بقلم: ماهر المهدى
هل من قبيل الصدفة أن يشرع أكثر من زعيم في مواجهات أو حروب خارجية طويلة الأمد مباشرة أو غير مباشرة يجر بلاده إليها – بعيدا عن الأسباب والخلفيات – وقد بلغ هو من العمر مبلغه واستنفذ تقريبا مرات فرصه في البقاء في السلطة؟
النماذج كثيرة لقادة اتخذوا قرارا بالابحار ببلادهم إلى “عرض البحر” وإلى المياه الخطرة التي يحسن ويكثر الصيد فيها مثلما يمسك الخطر بزمامها . وأول صيد في تلك المنطقة الخطرة هو صيد حكر على صاحب قرار المغامرة ومؤيديه من الشخصيات والأحزاب ، وهو تزايد فرص البقاء في السلطة لفترة أو لفترات وسنوات مقبلة وتراجع فرص المعارضة . وقد يشمل أول صيد أيضا فرصا كبيرة لعدم التعرض للمساءلة والانتقاد الذين ينحسران – بطبيعة الحال – مع كل أزمة تواجهها البلاد على المستوى القومى ، لتغير الأولويات وانشغال البلاد بالدفاع عن مصالحها القومية العليا ودرء التهديدات . ويزداد الإقبال على الصيد في مياه البحر العالى كما يقولون في الأنظمة التى قد تواجه أزمات داخلية د وما أكثر الأزمات التي قد لا تخلو منها بلاد العالم .
من أمثلة الزعماء الذين اختاروا الإقبال على مواجهات خارجية خطيرة وطويلة الأمد زعماء كثيرون وبارزون في أوروبا وفي مختلف القارات . فالمواجهات الخارجية الخطرة تمثل مسلسلا ممتدا من الإثارة ، ومن تحديات البطولة . وقد تتيح مناسبات لتحقيق مبيعات أعلى لمصانع السلاح ، وفتح أبواب جديدة لرجال الأعمال الموالين للسلطة ، وتجربة أفكار وطرق ووسائل وسياسات جديدة ، وتغيير بعض المواقع والمواقف والتوجهات السياسية التى قد يصعب داخليا وخارجيا – في ظل الظروف المعتادة – تعديلها أو تغييرها . ومما يجعل قرارات الدخول في مواجهات خارجية خطرة فرصة ، أن تلك القرارات تدخل في اختصاص القيادات والزعامات وحدهم دون غيرهم اختصاص أصيل . كما أن الحكم على مدى ” صحة ” هذه القرارات التى يتخذها الزعماء ومدى خدمتها لمصالح الدولة العليا – في المقام الأول – ومدى برائتها من الأهداف الشخصية للحاكم أو الزعيم وحزبه السياسي ، وحجم الاضطرار الفعلى والتهديد المباشر الذين استند إليهما الزعيم المعنى في كل دولة عند اتخاذه قرار المواجهة الخارجية هو التاريخ فقط في الغالب .
إذ لو وقت للحساب والخطر داهم والامور مشتعلة . وكون التاريخ وحده هو الحكم قد يعنى بالفعل حق الزعيم صاحب قرار المواجهة في ” الاستمتاع ” برحلة المواجهة والخطر والبطولة والتفوق التى يقودها وحده ومن خلفه الجميع طائعا أو مجبرا ، طالما سيطر الزعيم على مجريات الأمور وحال دون تلقى البلاد صدمات أو خسائر يصعب تداركها . ويصبح من حق الزعيم صاحب القرار الاستمتاع بقرار المواجهة الخطرة التى جر البلاد إليها أكثر وأكثر ، كلما أثبتت الأحداث صواب حدسه وبعد نظره ، وكلما نجح في العبور بالبلاد من الأزمات العابرة المتجددة على صفحة الحياة . أما التوصل إلى عقد صفقات تجارية هامة وكبيرة وطويلة الأمد للمستثمرين الأجانب في بلده ، والمساعدة على حصول المستثمرين ورجال الأعمال الوطنيين على فرص كبيرة للاستثمار وتحقيق مكاسب جيدة في الخارج فقد يسهم في تأمين مخاطرات الزعيم ومناوراته ويسكوها بحلة رقيقة من البطولة .