أنقرة (زمان التركية)ــ سلط مقال نشرته النسخة العربية من صحيفة “إندبندنت” البريطانية الضوء على، مساعي الرئيس رجب طيب أردوغان لاستعادة العلاقات مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن الأمر لا يستحق الاندهاش، لأن أردوغان الذي يستخدم ضد الإسرائيليين حطابًا عدائيًا لديه اعتبار براغماتي يطغى فوق كل اعتبار.
المقال بعنوان “العلاقات التركية – الإسرائيلية ومواقف أردوغان البراغماتية” بقلم الكاتب تورغوت اوغلو، تناول العلاقات بين أنقرة وتل أبيب “تحت عنوانين رئيسين: دبلوماسية وبراغماتية”.
وتطغى البراغماتية على الدبلوماسية في علاقة أردوغان مع الدول ومن بينها إسرائيل.
الكاتب يقول إنه: بينما حقق موقف أردوغان البراغماتي في العلاقات بين أنقرة وتل أبيب مكاسب لحزب العدالة والتنمية، فقد أفقد الثقة بتركيا لدى الرأي العالمي.
تورغوت اوغلو بعد أن سرد العديد من المواقف المتناقضة لأردوغان في علاقته مع إسرائيل، والتي تظهر أن وتيرة التبادل التجاري بين البلدين ترتفع بالتوازي مع ارتفاع نبرة الخطاب العدائي، قال “خسرت تركيا الكثير في السنوات العشر الماضية، لكي يفوز حزب العدالة والتنمية، إذ إن معظم أرباح هذه التجارة البينية تصبّ في جيوب كوادرهم. لكن تركيا تضررت كثيراً بعد تلك الفترة”.
ولفت تورغوت اوغلو إلى أن: تركيا لم تكن تتوجس من إنشاء كيان كردي يتمتع بحكم ذاتي (فعليّ) في سوريا، لكنها الآن تعاني ذلك، بسبب سياستها الخاطئة تجاه الأزمة السورية. إضافة إلى موجات الهجرة إلى تركيا، التي وصلت إلى مستوى يكاد يؤثر في التركيبة السكانية للبلاد.
في تلك الأيام، كنا من أوائل الدول التي جذبت أكبر عدد من المستثمرين في العالم، وكانت تتم الإشادة في كثير من المنابر بالخطوات التي اتخذناها في مجال حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية.
لكن، عندما انحرفت حكومة حزب العدالة والتنمية عن السياسات والاستراتيجيات الليبرالية، وبدأت تتصرّف من منطلقات الأيديولوجية الإسلاموية لم تتخلص البلاد من المشكلات والأزمات والأخطار.
أنا واحد من الذين يعتقدون أن القاعدة الأساسية، وحتى الأولى لدى الإسلامويين هي “البراغماتية”. وأرى أن هذا له معنى “التقية” نفسها التي يتبعها النظام الإيراني. ومن الممكن تقييم تحركات أردوغان نحو الشرق الأوسط والخليج أيضاً في الأيام الأخيرة في هذا المنوال.
وبطبيعة الحال، فإن أقوى الأسباب التي دفعت أردوغان إلى اتخاذ منعطف مفاجئ نحو إسرائيل هو الشعور بصعوبة في ترميم العلاقات مع واشنطن، إذ لا تزال علاقاته مع جو بايدن مترنحة بين الرغبة والرهبة، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها أنقرة فلم يتسنَّ البدء بمرحلة طبيعية.
وبعدما لم يتمكن أردوغان من تحقيق النتيجة التي كان يتوخاها مع شركات اللوبي، التي جرى إنفاق ملايين الدولارات عليها، توجه إلى اليهود كملاذ أخير. وعلينا أن نتابع سير الأحداث لنرى ما إذا كان سينجح هذه المرة أم لا.
أمّا بالنسبة إلى الجانب الدبلوماسي في العلاقات التركية الإسرائيلية، فإني أود أن أتطرق إلى بعض النقاط التي تكاد تخفى على كثير من المتابعين:
منذ الفترة العثمانية حتى عام 1956 لم تواجه الجاليات اليهودية أي مشكلات مع العثمانيين والأتراك، بل طالما دعمت الجاليات اليهودية جميع المواقف والقرارات الدبلوماسية التي اتخذتها الإدارات العثمانية والتركية ضد الدول الغربية.
لهذا السبب، وعلى الرغم من أن تركيا صوّتت بشكل سلبي لصالح خطة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تقترح تقسيم فلسطين، فإنها أصبحت أول دولة ذات غالبية مسلمة تعترف بإسرائيل في مارس 1949.
وأول أزمة دبلوماسية وقعت بين تركيا وإسرائيل هي التي كانت أثناء الاحتلال الإسرائيلي لمصر عام 1956 بسبب قناة السويس، حيث خفضت تركيا علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل إلى مستوى القائم بالأعمال لأول مرة في هذا التاريخ، وأبقتها على هذا المستوى حتى عام 1980.
وبدأت العلاقات تهدأ بعد انتهاء أزمة قناة السويس وانسحاب إسرائيل من شبه جزيرة سيناء المحتلة.
هذا هو الموقف الدبلوماسي الذي نبحث عنه، لكن أردوغان حجَّم دور الكوادر الدبلوماسية الفعّالة في العلاقات الدولية، حتى تكون له الكلمة الوحيدة في تحديد السياسة الخارجية، وأصبح لا يصغي لأي شخص ولا يثق بأحد.
وهذا بطبيعة الحال أمر خطير جداً، لأن القرارات التي يجري اتخاذها في ظل استبعاد المؤسسات وعدم الاستماع إلى اقتراحاتها ونصائحها لن تكون صحية. إن القرار الشخصي ينطوي على العاطفة، والحال أنه لا مكان للعواطف في السياسة الخارجية، والمصالح الجماعية للبلد لها الأولوية المطلقة.
ومع ذلك، للأسف، اليوم يجري اتخاذ كل القرارات تقريباً من قبل رجل واحد، بما يتوافق تماماً مع المصالح الأيديولوجية لحزب سياسي واحد. لقد تعبتْ تركيا من الموقف البراغماتي لهذه الأيديولوجية الإسلاموية.