أنقرة (زمان التركية)ــ مع احتدام الحرب في أوكرانيا يبدو أن تركيا منشغلة ببسط قبضتها على البحر الأسود، فهي تحاول استكشاف موارد الغاز الطبيعي من جهة، وفي الوقت نفسه تقوم بإجراء التدريبات البحرية، ففي وقت سابق من هذا الشهر أرسلت أنقرة آخر سفن الحفر الثلاث – الفاتح والقانوني ويافوز – إلى حقل غاز ساكاريا، الذي يقع على بعد 185 كيلومترًا شمال ميناء زونغولداك، ويعد ذلك أحدث مرحلة من مراحل محاولة تركيا لتسخير ما يقرب من 540 مليار متر مكعب من الغاز المكتشف قبل عامين وهو ما قد يخفف اعتماد تركيا على الغاز من روسيا.
وفي الوقت نفسه فقد أشرف الرئيس رجب طيب أردوغان على اليوم الأخير من تدريبات البحرية والتي أطلق عليها (مافي وطن)، والتي أجريت في البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة والبحر الأسود، وشهدت المناورات البحرية مشاركة 122 سفينة سطحية و 41 طائرة و 12 ألف فرد في عمليات منسقة على مدار 10 أيام، وشدد أردوغان في خطاب متلفز بمناسبة اختتام المناورات الحربية على حاجة تركيا لحماية البحار التي تحدها من الشمال والغرب والجنوب من خلال الحفاظ على قوة بحرية حديثة، وصرح بقوله “سنواصل هذه الجهود بشكل حاسم حتى نصبح أقوى قوة بحرية في المنطقة والعالم”.
وبالطبع فإن البحر الأسود – الذي أطلق عليه ذات مرة اسم البحيرة العثمانية بسبب السيادة التركية – يحتل مكانًا مهمًا لتركيا، فبموجب اتفاقية منترو لعام 1936 تمنح تركيا ملكية مضيق البوسفور، وكذلك السيطرة على المرور بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود.
إلا أنه تاريخيا خلال الحرب الباردة أصبح الاتحاد السوفيتي القوة المهيمنة على البحر الأسود من خلال سيطرته على السواحل الشمالية والشرقية للبحر بالتحالف مع أعضاء حلف وارسو رومانيا وبلغاريا إلى الغرب، وكما يصرح بول سترونسكي والذي لعب دورا مهما في في برنامج كارنيجي لروسيا وأوراسيا بقوله ” في العقدين اللذين أعقبا الحرب الباردة شهدت روسيا انتكاسة لدورها في منطقة البحر الأسود بعدما انضمت كلا من بلغاريا ورومانيا إلى حلف الناتو، ومن بعدهما أعلنت جورجيا وأوكرانيا أيضًا عن نيتهما الانضمام إلى الحلف – وكل ذلك يهدد بتحويل التوازن الإقليمي لصالح حلف الناتو على حساب النفوذ الروسي في تلك المنطقة”.
وخلال السنوات الأخيرة ومع تفاقم الخلافات بين روسيا وتركيا فيما يخص الصراع السوري، أعرب أردوغان في عام 2016 عن أسفه لأن البحر الأسود “أصبح بحيرة روسية تقريبًا” ودعا إلى تواجد أكبر لحلف شمال الأطلسي، ووفقًا لإميل أفدالياني أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في جامعة ولاية تبليسي، كانت سياسة تركيا في منطقة البحر الأسود في حالة “تقلب” منذ الغزو الروسي لجورجيا عام 2008، وما بعدها من أحداث ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 ونشر قوات حفظ سلام روسية في ناغورنو كاراباخ قبل عامين، والحرب الحالية في أوكرانيا، ترى تركيا بشكل متزايد أن دورها في المنطقة يوازن سياستها الخارجية في مواجهة طموحات موسكو. وأضاف أفدالياني “لكن بمرور الوقت أصبح من الصعب بشكل متزايد الحفاظ على هذا التوازن ، فقد ضاعفت روسيا من تواجدها العسكري في منطقة البحر الأسود، ونظرًا لأن هذه المنطقة الجغرافية كانت بمثابة منطقة عازلة لتركيا ضد منافستها التاريخية ، فإن هذا يترك فرصة ضئيلة لتركيا للحفاظ بنجاح على التوازن الذي تسعى إليه حتى الآن”.
ولكن ما هو أكثر أهمية لتركيا من استعراض أنقرة لقدراتها العسكرية هو اكتشاف الغاز الطبيعي في منطقتها الاقتصادية الخالصة، حيث تعتمد تركيا اعتمادًا كاملاً على واردات الغاز التي يتم نقلها بالأنابيب من روسيا وأيضًا من أذربيجان وإيران، فقد استوردت العام الماضي رقماً قياسياً بلغ 60.1 مليار متر مكعب من الغاز، وقد استوردت من روسيا ما نسبته 45٪ أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما استوردتهمن أي مورد آخر، ومن المتوقع أن يخفض حقل ساكاريا تلك الواردات بنحو الربع بمجرد وصوله إلى ذروة الإنتاج في السنوات الخمس المقبلة، حيث تخطط أنقرة لبدء ضخ الغاز من الحقل العام المقبل ، وهو ما يجب أن يسبقه بناء شبكة خطوط أنابيب بحرية ومنشآت معالجة أولا.
وقد صرح وزير الطاقة التركي فاتح دونمز في وقت سابق من هذا الشهر أثناء إشرافه على مغادرة سفينة الحفر يافوز بقوله “إن اكتشافنا 540 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سيغير مصير تركيا فلقد اتخذنا خطوة مهمة نحو استقلال تركيا في مجال الطاقة”، وفي نفس السياق فقد أفادت وكالة أنباء الأناضول الحكومية الإثنين أن المرحلة الأولى من خط الأنابيب ستكتمل في نوفمبرمن هذا العام.
وقد أعلنت هيئة الضرائب التركية عن دعمها لمشروع تطوير حقل الغاز الطبيعي بقيمة 9.9 مليار دولار، كما أعلنت يوم الأربعاء الماضي عن إعفائها مؤسسة البترول التركية من الضرائب.