أنقرة (زمان التركية)ــ نشر بولنت أرينتش المستقيل مؤخرًا من منصب مستشار الرئيس رجب طيب أردوغان، وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية والرئيس السابق للمجلس الوطني الأعلى لتركيا رسالة تعزية حزينة، إلى نصرت موغلا المعتقل التركي الذي فقد حياته في السجن عن عمر 84 عاما، حيث تعرض للاعتقال بسبب علاقته بحركة الخدمة.
بولنت أرينتش كان حتى وقت قريب مستشارًا للرئيس قبل أن يستقيل من منصبه في ديسمبر الماضي، على خلفية الهجوم الحاد التي تعرض له بسبب انتقاده استمرار حبس كل من الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، صلاح الدين دميرتاش، ورجل الأعمال، الناشط المدني عثمان كافالا.
أرينتش عبر في رسالة التعزية التي نشرها عبر تويتر عن حزنه لعدم قدرته على مساعدة المعتقل المسن نصرت موغلا الذي كانت تربطه به علاقة صداقة قديمة، وقال: لقد تعرفت على أخي نصرت أثناء المرحلة الثانوية “ ثم عقب بقوله “ لقد كان يعمل في دكان الحلاقة الخاص به مع شريكه كنان، ولقد أصبحنا أصدقاء مع مرور الوقت، لقد كان دائم التبسم وحديثه كان ممتعا، كان يقرأ رسائل النور وأينما وجد فرصة كان يشرح للناس حقائق الإيمان والقرآن، وكان يحب إكرام الناس.
وبعدما دخل أرينتش كلية الحقوق استمرت علاقة صداقته مع نصرت موغلا فكانا يداومان على اللقاء واحتساء الشاي معا، وجاء في رسالة التعزية أيضا:
بعدما تعرف نصرت على حركة الخدمة بدأ في دعم الفاعليات التعليمية التي تقوم بها الحركة، لقد كان يجتمع لقراءة الكتب مع أشخاص طيبين من أمثاله، وبعدما انهى شراكته في محل الحلاقة، فتح محلا صغيرا لصنع وتصليح الأحذية وبرغم إمكاناته البسيطة كان يدعم الفاعليات التعليمية لحركة الخدمة حتى أن من يعرفونه كانو يسمونه متطوع التعليم.
ولأنه كان يضع نقوده في بنك آسيا تمت محاكمته ثم أخلي سبيله،وبعد أن شهدت بلادنا في 15 تموز 2016 محاولة انقلاب فاشلة قصف فيها البرلمان وراح ضحيتها عشرات الشهداء، ولكن بعد هذه الحادثة بأيام قلائل علمت أنه تم القبض على أخي نصرت وغيره الكثير من الأخوة تحت إدعاء “العضوية في حركة إرهابية مسلحة”، ولقد تعجبت كثيرا من هذا الاتهام، فهو يمسك السلاح بل لم يمسك في حياته سكين جيب بل إنه لم يوجه لفظا خارجا أو جارحا لأحد في حياته، وكان يردد دائما “نحن فدائيوا المحبة لا وقت عندنا للخصومة” تم اعتقال هذا الرجل الطيب فقط لأنه كان يضع أمواله في بنك آسيا
ولأنه كان يعمل في وقف للتعليم، ويحاول مساعدة الشباب تمت محاكمته واتهامه بالتهمة الشائعة، ليحكم عليه ويتم تخليته بعد ذلك.
لقد زرته عدة مرات قبل عامين، لم يكن غاضبا أو مخاصما لأحد، وكان يؤمن بأن محاولة انقلاب 15 تموز كانت كارثية، ولكن في نفس الوقت فإن اتهامه باطلا هو وأصدقائه بأنهم إرهابيين أمر غير عادل تماما وأن هذه المحاكمات التعسفية أحدثت
صدمة كبيرة للعائلات، وكان يطلب مني تقديم يد العون لإزالة هذا الظلم الواقع عليهم. وبعدما تم تصديق الحكم الصادر ضده تم حبسه، ولأنه كان يعاني أمراض متعدد كالقلب وغيره من الأمراض فكان يجد صعوبة شديدة في إدامة حياته بنفسه، ولكن مع الأسف فإن التقرير الطبي الصادر من مستشفى الجامعة لم يصدق عليه من مؤسسة الطب العدلي، وبدلا من نقله للمشفى كان عليه إدامة حياته تحت ظروف السجن.
