(زمان التركية)ـ كتب نيكولا ميكوفيتش المتخصص في الشؤون الروسية مقالة تحليلية عن تغاضي روسيا عن الإجراءات التي اتخذتها تركيا في البحر الأسود وإغلاقها لمجالها الجوي أمام الطائرات الروسية،
ويظهر لكل متابع للوضع الروسي التركي أن كلا من أنقرة وموسكو تلعبان لعبة قوة استثنائية حيث يغض الكرملين الطرف عن الإجراءات التي تساعد خصومه.
وقد يكون الفشل العسكري الروسي الحالي في أوكرانيا له تأثير خطير على موقف موسكو في سوريا، فمن الطبيعي أن قرار تركيا بإغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا سيؤثر على القدرات العسكرية الروسية في أوكرانيا التي مزقتها الحرب، لكن من غير المرجح أن تعرض مثل تلك الخطوة العلاقات بين موسكو وأنقرة للخطر.
فبعد أن منعت تركيا مرور السفن البحرية الروسية بالبحر الأسود في 28 فبراير، لم تتخذ روسيا أي إجراء انتقامي. لذلك ليس من المستغرب أن يكون رد الكرملين على الخطوة الأخيرة لأنقرة ضعيفًا إلى حد ما. وقالت ماريا زخاروفا، الممثلة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية، إن موسكو تتفهم قرار أنقرة إغلاق المجال الجوي التركي أمام الطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا.
أكد سيميون باجداساروف، الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط وعضو البرلمان الروسي، أن الأمر مجرد مسألة وقت قبل أن تضغط الولايات المتحدة على أنقرة لفرض مثل هذه القيود.
من أجل الاستمرار في إمداد قواتها في سوريا، سيتعين على الطائرات الروسية الآن التحليق عبر الأجواء الإيرانية والعراقية ومع ذلك، هناك مخاوف في روسيا من أنه كلما طال أمد ما يسمى بالعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، زاد الضغط الذي يمارسه الغرب على تلك الدول المهتمة بمواصلة تعاونها مع موسكو. ومن المحتمل أيضا أن تضغط الولايات المتحدة وحلفاؤها على بغداد لإغلاق مجالها الجوي في وجه الطائرات الروسية و في هذه الحالة ستكون القوات الروسية في سوريا معزولة تمامًا.
يبدو أن هذا هو أحد الأسباب التي جعلت أليكسي مالاشينكو الخبير في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية ومقره موسكو، يقول مؤخرا إنه إذا اندلعت انتفاضة أخرى على غرار الربيع العربي في سوريا، فمن المرجح أن يضطر الكرملين إلى سحب القوات الروسية من دول الشرق الأوسط، فبدون خطوط إمداد مستقرة وبالتزامن مع الغزو المستمر لأوكرانيا، من غير المرجح أن يكون لدى روسيا الرغبة في تقديم نفس المستوى من الدعم للجيش العربي السوري كما فعلت خلال المرحلة الأكثر نشاطًا في الحرب الأهلية السورية.
من المفترض أن تسعى تركيا للاستفادة من الموقف الجيوسياسي غير المواتي لموسكو وتأمين بعض مصالحها في سوريا، ويرى قسطنطين سيفكوف، نائب رئيس الأكاديمية الروسية لعلوم الصواريخ والمدفعية، أن أنقرة “تحاول تطويق القواعد العسكرية الروسية في حميميم واللاذقية قدر الإمكان”.
ومع ذلك، يبدو أن تركيا تتحوط في رهاناتها، حيث رفضت أنقرة الانضمام إلى العقوبات المناهضة لروسيا، وتفيد التقارير أنها تسعى لشراء طائرات روسية من طراز Su-57 بدلاً من مقاتلات F-16 الأمريكية المطورة، و في الوقت نفسه، تهدف السلطات التركية إلى جذب المزيد من السياح الروس هذا الصيف، حيث تشير التقارير إلى أن روسيا قامت مؤخرًا بزيادة عدد الرحلات الجوية إلى تركيا وهو ما يعني أن الكرملين لا ينوي إفساد علاقاته مع أنقرة أيضًا.
علاوة على ذلك، فيبدو أن موسكو تدعم بشكل غير مباشر بعض الإجراءات التركية في سوريا، على سبيل المثال، في مقابلة مع صحيفة Aydınlık التركية اليومية، وصف يفغيني بريغوزين – الذي يُزعم أنه صاحب مجموعة فاغنر شبه العسكرية وله صلات وثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزارة الدفاع الروسية – أن هجمات أنقرة على المقاتلين الأكراد في العراق وسوريا. “حرب مقدسة للجيش التركي”. في السابق، شكر بوتين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتسهيل تبادل الأسرى بين روسيا والولايات المتحدة ، مما يشير إلى أن أنقرة ستستمر على الأرجح في لعب دور الوسيط ليس فقط بين روسيا وأوكرانيا، ولكن أيضًا بين الكرملين والبيت الأبيض.
إلا أن مشكلة الكرملين هي سعي أنقرة إلى استغلال نقاط الضعف السياسية والعسكرية التي أظهرتها روسيا في أوكرانيا، وزيادة نفوذها ليس فقط في سوريا، ولكن أيضًا في المناطق الأخرى التي لا تزال في منطقة نفوذ موسكو، فبينما روسيا منشغلة بالحرب في أوكرانيا تخطط تركيا لتطبيع العلاقات مع أرمينيا – حليف الكرملين في منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) التي تهيمن عليها روسيا، كما تعمل أنقرة بنشاط على بناء تعاون عسكري مع العديد من دول آسيا الوسطى التي لا تزال في المدار الجيوسياسي لروسيا.
ففي 22 أبريل، وقع وزيرا دفاع تركيا وطاجيكستان اتفاقية إطارية للتعاون العسكري بين البلدين، وبحسب ما ورد فقد اشترت طاجيكستان وهي حليف لروسيا عبر منظمة معاهدة الأمن الجماعي، مؤخرًا طائرة بدون طيار تركية الصنع من طراز بيرقدار، في حين اشترت قيرغيزستان المجاورة – وهي حليف آخر لموسكو طائرات قتالية متطورة بدون طيار من أنقرة، والأهم من ذلك هو أن تركيا تواصل تزويد أوكرانيا بطائرات بدون طيار من طراز بيرقدار بينما يتغاضى الكرملين عن مثل هذا الإجراء.