بقلم: هيثم السحماوي
القاهرة (زمان التركية) – أليست الأمم المتحدة هي الولايات المتحدة الأمريكية؟ وأن الأمم المتحدة ما وجدت إلا كي تكون أداة وسلاحا تسيطر به أمريكا على العالم؟ كجزء من سياستها في الاستعمار والسيطرة والهيمنة على العالم؟ أليست كلها حقائق نحاول غض الطرف عنها أحيانا، وأحيانا أخرى نبتلع كبريائنا في داخلنا ونقبل بقلب الحقائق !!؟
هذه من أكثر الانتقادات الدائمة والأكثر شيوعا التي توجه للأمم المتحدة، وهو في الحقيقة انتقاد له أساس مبني عليه، وهو أن كثيرا من القرارات والمواقف التي تتخذها الأمم المتحدة يكون فيها شيئ من الميل والانحياز إلى صف أمريكا، وتظهر الولايات المتحدة الأمريكية في بعض الأحيان هي الدولة صاحبة الكلمة العليا في المنظمة، ولكن هو أمر ليس عاما ودائما، بحيث إننا يمكننا من خلاله استنتاج أن الأمم المتحدة تتحكم فيها أمريكا وفق لسياستها في الهيمنة علي العالم، وفي ذلك يقول الدكتور المصري بطرس غالي- أستاذ القانون الدولي والدبلوماسي، الذي تقلد أرفع منصب في الأمم المتحدة وهو منصب الأمين العام بحيث كان الأمين العام السادس للولايات المتحدة الأمريكية، وبالمناسبة هو قضى فترة واحدة والدولة التي اعترضت على ترشحه للمرة الثانية كانت هي أمريكا، ولكن ذلك لم يكن دافعا له “رحمه الله” في قول غير الحقيقة وتحدث في هذه المسالة بموضوعية شديدة قائلا: (لابد ألا ننظر للسياسة الأمريكية بشكل عام أنها سياسية تقوم على مبدأ السيطرة والتحكم في مصير العالم والقيام بدور البوليس الدولي على باقي الدول، فإذا كان هذا هو الاتجاه والنظام السياسي السائد في أمريكا في فترات كفترة حكم الرئيس جورج بوش، ولكن ذلك لم يكن أساس السياسة الأمريكية عند إنشاء الأمم المتحدة عام 1945 ولا فترة إنشاء عصبة الأمم وقت قيادة الرئيس نيلسون عام 1919، وإنما حينئذ كان أساس السياسية الأمريكية قائما على احترام التعددية والتعامل من منطلق أنه لا فائدة للأمريكان من سياسية السيطرة على العالم وإنما مصلحتها في إعلاء مبدا المشاركة والتعاون مع بقية الدول، فضلا عن أنه حتى في فترات هيمنة اليمين المتطرف وسيطرته على الحكم كان هناك معارضين ومنتقدين كثيرين من الأمريكان لهذه السياسة، وبالتالي فلا ينبغي أن يتم النظر على أنها سياسية واحدة ونهج ثابت تسير عليه أمريكا)
وهذا نراه خاصة في الفترة الأخيرة التي نشهدها وبروز قوى جديدة على السطح من أمثال روسيا والصين، بحيث لم تعد أمريكا تتصدر المشهد وحدها، والقوة الوحيدة في العالم كما كانت من قبل.
أما مسألة تصور أمريكا بشكل عام وشامل ودائم أنها شيطان رجيم لا يستحق منا سوي اللعنات، هذا تصور غير عادل، وغير مطابق لحقائق كثيرة على رأسها واقع المنتقدين أنفسهم في أن أغلبهم إن لم يكن جميعهم يحلم بالعيش على هذه الأرض بلد الحريات والعدل والديمقراطية كما يرونها.
ونضع في الاعتبار أيضا مسألة أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الأكثر إنفاقا على المنظمة بفارق كبير من الدول الأخرى، ومن النسب التي قدرت لحجم مساهمة كل دولة في ميزانية المنظمة كان هذا التقدير (الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 22%، ألمانيا بنسبة 6.38%، بريطانيا بنسبة 4.46%، فرنسا بنسبة 4.85%، روسيا بنسبة 3.80%) وكما نلاحظ أن هناك فرقا كبيرا بين نسبة مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية وباقي الدول، حتى الدول الخمس الكبرى. وأيضا أمريكا هي الدولة الأولي في العالم والأكثر قوة ، وبالتالي ربما كان ذلك سبب كون أمريكا صاحبة الكلمة الأولى في المنظمة بعض الأحيان، فالمنطق العادي للأمور داخل الدول وربما داخل الأسرة الواحدة أن القوي هو الذي يحكم وهو صاحب الكلمة الاولى، والأكثر أنفاقا هو الأكثر تحكما.
أو ربما كان سبب هذا الاعتقاد في كون أمريكا المسيطر الوحيد على المنظمة وعلى أعمالها ، هو عدم الفهم الدقيق لمسألة هامة وهي: أن ميثاق الأمم المتحدة نفسه ينص على أن أمريكا لها تميز في عضويتها وصاحبة الكلمة الأولى في المنظمة ولكن ليست وحدها ولكن معها أربع دول أخر وهي ( بريطانيا، وفرنسا وروسيا، والصين) التي تسمى بالدول الخمس الكبرى، وأصحاب العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي أحد أجهزة منظمة الأمم المتحدة الرئيسية، والتي قامت بإنشائها عام 1945..