”جنرالات منظمة فتح الله كولن”، التي تقدمها الحكومة مسؤولة عن ذلك الانقلاب دون تقديم أي دليل عليه للشارع التركي والدولي.
في إشارة إلى محاولة الانقلاب، قال برينجك يوم الجمعة: “تركيا واجهت الناتو مباشرة. قامت تركيا بإزالة منظمة غولن.. [من مؤسسات الدولة] إلى حد كبير. واليوم، يقضي جنرالات الناتو وقتهم في السجون التركية. في رأيي، هذا هو الواقع الأهم لتركيا. جنرالات غولن.. هم جنرالات الناتو. لقد وضعتهم تركيا في السجن. هكذا تكون العلاقات بين تركيا والناتو، والعلاقات التركية الأمريكية بأفضل صورة”.
وصف برينجك تركيا بـ”إحدى الدول الرائدة في الحضارة الآسيوية”، وأضاف: “تظهر حضارة جديدة في العالم مع روسيا والصين وإيران والهند. الأنانية التي فرضها الأطلسي، النظام الرأسمالي الثقيل قد انتهى. … الحضارة المعاصرة لم تعد حضارة غربية… نحن نرى أن الإمبريالية الأمريكية آخذة في الانحدار. لقد انهار عهد الدولار الآن في العالم”، على حد تعبيره.
أسفر الانقلاب الفاشل عن مقتل 251 شخصًا على الأقل وجرح أكثر من ألف آخرين. في صباح اليوم التالي، بعد الإعلان عن قمع الانقلاب، بدأت الحكومة التركية على الفور حملة تطهير واسعة النطاق لضباط الجيش والقضاة وضباط الشرطة والمدرسين وغيرهم من موظفي الخدمة المدنية، مما أدى في النهاية إلى طرد أكثر من 130 ألفًا من وظائفهم.
بعد محاولة الانقلاب، قال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ إن الانقلاب الفاشل أحدث فجوات في الحلف منذ أن أقالت تركيا الآلاف من الضباط العسكريين بسبب تورطهم المزعوم في المحاولة.
في ليلة الانقلاب الفاشل، ألقى الرئيس أردوغان على الفور باللوم على حركة الخدمة في المحاولة، بعد أن بدأ يستهدفها منذ تحقيقات الفساد في 17-25 ديسمبر 2013، والتي تورط فيها رئيس الوزراء آنذاك أردوغان وأفراد عائلته ودائرته المقربة.
نفى أردوغان التحقيقات معتبرا إياها انقلابًا ومؤامرة من قبل موظفين في الجهاز البيروقراطي على صلة بحركة الخدمة، ثم وصفها بأنها منظمة إرهابية، وأقبل على اعتقال جميع من أخذوا دورا في تلك التحقيقات التي أغلقها قبل أن تتم العملية بشكل طبيعي كما يتطلبه القوانين.
كثف أردوغان حملته القمعية على الحركة في أعقاب محاولة الانقلاب التي لا تزال الحكومة ترفض منذ 2016 طلب الحركة بإطلاق تحقيق دولي من أجل الكشف عن ملابساتها كاملا.
وفي تصريحات أدلى بها في عام 2015 لموقع “روتا” الإخباري، قال برينجك: “إن الرئيس أردوغان تم الاستيلاء عليه من جانب القوى الوطنية”. وقد كرر ذلك في تصريحاته لـ”نيويورك تايمز” عام 2016. وهو يقصد بعبارة “القوى الوطنية” قادةَ وأنصار التيار القومي العلماني المتشدد (Ulusalcılar) الذين ينتمون إلى حزبه الوطن؛ حزب العمال القديم، بصورة أساسية، والذين ينصبون أنفسهم ورثة مصطفى كمال أتاتورك؛ مؤسس الجمهورية التركية الحديثة.
صرّح برينجك أيضًا في حوارٍ أجراه معه موقع “روتا” الإخباري في عام 2015 أنهم من وضعوا “مشروع القضاء على حركة الخدمة” وليس حزب العدالة والتنمية وأردوغان، وأكد أنهم يستهدفون القضاء على كل الجماعات الإسلامية أصلاً، لكن أولوياتهم هي القضاء على حركة الخدمة. وشدّد على أن العمليات الأمنية المضادة، التي انطلقت عقب فضائح الفساد والرشوة في 2013، واستهدفت البيروقراطيين في شتى المؤسسات، بتهمة الانتماء إلى “الكيان الموازي”، أو “حركة الخدمة”، يتمّ تنفيذها في إطار البرنامج الذي وضعوه. وأفاد أن الرئيس أردوغان انضمّ إلى صفّه في مسألة فتح الله كولن، وأن أردوغان هو الذي تبنّى برنامجهم في هذا الصدد، وليسوا هم من ذهبوا إليه وتبنوا برنامجه.
