بقلم: ماهر المهدي
المرتزق – وفقا لتعريف في القانون الانساني الدولي ( مادة 47 من بروتوكول ض الملحق الاتفاقيات جنيف ) وفي القانون الدولي – هو شخص لا ينتمي إلى أى من الأطراف المتحاربة في صراع ما بأية صلة ، وليس متوطنا في أي من تلك الأطراف، وليس موفدا في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفا في النزاع – بصفته عسكريا في قواتها المسلحة – ويشارك في الأعمال العدائية مباشرة ،
ويتم تجنيده في الداخل أو في الخارج لهذا الغرض خصيصا مع وعده بمقابل مادي ضخم ويتجاوز ما يتقاضاه الضباط النظاميون من الرتب العسكرية المقابلة لرتبة المرتزق بمسافة كبيرة . كان الحديث عن المرتزقة – فيما مضى – حديثا سريا مكتوما ونادرا ، وإن كانت الاستعانة بالمرتزقة قديمة قدم التاريخ . وربما كان هذا الحديث أقرب الى القصص والروايات والى الإثارة السينمائية وخيالها الخصب الرامى الى التحليق بالمشاهد بعيدا عن الواقع وهمومه ومشاكله . أما اليوم ، فالحديث عن المرتزقة ربما أصبح حديثا عن شركات ومؤسسات بعضها معروف مشهور ، كأنها شركات للبناء والتعمير أو لتقديم الخدمات الطبية أو الاستثمارية وهو أمر جد غريب على السلوك الإنسانى بصفة عامة .
الاستعانة بالمرتزقة باتت – في يومنا هذا – عملا معلنا تلجأ بعض الدول اليه ، وهو الأمر الذي قد يلقى بظلال الشك أيضا على ” المتطوعين للقتال لصالح جانب أو فريق من الفرق المتصارعة ” ولا ينتمون إليه ولم ينشأوا فيه ولا يدينون بالولاء له . ولم تتراجع الاستعانة بالمرتزقة في يومنا هذا ، رغم إقرار الأمم المتحدة ذاتها بأن الاستعانة بالمرتزقة يعد انتهاكا لحقوق الإنسان وإعاقة لحق الشعوب في تقرير مصيرها . فرغم التقدم الحديث ورغم ما وصلت إليه الدول من قوى ومن وسائل السيطرة والقتال والقهر ، إلا أن الاستعانة بالمرتزقة مستمرة وآخذة في التطور عبر الزمن لتواكب متطلبات العصر وتقدر على صيانة وجودها . ولذلك ربما أصبحت المرتزقة مؤسسات وشركات ذات ميزانيات ضخمة وقدرات لا يمكن تجاهلها أبدا .
فمؤسسات المرتزقة ربما تكون الآن – من حيث القدرات ومن حيث الحجم وأعداد المقاتلين ، وفقا للاحصاءات ذات الصلة والمنشورة – أقرب الى الميليشيات العسكرية المقننة في اطار شركات الأعمال . بل إن قدرات بعض شركات المرتزقة تفوق قدرات الجيوش النظامية في الكثير من دول العالم ، وهو الأمر الذي يمهد الطريق أمام تلك الشركات للتمدد والنمو والانتشار واكتساب الثقة والمزيد من القدرات التى تساعد في تغيير مسار الأحداث والصراعات أحيانا . والواقع أن فرص تراجع الطلب على المرتزقة قد تبدو ضئيلة ، ما دام جزء من الإنسان يحتاج إلى المال من أجل الحياة ، وجزء آخر من الإنسان يحلم بالقوة وبالتفوق ويحلم بالسيطرة – حتى على أخيه لأبيه وأمه – ولو ظلما وزورا .
العالم يحب تمثيل المسرحيات ، مثلما يحب مشاهدتها ويحب الجلوس أمام الشاشات الكبيرة في أمان بينما تتلون صفحات وجهها بألوان الأخبار والأحداث والصراعات . فالعالم ممثل ومشاهد وناقد فنى أيضا . ولذلك نرى كل حين من العجب ما قد يذهلنا ويثير غضبنا وحيرتنا واستغرابنا وربما تقززنا ، ثم لا يلبث كل ذلك أن يتلاشى عندما ندرك أو نتذكر أننا بشر وأننا جزء من المسرحية التي تثيرنا أو أثارتنا أحداثها . فإذا كنا لا نستطيع تغيير طبيعتنا الإنسانية ولا نتراجع عن تطلعاتنا إلى الفوز والى القهر والى التسلط ونرحب بما قد يساعدنا على تحقيق هذه الرغبات والأمنيات الملحة عند البعض ،
وبالنظر الى خطورة وجسامة الأعمال التي يقوم بها المرتزقة أفرادا وشركات حول العالم ، وفي ضوء إجماع العالم – ممثلا في الأمم المتحدة – على كون الاستعانة بالمرتزقة وبأعمالهم انتهاكا لحقوق الإنسان وإعاقة لحق الشعوب في تقرير مصيرها ، وبالاشارة الى اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة تجنيد المرتزقة وتدريبهم وتمويلهم الموقعة في عام 1989 والنافذة في 2001 واتفاقية الاتحاد الأفريقي للقضاء على الارتزاق في افريقيا الموقعة في الجابون في 1977 ، فربما أصبح علينا صياغة القواعد القانونية اللازمة لصيانة حقوق المتضررين والمصابين وضحايا أعمال الارتزاق وتحصين تلك الحقوق القانونية الهامة ضد مبدأ التقادم في القانون ، ليحصل كل ذي حق على حقه ولو بعد حين .