ماهر المهدي
(زمان التركية)-الأيام تثبت – بأحداثها المتتالية – صدق التقدير بأن المواجهة العسكرية الجارية في أوكرانيا ليست وليدة انفعال وليست وليدة رد فعل آنى غير محسوب العواقب مثلما قد يرى البعض أو يحب أن يصورها . فمن اليسير على المتابع للأحداث إدراك هذه الرؤية ، وخاصة في ضوء خطاب الرئيس الروسي في نهاية فبراير الماضي الذي فند فيه ظروف اتخاذ قرار التدخل العسكري في أوكرانيا والخلفيات المتباينة التي قد يوليها البعض اهتماما كافيا .
وعدد الرئيس الروسي عوامل كثيرة تاريخية ومعاصرة وحديثة أسهمت – من وجهة النظر الروسية – في تأجيج التوتر بين جانبى المواجهة العسكرية والإلحاح على صانع القرار الروسي من أجل سرعة اتخاذ الموقف المناسب والجامع ” لانصاف روسيا ” ونصرتها ودفع الظلم والتهديد والخوف عنها إلى الأبد .
اذا ، بات من الواضح تماما – وفقا للخطاب الروسي – أن مواجهة اليوم جاءت متراخية وبعد سنوات طويلة من الصبر والتفكير والمحاولات الجادة لصيانة وحفظ العلاقات وتسوية الخلافات دون اللجوء إلى خصومات أو مواجهات عسكرية ، مراعاة لسابق انتماء الجانبين الى كيان واحد ومراعاة لكل روابط التاريخ والجوار والدم واللغة وغير ذلك من العوامل . لذلك ، حرص الجانب الروسى ربما على تسمية هذه المواجهة العسكرية ب ” العملية العسكرية ” ورفض تسميتها حربا . وربما حرص الجانب الروسي على إيضاح هذه الخلفية متعددة الجوانب للقرار الروسي بشن عملية عسكرية ضد أوكرانيا بعدما تصور البعض وروج البعض لانفعالية القرار الروسي وتسرعه وكونه رد فعل يتخطى حدود الضرورة والضرر من وجهة نظر مروجي تلك النظرية .
الحقيقة أنه قد يصعب منطقيا تصور أن يقدم قائد ذو باع طويل في السياسة والحكم على اتخاذ قرار بالمواجهة العسكرية ضد بلد مجاور له وذو أهمية خاصة بالنسبة إلى بلده التى يحميها ويقوم على صالحها ما لم تكن هناك دواع قسرية حازمة وصارمة وأهداف دقيقة الوضوح والمعالم . وربما أسهم خطاب الرئيس الروسي في تقديم صورة أوضح لموقف روسيا أمام العالم ، لو أن هذا الخطاب قدم في وقت مبكر عما قدم فيه . يبقى هذا الخطاب هاما وكاشفا في جميع الأحوال، وإن كانت معرفة أسباب النزاع المشتعل دما وألما وخسائر بشرية ومادية لطرف النزاع ولأطراف كثيرة أخرى تضررت ليست بكثير من العزاء.