أنقرة (زمان التركية) – أعدت صحيفة “الجارديان” البريطانية تقريرا عن تأثيرات التضخم النقدي المرتفع في تركيا الذي يثقل كاهل المواطنين، وقالت إن الأسعار ترتفع بشكل يومي، في ظل انخفاض قيمة العملة المحلية.
أكد التقرير أنه بينما ترفرف أعلام حزب العدالة والتنمية الحاكم فوق مباني إسطنبول، فإن التضخم يسحق المواطنين.
أجرت الجارديان لقاءات ميدانية، وكانت إحدى هذه اللقاءات مع مصطفى كافدار الذي أحيل للتقاعد نظرا للظروف الاقتصادية، لتوجه مجبورا للعمل بأحد المخابز، لأن معاشه لم يعد كافيا لتغطية نفقاته الأساسية.
المواطن التركي قال: ”كل شئ مكلف للغاية، وبعد أن أشتري ضرورياتي وأدفع فواتيري، لا يتبقى لي شيء”. وعندما سئل من المسؤول من ذلك، ضحك بصوت خافت مجيبا: “أنت تعرف من الذي يجعل التضخم مرتفعًا”، وأضاف مترددًا في التعبير عن رأيه في سياسات أردوغان الاقتصادية مباشرة: “بالتأكيد فإن المسؤل ليس أنا وليس أنت وليس شخصًا في الشارع – ولكن من؟”، وم ثم طلب كافدار تغيير اسمه حفاظًا على سلامته.
كافدار صرح أن تركيا تواجه أزمة مالية غير مسبوقة، لا سيما بعد أن فقدت الليرة نصف قيمتها العام الماضي وحده، وتكافح البلاد الآن مع ارتفاع حاد في التضخم بلغ رسميًا 61.14%، كما بأن الزبائن غير راضين عن الأسعار. ولكن من ناحية أخرى فإن ارتفاع تكاليف الإنتاج تضغط على المؤسسات الصغيرة، فقد ارتفعت أسعار السكر والقمح، حيث كان سعر كيس الدقيق بالكيلوغرام 110 ليرات في يناير الآن سعره 220 ليرة .
وعندما حطم معدل التضخم الرسمي في تركيا 50% في فبراير كان يمثل أعلى مستوى له منذ عقدين ومشكلة سياسية ضخمة للحكومة، وبينما أصر وزير المالية نور الدين نبطي في وقت سابق من هذا الشهر على أن الزيادة “مؤقتة” بينما تعهد أردوغان مؤخرًا بحماية الأتراك من التضخم، مصرحا بقوله: “يستعد الاقتصاد التركي ليصبح أحد أكبر 10 اقتصادات في العالم، فقد قلنا إننا لن نضيع هذه الفرصة بخطوات غير مبالية وغير مدروسة، سنخرج من هذا الوضع بطريقة لن تسحق مواطنينا بالتضخم”.
ويرتبط التضخم المتصاعد في تركيا بمحاولة الحكومة “إصلاح الاقتصاد” التركي جذريًا، والحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة اعتقادًا منها أن هذا سيزيد الإنتاج – وهذا على عكس نصيحة معظم الخبراء، كما أن تغيير محافظ البنك المركزي أربع مرات خلال ثلاث سنوات كان له تأثير في ارتفاع التضخم وعدم انضباط السياسات النقدية.
وبحسب قول أستاذ الاقتصاد التركي ألب إيرينك يلدان: “على مستوى العالم يعاني الجميع من التضخم، لكن تركيا تشهده بمعدل أربعة أو خمسة أضعاف من البلدان الأخرى، هذا بعد سلسلة من الأخطاء السياسية والمشاريع التوسعية الطموحة واتباع سياسة اقتصادية تتجنب قواعد الجاذبية الاقتصادية”.
أصبح معدل التضخم قضية سياسية في حد ذاتها، ففي يناير أقال أردوغان رئيس وكالة الإحصاءات الرسمية في البلاد، غاضبًا من أن بيانات التضخم الرسمية للعام الماضي أظهرت ارتفاعًا قياسيًا.
وتقدر مجموعة الأبحاث الاقتصادية المستقلة التي تراقب معدل التضخم في تركيا باستخدام نفس المقاييس التي تتبعها الحكومة أن التضخم الحقيقي بلغ 142.63% في مارس. وقال أستاذ الاقتصاد يلدان: “142% تضخم مفرط للغاية، ولا شك في ذلك. منذ أن بدأ ارتفاع الأسعار في التأثير في سبتمبر الماضي، كانت حسابات المجموعة للتضخم الحقيقي ضعف السعر الرسمي باستمرار”.
وفقا للصحيفة، تفاقمت الأزمة المالية في تركيا بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية، وخاصة القمح، وكان انخفاض الليرة مقابل الدولار يؤثر بالفعل على قدرة تركيا لاستيراد القمح، لكن فقدان الإمدادات الأوكرانية جعلها تبحث عن بدائل.
ومع ارتفاع الأسعار أعلن كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض أمام الكاميرات أنه لن يدفع فاتورة الكهرباء الخاصة به حتى يقوم أردوغان بخفض الأسعار، ووصف مسؤولو حزب العدالة والتنمية هذا التصرف بأنه “استفزاز”، إلا أن أفراد الشعب “منشغلون بالاقتصاد”، على حد قول أكرم كونيديو أوغلو، الاقتصادي في حزب الخير المعارض، والذي يأمل في إقناع الجمهور التركي بأنه بإمكان الحزب إصلاح الاقتصاد مع بدء الانتخابات المقرر إجراؤها بحلول عام 2023.
وقالت الجارديان إن جهود تركيا لإيجاد حل في أوكرانيا قد تحسب لصالح حكومة أردوغان، وقد تخفض أسعار المواد الغذائية، لكنها لا تمثل حلا دائمًا، فالجميع في تركيا يعيشون مع الأسعار في حياتهم العادية. الشارع لا يتحدث كثيرا عن الحرب، وإنما همه الوحيد هو التضخم. فالأسعار تتغير بصورة يومية والجميع ينظر للمستقبل بعين ملؤها الخوف، فما لم ير الجمهور ارتفاع الليرة التركية أمام الدولار فلن يشعر بالراحة أو الأمان، على حد تعبيرها.