أنقرة (زمان التركية) – قالت شبكة سي إن إن، إن معاناة أردوغان من “نقص السيولة” و”تراجع الشعبية” أمران يدفعانه إلى طي صفحة الخلاف مع المملكة العربية السعودية، التي رحبت به في سبيل تحقيق بعض المكاسب الاستراتيجية.
وقد جاء نص التقرير التحليلي في حول الغرض من زيارة أردوغان الأخيرة إلى المملكة، وماذا تعينه لمستقبل العلاقات بين البلدين، كالتالي:
هناك الكثير الذي يمكن أن تحققه المملكة العربية السعودية وتركيا معًا، ويمكن أن يكون الآن هو الوقت المناسب لكليهما، إن حرب روسيا في أوكرانيا تخلق حلفاء دبلوماسيين جدد، والآن حان الوقت لمعرفة من يقف مع من ؟ وأين؟
لقد التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والملك سلمان يوم الخميس بعد وصوله في أول زيارة له منذ خمس سنوات، إنه يأمل في طي صفحة مضطربة من العلاقات بين القوتين في الشرق الأوسط.
وفي حديثه قبل مغادرته تركيا، ذكر أردوغان مجموعة من المجالات التي يمكن أن يتعاون فيها البلدان، بما في ذلك مجالات الصحة والطاقة والأمن الغذائي والدفاع والتمويل.
تركيا والمملكة العربية السعودية لديهما الكثير من التاريخ المشترك، فقد تركت الإمبراطورية العثمانية مذاقًا مريرًا في المملكة واليوم يعد نظام الإسلام السياسي الذي يمثله أردوغان بمثابة سم محتمل للقيادة الملكية لمحمد بن سلمان، وقد كان البلدان على خلاف أيديولوجيً، وكانا يتنافسان منذ فترة طويلة على زعامة العالم الإسلامي لكن العلاقات وصلت إلى الحضيض بعد أن ألقت تركيا باللوم على الرياض في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.
لكن الحقائق الصعبة اليوم تدفن ما مضى، فأردوغان يعاني من نقص السيولة وانخفاض شعبيته داخل تركيا، و بالنسبة لمحمد بن سلمان، فإن تدفق دولارات البترول يجعل مشاكل الداخل تتقلص، لكن على صعيد المسرح العالمي ومع أصدقائه التقليديين مثل الولايات المتحدة، فهو في يظل خارج المسرح.
بينما أردوغان وعلى الرغم من ثرواته السياسية المتضائلة في الداخل أو ربما بسببها، فإنه يجعل نفسه أكثر أهمية على الساحة العالمية من خلال الانخراط في دبلوماسية عالية، فهو يلعب دور الوسيط في حرب فلاديمير بوتين في أوكرانيا.
يشترك كلا من أردوغان ومحمد بن سلمان أيضًا في المخاوف العديدة من النزاعات الإقليمية بما في ذلك سوريا وإيران ولبنان وحزب الله، وهناك مجال كبير لاستغلال الأرضية المشتركة لصالح كليهما، فاقتصاد أردوغان المتدهور يحتاج إلى السيولة السعودية، فسيكون أردوغان مرحبا بإبرام صفقات تجارية وتوفير دولارات لخزائن الدولة المتضائلة، لأن هذا النوع من المساعدة يمنح الرئيس التركي مزيدًا من الوقت في السلطة، وهو ما يفهمه محمد بن سلمان جيدًا.
لكن ما يمكن أن يستخدمه محمد بن سلمان حقًا هو وسيلة للخروج من سجلات الرئيس الأمريكي جو بايدن السيئة، ليكسب شريك أمني موثوق به.
إن الغموض هو شريان الحياة للعلاقات الدولية وعلى هذه الجبهة فقد لعب أردوغان بالفعل ورقته الأولى، من خلال إسقاط مطلبه بإجراء محاكمة تركية لعملاء الحكومة السعودية الذين يُعتقد أنهم هم من قتلوا خاشقجي -وهي عملية قتل ترى وكالة المخابرات المركزية أنها تمت بأمر من محمد بن سلمان- وقد وضع أردوغان جانباً العصا التي استخدمها العديد من القادة الغربيين لضرب محمد بن سلمان.
هناك الكثير الذي يمكن أن يجلبه الزعيم التركي إلى طاولة المفاوضات مع محمد بن سلمان، وقد يرغب ولي العهد السعودي في أن يقلل أردوغان من علاقاته العسكرية مع قطر المجاورة. في الآونة الأخيرة وعلى مدار سنوات من الخلاف الذي شهدته الدوحة فتحت تركيا قاعدة عسكرية في الفناء الخلفي للمملكة العربية السعودية.
وقد ترغب الرياض وأنقرة أيضًا في الانتقال إلى وضع ما بعد الصراع السوري الذي يضعف حزب الله وإيران بينما يعمل على استقرار لبنان -ربما يعني ذلك إبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة-، ولا يمكن إتمام مثل هذه الصفقات الكبيرة والصعبة دون أن يوازن محمد بن سلمان وأردوغان احتياجات بعضهما البعض حول الطاولة.
لكن إجراءات التحوط التي يقوم بها محمد بن سلمان تتجاوز الشرق الأوسط، كما أنه يتخذ بعض القرارات الأخرى عالية المخاطر مثل اللجوء إلى الصين لتغطية احتياجاته الأمنية، فوفقا لتقارير المخابرات الأمريكية، تقوم المملكة العربية السعودية بتصنيع صواريخها الباليستية بمساعدة الصين، ومن المتوقع أن يزور الرئيس الصيني شي جين بينغ الرياض قريبا.
ولا شك في أن أي تعاون عسكري جديد بين البلدين سيكون له ثمن باهظ ليس من حيث السعر الملصق الذي تستطيع الرياض تحمله بسهولة، ولكن من حيث المزايا التي يتوقع أن تطالب بها الصين في المستقبل، والتي يمكن أن تضع السعودية في الجانب الخطأ من النظام العالمي الجديد الناشئ.
إلا أن السعودية تنظر للمسألة من جانب آخر فقد أظهر الربيع العربي عام 2011 للسعوديين أنه في حالة حدوث ثورة، فإن الولايات المتحدة لن تنقذ العائلة المالكة، وقد عزز عقد من الانقسام في السياسة الأمريكية وجهة النظر السائدة لدى الرياض بأن القادة الأمريكيين مستغرقون للغاية في سياساتهم الداخلية لدرجة أنهم لا يستطيعون التركيز بشكل كامل على السياسة الخارجية، وفي حالة ما إذا ظهر شريك أمريكي موثوق، فقد يختفي هذا الشخص في الانتخابات القادمة.
ومع تضاؤل مصداقية الولايات المتحدة في المنطقة ففد يكون أردوغان قادرًا على تقديم بعض البدائل الأمنية الإقليمية للرياض التي يمكن أن تخفض التوترات مع إيران حيث ترتبط أنقرة مع إيران بعلاقات ودية.
لكن يظل محمد بن سلمان على مفترق طرق أكثر من أردوغان، فهل سيستسلم للكيفية التي تتعامل بها الولايات المتحدة مع الشرق الأوسط وموقف الجمود الذي يتخذه بايدن، أم أنه سيعمل على وضع استراتيجية لعدم الهبوط في الجانب الخطأ من معادلة النظام العالمي الجديد؟