أنقرة (زمان التركية) – أعلنت وزارة الصحة في تركيا عن فتح الباب أمام ندب الأطباء الذين تتراوح أعمارهم بين 65-72 عاما لمواجهة نقص عدد الأطباء لديها، بعد تصفيات جماعية بدعوى الصلة بالانقلاب الفاشل في عام 2016 طالت “الجيش الصحي” أيضًا.
وزارة الصحة نشرت إشعارًا بشأن إعادة ندب الأطباء المتخصصين الذين تتراوح أعمارهم بين 65 و72 عامًا والذين سبق لهم العمل في الوزارة أو الشركات التابعة لها، بعد فصل 3342 طبيبًا بشكل تعسفي خلال السنوات الست الماضية، واستقالة قرابة 9000 طبيب من أجل العمل في الخارج بسبب ظروف العمل القاسية.
ووفقًا للإعلان في الجريدة الرسمية، يبدأ تقديم الطلبات في 8 مارس عبر الموقع الإلكتروني للمديرية العامة للخدمات الإدارية لوزارة الصحة، وأنه لن يتم قبول طلبات المرشحين الذين لا يلتزمون بالشروط المحددة.
يذكر أن القطاع الصحي في تركيا شهد تراجعًا غير مسبوق بعد الانقلاب المزعوم في عام 2016، حيث أغلقت السلطات 50 مستشفى ومركزًا علاجيًّا، بل وصل الأمر إلى إغلاق بعض المستشفيات العامة في إسطنبول وأنقرة، بدعوى الصلة بالانقلاب أو حركة الخدمة، وبموجب مرسوم قانون لم يخضع للمراجعة الإدارية ولم يعرض على الهيئات القضائية المختصة.
وقد ترتب على ذلك أن بقي كثير من الجراحين من ذوي الشهرة والكفاءة بلا عمل، وعدد كبير من الأطباء المعروفين بتمكنهم في تخصصاتهم، بلا عمل، إلى جانب مجموعة كبيرة من العاملين في قطاع التمريض والتقنيين ممن كانوا يعملون في هذه المؤسسات.
وقد طالت عمليات الاعتقال الجماعية بعد 15 يوليو 2016 الجيش الصحي بتهم إرهاب ملفقة، كما اضطر الباقون ممن لم تعتقلهم الحكومة إلى الفرار خوفًا من بطش السلطة وتعسفها، وصاروا لاجئين في بلاد مختلفة يعانون أوضاعًا سيئة من النفي والتشريد والبعد عن عائلاتهم وذويهم.
غياب العدالة القضائية، بسبب خضوعها لسيطرة السلطة التنفيذية، والتعذيب البدني والنفسي الممنهج داخل السجون والمعتقلات، أسهم في لجوء عناصر الجيش الأبيض إلى خيار الفرار بطرق خطيرة أودت بحياة البعض منهم، حتى لا يتعرضوا لهذه الاعتداءات المتعمدة التي رصدتها -في تقاريرها- المنظمات الحقوقية المعتبرة العاملة في مجال حقوق الإنسان.
والسلطة الحاكمة في تركيا حاليًّا ترفض باستمرار الإعلان عن الإحصاءات الحقيقية للمعتقلين من كافة التخصصات، ولا سيما العاملين في القطاع الصحي، إلا أن مركز “ستوكهولم” السويدي للحرية قام بإحصاءٍ رصد فيه تعرض أكثر من 21.000 من العاملين في القطاع الصحي لعمليات اضطهاد بصور وأشكال متعددة.
فلقد تم القبض على 2.337 من الأطباء الأكاديميين من كبار الأساتذة المتميزين والمتمكنين في تخصصاتهم، 1.679 منهم كانوا يعملون في كليات الطب الحكومية، بالإضافة إلى 1.684 طبيبًا آخرين كانوا يعملون في المستشفيات الحكومية، و1.200 طبيب آخر كانوا يملكون عيادات طبية تم إغلاقها فجأة. ولكن العدد الأكبر من الضحايا هم من العاملين في المجال الطبي من غير الأطباء، وعددهم الإجمالي 11.821 تم تسريحهم من وظائفهم، منهم 5.821 كانوا يعملون في القطاع الطبي الحكومي، فضلاً عن 4000 آخرين كانوا يعملون طواقم طبية في المستشفيات.