برينجك لعب دورًا مشابهًا لما لعبه في أيام انقلاب 1997 الذي استهدف حركة الخدمة أكثر من حكومة تلك الفترة برئاسة الراحل نجم الدين أربكان، فيما سمي بـ”الانقلاب الفاشل” في عام 2016. ففي مقال نشرته صحيفة “أيدينليك” في 25 يناير 2017 أكد أن “تركيا عادت بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016 إلى برنامج عملية 28 فبراير 1997 (الانقلابية) مرة أخرى عقب تعرضها للانقطاع”.
وهو يعني بعبارة “بعد محاولة الانقلاب الفاشلة” حركة التصفية الشاملة التي انطلقت ضد غير المرغوبين فيهم في صفوف الجيش والأمن والقضاء وكل فصائل الحياة المدنية.
والمثير أن برينجك اعترف بشكل صريح أنهم من أعدوا قوائم الأسماء التي قام أردوغان بتصفيتها بعد محاولة انقلاب 2016، مؤكدًا خلال مؤتمر صحفي في إيران أنهم تمكنوا من تصفية 30 ألف جندي موالٍ لحلف شمال الأطلسي الناتو بالتهمة الجاهزة “الانتماء إلى منظمة فتح الله كولن”.
تصريحات نائب رئيس حزب الوطن نُصرتْ سنيم من الأدلة التي تثبت أن حركة الخدمة كانت هدف الانقلابَيْن العسكري القديم (1997) والمدني الحديث (2016)، حيث قال: “قرارات 28 فبراير (الانقلابية) لم تتخذ ضد نجم الدين أربكان. بل كان هدفها الحقيقي هو تانسو تيشلّر (زعيمة حزب الطريق القويم شريكة الحكومة الائتلافية مع أربكان) وحليفها منظمة فتح الله كولن”.
وزعم برينجك في تصريحات أدلى بها في سبتمبر 2019 لصحيفة (دي إندبندنت) البريطانية في نسختها التركية أن حزبه من يدير تركيا منذ عام 2014 وليس أردوغان، ووصفه بـ”الخادم” لـ”مشروعه” الذي يتمثل في القضاء على حركة الخدمة. ثم أعاد للأذهان ما قاله عندما خرج من السجن في 2014: “لقد قلت في 3 مارس 2014 إننا خرجنا من السجن كالسيوف المستلة من أغمادها، وسنجتثّ كل الجماعات الإسلامية من جذورها.. وها نحن قد حققنا ذلك بالفعل”، في إشارة منه إلى عمليات الاعتقال والفصل التي يتعرض لها موظفو الدولة منذ بدء فضائح الفساد والرشوة التي طفت إلى السطح في عام 2013 والانقلاب المدبر في عام 2016.
فوق ذلك هدد برينجك أردوغان في برنامج على قناة أولوسال تي في “ULUSAL TV” قائلاً: “أردوغان يسير وفق رؤية حزبنا، وأنه إن لم يفعل ذلك سينتهي أمره”. وعندما سُئل عما إذا كانت تركيا ستخضع للشروط الأمريكية في الداخل وسوريا رد قائلًا: “لن تخضع للشروط والإملاءات الأمريكية، وإن خضعت فإن سلطة أردوغان ستسقط. نظام أردوغان لا يمتلك حرية التلاعب بمستقبل تركيا. هناك مركز قوة في تركيا.. وهو ما قام بإعادة تصميم حكومة أردوغان بعد عام 2014. أردوغان يسير على خطى حزب الوطن ويحارب في وجه أمريكا بكل عزم، وإذا خرج عن هذا المسار فإن حكومته ستسقط فورًا”.
كما قال برينجك في أكثر من مناسبة إنهم تمكنوا من القضاء على حركة الخدمة وإعادة تركيا إلى “جذورها الكمالية الأتاتوركية”، بعد إفشال الانقلاب بحيث لم تعد تشكل مصدر تهديد لتركيا، على حد قوله.
وكذلك وصف برينجك أردوغان بأنه “أصبح كماليًّا إسلامويًّا”، وفق تعبيره.