ستوكهولم (زمان التركية) – أكد وزير الداخلية التركي أن الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، يمثلون تهديدًا كبيرًا للأمن القومي التركي، في وثيقة سياسة شديدة السرية يطلق عليها اسم “الكتاب الأحمر” أو “الدستور السري” لتركيا.
في مقابلة مع قناة (TVNet) المعروفة بتوجهاتها الإسلامية في 23 مارس 2022، صرح وزير الداخلية سليمان صويلو أن الكتاب الأحمر الذي يحمل عنوان “وثيقة سياسة الأمن القومي التركي” تمت إعادة كتابته وفقًا لما وصفه بـ”القيم الأساسية” والموافقة عليه من قبل الشعب التركي.
وتدل التقارير على أن وزارة الداخلية وجهاز المخابرات الوطنية وهيئة الأركان العامة هي مؤسسات الدولة الرئيسية الثلاث التي تقدم المدخلات وتساعد في مراجعة الكتاب الأحمر وصياغته وفقًا للظروف السائدة في الداخل التركي والمنطقة والعالم.
أفاد تقرير نشره موقع “نورديك مونيتور” السويدي أنه على الرغم من أن الكتاب الأحمر ليس وثيقة قانونية بل هو عبارة عن ورقة مفاهيم سياسية واستراتيجية، إلا أنه من الناحية العملية يعتبر وثيقة أساسية في تحديد التهديدات الداخلية والخارجية لتركيا، ويساعد في تشكيل قرارات السياسة من قبل الوكالات الحكومية؛ كما أن حكومة رجب طيب أردوغان تستخدمه منذ عام 2014 كذريعة لملاحقة منتقديها وخصومها السياسيين والمعارضين.
ويبدو أيضًا، وفق “نورديك مونيتور”، أن صويلو قد أخرج بعض البلدان من قائمة الدول المهددة للأمن القومي التركي، مثل روسيا وإيران، بعدما صنفتهما النسخ السابقة من الوثيقة (الكتاب الأحمر) كدولتين معاديتين تحاولان تقويض الأمن القومي التركي، في حين أنه اعتبر الولايات المتحدة دولة معادية بعد أن كانت حليفة وفقًا للكتاب.
نظرًا لأن الكشف عن الكتاب الأحمر المتمتع بأعلى مستوى من السرية جريمة يعاقب عليها بالسجن، فإن صويلو لم يقدم تفاصيل كاملة عن تقييمات التهديد الجديدة التي تم إقرارها مؤخر في الكتاب، مع أنه يعتبر واحدًا من القلائل الذين لديهم تأثير مباشر في صياغة مراجعات الكتاب الأحمر.
وقد صرح صويلو بقوله: “أريد أن أعبر عن شيء واحد، إن الغرب لا يحبنا و كلنا نرى ونعرف ذلك…. فقيمنا مختلفة وديننا مختلف”، زاعمًا أن الولايات المتحدة تريد إقامة ما أسماه “دولة إرهابية” في شمال سوريا من خلال حزب العمال الكردستاني وفروعه السورية، وتعهد قائلاً: “لكن ليست أمريكا واحدة فقط، ولكن حتى لو أتت ألف أميركا إلى سوريا فلن نسمح لها بذلك”.
وتابع حديثه بالإجابة على سؤال حول ما إذا كانت تركيا ستصطدم في نهاية المطاف بالقوات الأمريكية في سوريا قائلا: “الولايات المتحدة لا يمكنها المجازفة بمواجهة تركيا.. من الضروري سؤال الولايات المتحدة عما إذا كان الأمريكيون مستعدين للمجازفة بالاشتباك مع القوات التركية”.
وزير الداخلية التركي معروف بآرائه اليمينية المتطرفة، ويؤيده حزب الحركة القومية، شريك وحليف حكومة الرئيس أردوغان الإسلامية، وكثيرًا ما أدلى بتعليقات ضد الولايات المتحدة وأوروبا، وانتقد حلفاء تركيا في الناتو في خطاباته.
ولأول مرة، يقوم أحد رجال الدولة بالتصريح العلني حول الكتاب الأحمر، وهو ما يعد دليلا مهما يشير إلى كيفية تغيير الهيكل والإطار المؤسسي لصنع السياسات في تركيا بشكل جذري في العقد الماضي في ظل حكومة أردوغان التي لديها قائمة طويلة من المشاكل في العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.
ويذكّر الكتاب الأحمر بنموذج حقبة الحرب الباردة في تحديد استراتيجيات الأمن القومي لتركيا، وقد تمت مناقشته واعتماده من قبل مجلس الأمن القومي، وهو مؤسسة تعمل رسميًا كهيئة استشارية للحكومة، ولكنها في الواقع تعمل كـ”حكومة ظل” أو “برلمان موازٍ”، علمًا أن المجلس يقوم بمراجعة تلك الوثيقة كل أربع أو خمس سنوات.
في النسخ السابقة من الكتاب كان يُنظر إلى الشيوعية (روسيا) على أنها أكبر تهديد لتركيا بعد انضمامها إلى الناتو في الخمسينات من القرن الماضي، وطوال الحرب الباردة، وذلك خارجيا، أما من حيث التهديدات المحلية فقد تم إدراج الأقليات الدينية والعرقية والانفصالية الكردية والرجعية الدينية والقومية في أوقات مختلفة في قائمة العناصر المهددة للأمن القومي، لكن القومية والتعصب الديني تم شطبها من القائمة تحت حكم أردوغان على مدى العقدين الماضيين وأضيفت تهديدات جديدة إليها.
الكتاب الأحمر استخدم كمبرر للإجراءات غير القانونية وغير الدستورية التي تمارسها الحكومة منذ سنوات، فقد قامت الوكالات الحكومية التركية بتصنيف المواطنين على أساس أيديولوجيتهم أو معتقداتهم السياسية أو انتمائهم العرقي أو الديني.
كشف “نورديك مونيتور” في وقت سابق كيف وضع مجلس الأمن القومي سرًا خططًا لتلفيق تهديد يمثله المبشرون المسيحيون لإثارة حفيظة القوميين والمحافظين كجزء من عملية الهندسة الاجتماعية الرامية إلى حشد هاتين الفئتين التين تشكلان العمود الفقري للمجتمع التركي حول التحالف الحاكم الإسلاموي القومي.
ونشر “نورديك مونيتور” وثائق سرية للغاية كشفت كيف قدم “الكتاب الأحمر” الأنشطة القانونية للجماعات الدينية المسيحية، مثل الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت في تركيا، باعتبارها تهديدات للأمن القومي التركي، كما أظهرت أن تركيا تعتبر الاتحاد الأوروبي مشروعًا مسيحيًا واقترحت إجراءات على الصعيد الوطني لقمع المسيحيين في تركيا.
وبالرغم من ذلك فلا توجد إشارة إلى الكتاب الأحمر في قانون العقوبات التركي أو قانون الإجراءات الجنائية، ولكن في العقد الماضي بدأت المحاكم التركية تشير إلى الكتاب في أحكامها لإدانة منتقدي الحكومة.