كانت حكومة حزب العدالة والتنمية وضعت خطة مسبقة لسد العجز في القطاع الطبي الذي يشهد نقصًا حادًّا في الموارد البشرية بحلول عام 2024، ولكنها بعد هذه الإجراءات التعسفية في حق هؤلاء العاملين بالقطاع الصحي بشكل عام فقد أسهمت في تفاقم هذه المشكلة، ولقد أكد ذلك وزير صحة تلك الفترة “أحمد دميرجان” عندما أمام البرلمان في نوفمبر 2017 أن الحكومة تسعى لسد العجز في هذا القطاع خلال عشر سنوات، كما أضاف أنه خلال خمسة أو ستة أعوام ستقوم الحكومة بسد هذا العجز في أعداد المتدربين.
ولا تتوقف المعاناة التي يتعرض لها هؤلاء الأطباء المفصولون عند حد الإعفاء من وظائفهم، فبسبب وصمهم بتهمة الإرهاب، وعجزهم عن دفع هذه التهم عن أنفسهم إداريًّا أو قضائيًّا، عجزوا عن إيجاد وظائف لهم في القطاع الخاص، وقليل من المحظوظين الذين وجدوا عملاً أبلغوا بأنهم عوملوا بعنصرية واحتقار.
مركز ستوكهولم للحرية أجرى مقابلات مع العديد من هؤلاء الأطباء، والعاملين في قطاع الصحة الذين استطاعوا الهروب من تركيا، وتبين أنهم يواجهون تحديات شديدة منها: النقص في الموارد المالية، وكذلك صعوبة الاعتراف بشهاداتهم الطبية، كما تمثل اللغة عائقًا لديهم، بالإضافة إلى الاختلاف الثقافي، وصعوبة دخولهم سوق العمل في البلد الذي لجأوا إليه. كما أنهم ما زالوا يعانون من الضغوط النفسية التي واجهتهم أثناء هروبهم من تركيا.
الفصل التعسفي لهؤلاء الأطباء واعتقال كثير منهم بدون أدلة تسبب في تداعيات سلبية أخرى تتعلق هذه المرة بالمرضى؛ فقد حرم كثير من المرضى في بعض المناطق من الأطباء المتخصصين الذين يعالجونهم ويشرفون على حالاتهم المرضية بسبب إغلاق المستشفيات في مناطقهم، مما اضطرهم إلى السفر إلى مناطق أخرى بحثًا عن أطباء يعالجونهم، أو التعامل مع أطباء جدد ليتابعوا معهم الحالة المرضية من جديد، بدلاً من الأطباء المتخصصين الذين كانوا يتابعون حالاتهم ممن فصلوا أو اعتقلوا. وفضلاً عما يسببه هذا من أذى نفسي للمريض، فهو يمثل إهدارًا لحقوقه المقررة له طبقًا للقانون. ويثبت هذا التقرير أن كثيرًا من المرضى منعوا من التواصل مع الأطباء الذين كانوا يتابعون حالتهم الصحية لسنوات.
ومن ثم امتد التدهور في الرعاية الصحية إلى المرضى في السجون والمعتقلات، ففي الوقت الذي يعاني فيه هؤلاء المعتقلون أوضاعًا إنسانية صعبة تفرض الحكومة شروطًا صعبة من أجل نقل المرضى منهم إلى المستشفيات لتلقي العلاج الطبي اللازم، خاصة المعتقلين السياسيين منهم؛ حيث تمارس السلطة هذه الإجراءات التعسفية ضدهم نوعًا من العقاب المعنوي والاضطهاد. فقد تقدم كثير من المرضى المعتقلين في سجون أردوغان بشكاوى كثيرة إلى اتحاد الأطباء الأتراك يحتجون على صعوبة وصول العلاج لهم، وعدم تمكنهم من إجراء الفحوصات الطبية اللازمة في ظل حالة الطوارئ التي فرضت على عموم الأتراك منذ 2016.
تؤكد منظمات دولية رسمية ومستقلة أن إغلاق المستشفيات وكليات الطب الخاصة والمراكز الطبية، يعد انتهاكًا لحقوق المؤسسات الحرة التي يكفلها الدستور. لقد كانت هذه المؤسسات الطبية التي أغلقت تقوم بأعمال خيرية عابرة للقارات، فكثير من الأطباء الذين كانوا يعملون بها أجْروا عددًا هائلاً من العمليات الجراحية المجانية في عدد من الدول التي تفتقد الرعاية الطبية المتطورة. والمؤسف أنه بعد تفحص الملفات القضائية وعرائض الدعوى لهؤلاء الأطباء، اكتشف أن سفريات الأطباء لهذه الدول وإجراءهم عمليات جراحية مجانية كان من ضمن الأدلة التي قيدت ضدهم، بل واعتبرتها المحكمة دليلاً جنائيًّا كافيًا لإدانة هؤلاء الأطباء بالإرهاب.