أنقرة (زمان التركية) – أكد وزير الخارجية التركي الأسبق ياشار ياكيش أن الأزمة الأوكرانية غيرت العديد من نماذج العلاقات الدولية، بما فيها العلاقات التركية الأمريكية، متوقعًا أن يكون هناك تقارب بين الموقف التركي والأمريكي في سوريا، بعد فقدان روسيا ثقلها في الحرب الأهلية السورية.
في مقال كتبه لموقع (arabnews)، ذكر ياكيش أن العلاقات التركية الأمريكية شهدت تدهورا واضحا بعد انتخاب جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة، رغم أنهما حليفان في الناتو، لكن الدور الذي تلعبه تركيا في الحرب الروسية الأوكرانية قد يمثل فرصة للطرفين لتقريب مواقفهما من القضايا الإقليمية، بما فيها المشكلة الكردية.
وفيما يلي نص المقال كاملا:
لقد غيرت الأزمة الأوكرانية العديد من النماذج في العلاقات الدولية، من بينها العلاقات التركية الأمريكية. كان هناك تدهور واضح في علاقات هذين الحليفين في الناتو بعد انتخاب جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة.
فقد بعث عضو الكونجرس فرانك بالون، رئيس لجنة الطاقة والتجارة بمجلس النواب، في 4 فبراير برسالة إلى وزارة الخارجية يحث فيها إدارة بايدن على عدم تزويد تركيا بطائرات مقاتلة من طراز F-16 ومجموعات التحديث، بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان وتفعيل نظام الدفاع الجوي الروسي الصنع S-400. على الرغم من العلاقات الباردة بين بايدن والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ردت وزارة الخارجية بأن البيع المحتمل لطائرات F-16 لتركيا سيخدم المصالح الأمنية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لا سيما في أعقاب الأزمة الأوكرانية.
حدث هذا التغيير في الموقف في الولايات المتحدة بسبب الوعي المتزايد بالدور الإيجابي الذي قد تلعبه تركيا في الأزمة الأوكرانية. كانت لتركيا علاقات جيدة مع كل من روسيا وأوكرانيا، واستخدمت هذا الموقف لاستضافة اجتماعين مهمين مع روسيا وأوكرانيا، أحدهما في أنطاليا والآخر في إسطنبول. وهي تحاول الآن أن تفعل الشيء نفسه بين الرئيسين الروسي والأوكراني.
استيقظ المجتمع الأوروبي الأطلسي، فجأة، على واقع أن تركيا قد تكون مفيدة في التقريب بين الطرفين المتحاربين والمساهمة في السلام الإقليمي. خففت هذه الحقيقة الموقف الصارم الذي أظهره الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي تجاه تركيا في السنوات الأخيرة، وبالتالي فإن النتيجة الملموسة الأولى لذلك هي موقف الولايات المتحدة من بيع طائرة مقاتلة من طراز F-16 إلى تركيا.
عندما اشترت تركيا نظام الدفاع الجوي S-400 من روسيا، ردت كل من الإدارة الأمريكية والكونغرس بقسوة، وفرض الكونجرس عقوبات على تركيا عبر قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل طردت الولايات المتحدة تركيا من مشروع المقاتلة العملاقة F-35، والذي يعتبر المكون الرئيسي للدفاع الجوي لحلف الناتو على مدار الخمسين عامًا القادمة، وذلك بعد تصنيع حوالي 900 مكون للطائرة في المصانع التركية.
فعلت أنقرة كل شيء لإقناع نظرائها الأمريكيين بأن هذه العقوبات ستضعف بالضرورة القدرة الدفاعية لتركيا على نحو سوف يؤثر تأثيرا مباشرا على قدرة الناتو أيضًا. كل التفسيرات المعقولة التي قدمتها السلطات العسكرية التركية لم تجد آذاناً صاغية في الجانب الأمريكي. لكن الأزمة الأوكرانية ساعدت على تغيير موقف الولايات المتحدة، ولو فيما يتعلق بمسألة بيع طائرات F-16 فقط حتى اللحظة، حيث لا يوجد حتى الآن أي تخفيف في الموقف الأمريكي فيما يتعلق بطرد تركيا من مشروع F-35.
فيما يتعلق بمسألة نظام الدفاع الجوي الروسي الصنع S-400، اقترح المفاوضون الأمريكيون بشكل غير رسمي أن تنقل تركيا نظام الدفاع الجوي هذا لأوكرانيا، غير أنها رفضت هذا الاقتراح، وذلك لأنه في ذروة الأزمة السورية، سحب بعض حلفاء الناتو بطاريات صواريخ باتريوت من تركيا في وقت كانت في أمس الحاجة إليها. لذا فإن أنقرة تريد استخدام S-400 عند الحاجة ولا تريد أن تتعرض مرة أخرى للهجمات دون حماية مناسبة.
على الرغم من المواقف المجمدة بشأن موضوعين – قانون مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات ونظام الدفاع الجوي S-400 – هناك الآن تخفيف ولو خجولا بشأن موضوع شراء طائرة مقاتلة من طراز F-16. يغطي طلب تركيا شراء 40 طائرة من طراز F-16 وتحديث تلك الموجودة في مخزونها. بمعنى آخر، أنه التزام يغطي فترة طويلة ويعزز علاقات تركيا مع المجتمع الأوروبي الأطلسي ككل. وأعتقد أن الولايات المتحدة ستعيد تقييم المساهمة التي قد تقدمها تركيا لهذا المجتمع.
القضية الأخرى التي تنطوي على أهمية أيضًا هي تأثير العلاقات الأمريكية الروسية على سياسة تركيا تجاه سوريا، فمن غير الواضح كيف سيتطور المشهد السياسي الجديد بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا، وسط تعليق التعاون بين الطرفين فيما يخص الحرب الأهلية هناك منذ 2011. وفي ظل غرق روسيا بشكل كبير في المستنقع الأوكراني، لا يمكن أن نتوقع منها أن تلعب نفس الدور الفعال في سوريا.
وعلى ذلك، فإذا مال ميزان القوة بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا نحو الولايات المتحدة، فستتأثر تركيا أيضًا بهذا التوازن الجديد بطريقتين. إحداها ضعف الدعم الروسي لنظام بشار الأسد، وستكون تركيا سعيدة بذلك. ومع ذلك، من المحتمل أن يظل هذا الدعم عند مستوى يسمح للنظام السوري بالتعويم دون الانهيار من جانب، وستبقي موسكو أنقرة على بُعد ذراع منها وتتجنب استعدائها بلا داعٍ من جانب آخر.
أما التأثير الثاني للتغيير المحتمل في ميزان القوى هو استمرار دعم الولايات المتحدة للأكراد، وسواء كانت صفقة F-16 ستُبرم أم لا بين أنقرة وواشنطن، فمن المرجح أن يستمر الدعم الأمريكي للأكراد بطريقة أو بأخرى.
يبدو أن المفاوضات التركية الأمريكية بشأن طائرات F-16 بمثابة اختراق في العلاقات بين هذين الحليفين في الناتو، لكن الصيف لا يحلّ بوردة واحدة!
ترجمة: محمد عبيد الله