بقلم: صالح القاضي
القاهرة (زمان التركية) – إن الإنسانية واليوم وعلى مر تاريخنا البشري الحديث منه والقديم وبقدر محاولاتها للوصول إلى أفق الإنسانية النافعة لمجتمعها وللإنسانية فسنجد أنها تنحرف وتنجرف إلى طريق التدمير والخراب والظلم والعدوان كلما استطاعت القوة العمياء أن تقفز لتحتل مكان المنطق والمعقولية.
نعم إننا نعيش في عام تسود فيه التناقضات ويتداخل في الخير والشر والاخلاق والانحلال يتسابقان فيه ولأننا نعيش في عالم السرعة فكل التحولات التي نشهدها تكون على نفس السرعة ولدرجة يمكن فيها القول إن الجهات المتعارضة في عصرنا لا تكاد واحدة منها تجد الفرصة لا عن التعبير عن آمالها ولا عن احباطاتها، بينما الذين يسيرون في موكب القوة العمياء راحوا يسخرون كل الإمكانات التكنولوجية التي وصلت إليها الحضارة الإنسانية لخدمة الكراهية والعدوان مدفوعون بمحركات الجشع والطمع،وفي طريق هذا الموكب الأسود أنواع وأسكال من التدمير والتخريب تشهدها الإنسانية لأول مرة، ففي حملة واحدة يستطيعون أن ينسفوا أعرق طرائق الفهم والفكر ليتركوا الحشود هائمة بلا سند وبلا هوية، نستطيع أن نقول أن هوية عصرنا اليوم هي التضحية بالحق وتقديمها قربانا من أجل القوة لتنهدم القيم والمثل العليا بمطارق المصلحة والمنفعة، وبدلا من السعي لإرساء القيم العالمية والتغني بها من أجل مستقبل الأجيال القادمة لا تسمع الأذان اليوم سوى أصوات نعيق الالعصبية والقومية المتشددة التي تدفع لتسوية كل نزاع داخلي أو عالمي بتقديم القوة العمياء على المنطق والمحاكمة العقلية.
بالطبع إن القوة ضرورية ولكن فقط إن كانت تخدم حماية الحق والحقيقة والعدالة وتحت مظلة العقل والمنطق ولكن عندما تستظل القوة بالهوى والعاطفة تصبح عمياء عن الحقيقة وصماء لا تسمع صوت الحكمة لتنهزم الحكمة وليصبح المنطق والحكمة أسيران للقوة ولكن ألم نعش ذلك من قبل عبر تاريخنا الإنساني ألم تحول القوة العمياء هتلر إلى ثور هائج وما أدى هذا سوى إلى تأخير تقدمنا البشري لعقود.
إننا جيل اليوم يقع على عاتقنا حمل كبير وهو مستقبل الأجيال القادمة ما هو الميراث الذي سنتركه لهم ؟ هل سنترك لهم عالما ملؤه الخراب والتدمير والكراهية وكل الأطراف فيه تتحارب ، أم سنترك لهم عالما من الأخلاق العالمية والفضيلة والعدالة حيث أن اختلافاتنا تكون هي مصدر قوتنا وتنوعنا عنصر من عناصر إبداعنا لتخرج أجيال جديدة منفتحة على المستقبل بخيال واسع وأفق أكثر اتساعا.
إن كنا نضع في اعتبارنا هذه أجيال المستقبل بحق فعلينا أن نستقيد من مراصد الماضي ونحذر من الوقوع في نفس النكبات التي عاشتها الحضارة الإنسانية في الماضي ، في نفس الوقت علينا تسديد أنظارنا وأنظار الأجيال القادمة إلى آفاق المستقبل المشعة بالآمال وإن فعلنا هذا ستخرج لنا الأجيال القادمة أبطال أرواحهم ملؤها الأمل من أجل التفاهم والتعاون ينذرون حياتهم من أجل إحياء الأخرين بالحب والقيم وينقذون إنسانيتنا من الغرق في محيط العداوة والكراهية الذي لا قاع له.
نعم إن كل جهد يبذل في هذا التوجه لجدير أن يحتفى به فهذا هو الذي سيبني لإنسانيتنا السلام والأمن والاستقرار وعلى مستوى الكرة الأرضة هذا هو الحلم الذي يجب أن ينسج خيوطه كل من يفكر في مستقبل بشريتنا، وكل من يعي الأثار المدمرة للقوة العمياء.