بقلم: الدكتور شوقي صلاح
القاهرة (زمان التركية) – اعتدنا ــ وبكل أسف ــ سنوياً ومع حلول ذكرى الإسراء والمعراج أن يخرج علينا من يخوض، بلا علم أو لغرض في نفسه، في واقعة الإسراء والمعراج، فمنهم من ينفي معراج سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وهكذا فعل الكاتب والإعلامي/ إبراهيم عيسى مؤخرا، حيث أثار جدلا واسعًا بإنكاره معراج رسولنا الكريم للسماء، رغم تعارض رأيه مع ما هو ثابت من سنته صلى الله عليه وسلم المتواترة قطعية الدلالة، وكذا من تفسير آيات لسورة النجم، وبهذا لا يجوز إنكارها؛ فقال عزَّ وجلَّ بكتابه الكريم ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى، مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ [ النجم: الآيات من 13 : 18] ومع هذا فقد ذهب رأياً في الفقه إلى إنكار المعراج على سند من قوله تعالى (… أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) 93 الإسراء.
ونشير في هذا السياق إلى إجماع فقهاء المسلمين على إسراء النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أكده قول المولى عز وجل ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (الآية الأولى من سورة الإسراء). ومع هذا فهناك من ذهب إلى أن واقعة الإسراء تمت بروح النبي صلى الله عليه وسلم دون جسده، وسندهم في هذا قوله تعالى (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) 60 الإسراء.
ويؤكد مرصد الأزهر للفتوى ــ على صفحته الرسمية ـــ بحق إلى أن “معجزة الإسراء والمعراج من معجزات سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الثابتة بنص القرآن الكريم في سورتي (الإسراء) و(النجم) وبأحاديث السنة النبوية المطهرة… بما لا يدع مجالا لتشكيك طاعن أو تحريف مرجف”. أَمَّا إنكار البعض لحدوث رحلة الإسراء والمعراج بسبب تعارضها مع القدرة البشرية، فالجواب: أَنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل إنَّه قام بهذه الرحلة بنفسه دون العناية الإلهية، بل الرحلة بأكملها بإرادة الله عز وجل، فهو الذي أسرى بعبده.
وبهذا اتَّفق جمهور العلماء على أَنَّ الإسراء حَدَث بالروح والجسد؛ لأنَّ القرآن صرَّح به؛ لقوله تعالى ﴿بِعَبْدِهِ﴾ والعبد لا يطلق إلَّا على الروح والجسد، كما اتفق جمهور العلماء من المحققين على أنَّ المعراج وقع بالجسد والروح يقظةً وفي ليلة واحدة.
هذا ولم يصدمني قول الكاتب/ إبراهيم عيسى بشأن معراج رسولنا صلى الله عليه وسلم، فقد سبق وأيد الكاتب المدعو/ إسلام بحيري في تصريحاته المشبوهة وتجرئه بوقاحة من القول على الأئمة الأربعة، ومحاولاته للنيل من السنة المطهرة، من خلال نقده لبعض الأحاديث غير القطعية، كما أن الأستاذ إبراهيم عيسى سبق واتخذ من منطلق حق الإنسان في الاعتقاد، سندا للدفاع عن كاتب أعلن كفره على الملأ ـــ أقصد سيد القمني ـــ وجدير بالذكر أنه وإن كانت حرية الاعتقاد في مصر مبدأ دستوريا، إلا أن الترويج للإلحاد يتعارض مع الدستور ويجرمه القانون. كما أن الكاتب يروج بشكل عام للحريات بلا ضوابط، وقد ظهر هذا واضحاً من دعمه اللامحدود لفيلم يروج للحريات الجنسية بلا ضوابط، وبما يهدد قيم المجتمع المصري وثقافته.. .
* ورسالتي التي أرسلها للأستاذ إبراهيم عيسى بمناسبة نفيه لمعراج سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تتمحور حول: افتقاده للحكمة في عرض رأيه بشأن هذه المعجزة؛ فإذا أرادت أن تعرض لرأيك ــــ بشكل موضوعي ـــ وهو ما يجب أن يكون، فكان أولى بك استضافة أحد علماء الدين الإسلامي المعتبرين.. ثم تطرح القضية للنقاش، وهنا سيحترمك حتى من اختلف معك، وحتى إن كانت حجة ضيفك أقوى من حجتك.. ولكنك لم تفعل، بل وتهجمت على مشايخنا الأجلاء.. فانتقادك بعض المقربين منك من أبناء مهنتك، ليس لشيء إلا لأنك كنت “غشيما”.. ربما عن عمد، فلا أستطيع أن أبهتك بالغباء، ولكن أعتقد أنك تتطلع للحصول على جائزة دولية عن رواية من رواياتك.. .