وبعدما اشتد عليه المرض وفي ظل الظروف السيْة للسجن أصيب أيضا بكرونا وهكذا رحل عن حياتنا، هذه هي وبأختصار حكايتي مع هذا الرجل الطيب، والذي أحتفظ بذكرياتي معه في موضع خاص واستثنائي في قلبي.
ما الفائدة من السجن؟
ولكن ما يجب قوله بعد رحيله عنا؟ علينا أن نقول أن ظروف السجون غير مجهزة بصورة مناسبة للمحبوسين المرضى منهم على الخصوص، فهناك من يحتاج لإجراء عملية جراحية بالقلب أو من هم مصابون بالسرطان، ولا يمكن لهؤلاء لا يمكن معالجتهم داخل ظروف السجن الصعبة، ولا توجد أية فائدة تعود على العامة من إبقاء هؤلاء داخل السجون وعدم تقديم الرعاية الصحية المناسبة لهم، وهذا بالضبط ما يقرره الدستور التركي في مادته 17 حيث يقرر أنه يجب أن يعيش جميع المواطنين بكرامة تليق بإنسانيتهم، حتى ولو كانوا داخل السجن، ومن جهة أخرى على مؤسسة الطب الشرعي أن تستخدم السلطة الممنوحة لها دو خوف من السلطة السياسية، فحينها لن يضطر الرئيس لاستخدام قرار العفو، وبالنظر للوضع الحالي سنجد ان داخل السجون مرضى سرطان يستخدمون أدوية عديدة ولكن يتم احتجازهم في السجون مع أطفالهم، بالإضافة إلى خطر إصابتهم بكوفيد، وقرار إطلاق سراحهم مع تأجيل العقوبة يتوقف على موافقة مؤسسة الطب الشرعي على التقارير الطبية لمعهد الطب العدلي، هذا المعهد الذي يعمل فيه أطباء مخلصين ورحماء وعادلين أقسموا قسم أبقراط.
ودعونا نتسائل ما الفائدة التي يجنيها القضاء أو المجتمع من موت هؤلاء المرضى داخل السجون؟ ولذلك فيجب النظر في الموضوع والتصرف بإنصاف واتخاذ الإجراءات اللازمة وهذا لا يتوافق وحسب مع نص الدستور، ولكن لرئيس الجمهورية الحق في إصدار قرار العفو عن بعض المدانين وقد استخدم الرئيس أردوغان هذه السلطة في حق بعض المدانين، ولكن ما أود الإشارة إليه هنا والتأكيد عليه إنه لو استخدم معهد الطب الشرعي السلطة الممنوحة إليه بموجب القوانين واللوائح ودون خوف من السلطة السياسية فلن يحتاج الرئيس لاستخدام قرارات العفو.
إن الذين أقصدهم في كلامي هنا هم كل شخص لم يرفع سلاحا في أحداث انقلاب 15 تموز ولم يشارك بأي شكل من الأشكال في عمليات مسلحة، بل كان يعيش بسلام في تركيا ويقوم بعمله سواء أكان إمام مسجد أو مؤذن أو معلم أو طبيب أو رجل أعمال أو غيرهم ممن امتلئت بهم السجون تحت دعوى “أنت عضو في تلك الحركة”.
أخيرا: أخي نصرت سامحني، لقد تحدثت علانية وفي كل مكان وبحسب قدرتي عن قضيتك وعن كل من هم أمثالك، ولكن العيون المملوءة بالحقد الأسود كانت تشتعل نيرانها، وبسبب أنني أرفع صوتي معلنا الحقيقة تم تحقيري وإهانتي وتم اعتباري من حركة كولن واستهدافي بصورة شخصية، وكما لم أستطع أن أكون مفيدا لك أو لإخوانك كما استطعت أن أكون مفيدا لنفسي، ولكنني أؤمن بأن كل هذا سيمر وسينتهي، إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا مايرضي ربنا سبحانه وتعالى.
يذكر أنه عقب هجوم غير مباشر من الرئيس رجب أردوغان، أعلن بولنت أرينتش استقالته من منصبه مع استمرار عضويته بحزب العدالة والتنمية الحاكم وقال إنه عازم على مواصلة الدفاع عن الصواب كسياسي شجاع وصادق وداعم للقانون.
كما انتقد أرينتش سياسة الاستقطاب التي يتبعها الرئيس أردوغان، وقمع المعارضة، والإصرار على استمرار اعتقال الناشط المدني عثمان كافالا والزعيم الكردي صلاح الدين دميرتاش رغم قرارات الإفراج الصادرة بحقهما من الحكمة الأوروبية، كما رفض هجوم أردوغان على رجل الأعمال الأمريكي، جورج سوروس.