ماهر المهدى
القنابل العاطلة ، وطلقات الرصاص وفوارغ طلقات الرصاص بأحجامها المختلفة ، وفوارغ دانات المدافع تفترش الرصيف البارد كأجساد القتلى المسجاة بالطول وبالعرض وفوق بعضها وعلى وجوهها وعلى ظهورها وعلى جنوبها في يوم الشتاء القارس . والمبانى تقطر زجاجا ومساميرا وقطعا من الطوب وجدرانا وأثاثا كان جميلا منمقا يوما ما . والكهرباء لم تعد تسرى في الأسلاك المهدلة على صدور المدينة العارية الملقاة على الطريق .
والأبواب منزوعة تبكى على الأرض بلا حول ولا قوة ولا مزلاج ولا عين سحرية تفصح عن صورة الطارق ولا ألوان جميلة ولا لوحات تزين المدخل المؤدى إليها . والغرف خاوية تنزف صمتا مؤلما لا يحركه هدير الدبابات ودوى مدافعها وانفجار قذائفها وأزيز الطائرات المغيرة ليلا ونهارا . والأشجار خائفة لا تسأل عن الماء ولا عن زوارها من المحبين الحالمين الذين كتبوا أسماءهم على صدرها في لحظة إخلاص . والجو مسمم بالخوذات والصدور الواقية من الرصاص وقنابل المولوتوف وعبارات القتل والتحدي والاستمرار في القتال والسخرية من الجار العدو . وخيالات البطولة ترمح طليقة بين صناديق الذخيرة وجثث القتلى من كل جنسية والبنادق والمسدسات وشرارات الرغبة في القتل والفتك والتدمير والسيادة ورفع العلم على نهر من الدماء والأشلاء .
الدمار يزحف من أفواه التهديد عبر البحار والمحيطات والفضاءات وشاشات التليفزيون وصفحات التواصل الاجتماعى وليس من فوهات المدافع . والاهانة والتحدى يفتحان مخازن السلاح الذي أختبر والذي لم يختبر بعد ، ويمسحان وجه الحضارة وسمات الجمال في البلاد الفاتنة المعشوقة القوم . والبلاد الفاتنة الممشوقة القوام تقفز السنين والعقود الى الوراء والى عهد الست نبوية ذات الطرحة المشغولة بالترتر وصاحبة قوام شجرة الجميز – على متن الصواريخ الضارية القادمة من قلب الغضب – خلال أيام وأسابيع قليلة . والحسرات يفترشن الطرقات والميادين وتنمن الليل عاريات لا يسترهن عن الأعين شىء من البهجة. فالسلام يرقد في حضن الحكمة وفي قلب الصبر والصمت والبصيرة ، ولا يزور مسارح الهزل . والزهور لا تهدى أبدا , ولكنها تباع في شارع العمل المخلص الكثيف الدائم وفي مدينة الشفافية والرخاء .