هذا وبمناسبة إعلان معالي المستشار المحترم نائبنا العام، بفتح تحقيق بشأن البلاغات المقدمة ضد الإعلامي المذكور، فغالباً ستنتهي التحقيقات بإحالة القضية لمحكمة الجنح، فغالباً سيتهم بازدراء الأديان، لارتكاب الفعل المجرم بالمادة (98/ و عقوبات) والتي ذهبت إلى أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية”. فالأمر الثابت من خلال متابعتنا لبرنامجه الذي أنكر فيه حدوث معراج سيدنا رسول الله للسماء، فقد استخدم مقدم البرنامج أسلوباً يحقر به المشايخ وعلماء الدين.
هذا ودون استباق للأحداث فغالباً سيحال هذا الكاتب كمتهم لمحكمة الجنح.. إلا أنني أرى ومن منظور قانوني بحت، أن احتمالات براءته أمام المحكمة ستكون غالبة على الإدانة؛ وذلك لكون رأيه في إنكار المعراج مسألة محل خلاف.. وأن المادة (65) من الدستور المصري ذهبت إلى أنه “حرية الفكر والرأي مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر”. وإن كان أسلوب هذا الإعلامي في برنامجه يخالف ميثاق الشرف الإعلامي؛ فيعد ما صرح به الكاتب في حلقته المشار إليها؛ بأن رجال الدين “الشيوخ” لا حاجة إليهم في مجتمعنا..!!! مما يعد نمطا من أنماط عدم احترام كرامة وحقوق هذه الفئة، وهو يعد إخلالاً بميثاق الشرف الإعلامي؛ حيث ورد في هذا الميثاق، بقسم واجبات الإعلامي “ضرورة احترام الإعلامي لمبادئ حقوق الإنسان وكرامة الآخرين وحقوقهم، والامتناع عن بث ما يسيء إلى الذات الإلهية أو الأديان السماوية والرسل والمذاهب والرموز الدينية والالتزام بالقيم التي تحددها الأديان السماوية والامتناع عن تقديم الدعوات الإلحادية أو تحبيذ أعمال الشعوذة”.
لذا فعلى المجلس الأعلى للإعلام التعامل المناسب معه، وقد يكون إيقافه عن الظهور الإعلامي، وإيقاف برنامجه لمدة مناسبة يعد إجراءً يتناسب وخروجه عن الميثاق المشار إليه. ونذكر بأنه قد سبق للمجلس الأعلى للإعلام إصدار قرار بإيقاف برنامج الإعلامي/ تامر أمين وإحالته للتحقيق، بعد ما صدر عنه واعتبر إهانة لأهلنا في الصعيد ــــ وفعلها أيضاً إبراهيم عيسى.. دون أي إجراء من المجلس..!!! ــــ هذا رغم أن تامر أمين تقدم باعتذار علني عما صدر عنه، مؤكدا أن البعض “حرف تصريحاته واجتزأها من سياقها”.
وهكذا يمكن لنقابة الإعلاميين أن تحاسب الإعلامي الذي يتجاوز في أداء عمله بما يتعارض مع ميثاق الشرف الإعلامي.. ولكني استبعد أن تتخذ النقابة أي ردة فعل ضده، بل ستنتصر لمبدأ حرية التعبير، وأقصى ما سيصدر عنها كلمات تؤكد فيها على ضرورة احترام الإعلامي للأديان، وعليه أن يعرض رأيه مع التزامه بعرض الآراء الأخرى إظهاراً للحقائق، ولتتضح الصورة كاملة أمام الجمهور، مع الالتزام بكل ما ورد بميثاق الشرف الإعلامي.
هذا ومن منطلق قناعتي بأن الفكر وإن كان متطرفاً.. فيجب أن يواجه بحسب الأصل بفكر آخر مستنير.. فأقترح على الكاتب/ إبراهيم عيسى ـــ بل وأتحداه ـــ أن يعلن عن موافقته لمناظرة أحد الشيوخ ـــ وقد ادعى في حلقته أن مجتمعنا ليس في حاجة لوجودهم ــــ واعتقد أنه لن يفعل، ليس لسبب إلا لأنه سيُهزم فكرياً وعلى رؤوس الأشهاد.. وأذكر في هذا المقام قول المدعو/ إسلام بحيري بعد المناظرة التي جمعته والشيخين الجليلين: أسامه الأزهري وعلي الجفري، أنه ” لن يكرر هذا الأمر مرة ثانية؛ يقصد الظهور في مناظرة علمية علنية. ففي تقديري أن الردع الحقيقي له لم يكن بالحبس الذي قضت به محكمة الجنح ودخل بموجبه السجن، ولكن كانت محاكمته الحقيقية وهزيمته الكبرى من خلال المناظرة المشار إليها.