بقلم: ماهر المهدي
لو أن الرئيس ترامب أراد تنظيم حملة دعاية سياسية له – استعدادا لانتخابات قادمة في وقت ما – فلربما لم يكن ليجد خيرا من وقوع خلفه في حبائل الأزمة الروسية الأوكرانية الأوروبية الكثيرة الأبعاد العميقة الأثر ، لأنها أزمة على قدر من الضخامة والخطورة غير التقليدية وربما المصيرية . وهى أيضا أزمة تختبر قدرات كثيرة وحساسة في آن واحد ، وتجتمع فيها توقعات الأمس وتهديداته وطموحات الغد وتحدياته .
وهي في النهاية تمثل ملفا طارئا وملحا على مائدة القيادة المزدحمة بكافة الملفات الوطنية الهامة الأخرى . وقد تساعد الأزمة الروسية الأوكرانية الزعيم السابق دونالد ترامب في مسعاه الى العودة الى السلطة مرة أخرى – إذا سارت الأمور على نسقها الحالى الذي قد يسير إلى مواجهات متزايدة المساحة والنوعية بين روسيا والناتو – بالنظر إلى سوابق تفضيل الناخب الأمريكي عدم الانخراط في صراعات خارجية مكلفة بشريا وماديا ومفتوحة النهاية ، وهى الصورة المثلى الآن في ضوء معطيات الواقع المرئى .
ولذلك عاد صوت ترامب الى الظهور الأيام الفائتة – على خلفية تطورات الأحداث في الأزمة الروسية الأوكرانية – ليشير ربما الى سابق قدرته على تطوير نوع من الانسجام في العلاقات مع روسيا . ولكن من ناحية أخرى ، فإن ظروف المواجهة الفعلية واشتباكات الحروب الفعلية ليست مما جربه الرئيس السابق ترامب أثناء ولايته . ولا شك أن ظروف الأزمة الراهنة ستكون تجربة جديدة وخطيرة ومحفوفة بالتحديات بالنسبة إلي ترامب والى كل من قد يكون في موقع القيادة في بلد هو الأهم والأقوى على العالم .
فمن الواضح أن أسس الاختلاف بين الشرق والغرب التى تؤسس للصراع بين المعسكرين قد لا تزول قريبا وربما لزمن طويل لا يعرف مداه أحد ، مثلما أنها لم تزل بعد نهاية الحربين العالميتين وبعد نهاية الحرب أو الحروب الباردة التي مرت بالعالم خلال العقود الماضية أيضا . والكل يخشى المواجهة المباشرة وشبه المباشرة ، لأن احتمالات الخسارة – في مجالات كثيرة وافرة – مخيفة وواردة ومحققة أحيانا في الواقع . والحقيقة أنه قد يصعب تصور عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل بداية الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير الماضي .
كما قد يصعب أيضا وضع تصورات دقيقة لما قد يجد على ساحة المواجهة بين الجانبين المتصارعين . فكل يوم قد يأتى بجديد وبما لم يكن متصورا بالأمس . فهذه الأزمة ليست أزمة شفاء تعالج جروحا محدودة ليعود الجميع أصدقاء وأحبابا ، ولكنها – على ما يبدو – أزمة حسابات قديمة آن لها أن تسوى ، وهى أيضا أزمة تحول وتبدل . وعندما تنتهي هذه الأزمة ستكون هناك – في الغالب – خرائط جديدة لواقع جديد .