بقلم: ماهر مهدي
القاهرة (زمان التركية) – الإنسان في المعاش أشبه – ربما – بالإنسان في النعاس ، إذ يصبح حاله رقيقا ويغشاه اللين في كل شىء تقريبا . وإذ أشهد مظاهرات الكثيرين من الناس – من مختلف الأعمار – الذين يخرجون في مظاهرات حاشدة في بعض العواصم الأوروبية مطالبين بتحسين المعاشات والخدمات المقدمة الى المتقاعدين من الجنسين ، أتذكر جليا ذلك الجدل الذي عاصرته أثناء خدمتى في عاصمة أوروبية هامة – قبل حوالى عشرين عاما – حول مستقبل المعاشات وكيفية سدادها في الوقت الذي يتوقع فيه ذلك البلد أن يصبح عدد المتقاعدين في عام 2050 مساويا لعدد العاملين . ومعنى تساوى عدد المتفاعدين مع عدد العتملبن ، ان كل متقاعد يحصل مباشرة على معاش التقاعد من شخص عامل وليس من مجموعة من العاملين ، الأمر لذي سوف يمثل عبئا ماليا كبيرا اذا لم يتوصل إلى حلول ناجعة .
ولا أنسى أبدا مشهد أحد الشخصيات المصرية الهامة الذي تقاعد قبل سنوات كثيرة مضت حين رأيته يقود سيارة متواضعة صغيرة ضيقة كأنها ” نصف ليمونة كبيرة ” ذات أربع عجلات على الطريق . فقد كان الرجل شخصية بارزة في مجال عمله – حينذاك – وكان ضخم البنية ، حتى ليتعجب المرء كيف كان له أن يدخل – أو أولى بالقول كيف كان له أن يحشر نفسه – في تلك السيارة الضئيلة حجما وشأنا ويستقر بداخلها ويحرك جسمه ليقودها جيئة وذهابا ، ثم ليخرج من تلك ” العلبة ” أو المحبس الاختياري الصعب لاحقا . ان ذلك المشهد لهو خير معبر عن ضيق ذات اليد على الكثيرين من الشخصيات المحترمة التى أدبها التقاعد ، اذا جاز القول . واليوم والمظاهرات تتجدد في عواصم بعض الدول طلبا لمزيد من العناية برواتب وخدمات المتقاعدين – على تباين خلفياتهم – قد يشعر المرء بمشاركة هولاء المتظاهرين في آمالهم من أجل ظروف معيشة أفضل للجميع في المعاش .
لقد نجح البعض في الحفاظ على توازن مواردهم ونفقاتهم على امتداد مسيرتهم الحياتية ، لينتهوا الى تقاعد طيب يناسبهم ويحقق لهم ما تمنوا لأنفسهم في شبابهم ، او يحقق لهم بعضا مما تمنوا سابقا ، بالنظر إلى تصاعد تكلفة المعيشة باستمرار وبشكل مفاجئ يصعب حسابه وتوقعه في حسابات غير المختصين . وفشل البعض في دعم توازن مقبول بين وارداتهم ونفقاتهم خلال مشوارهم وهم شباب ، لينتهوا الى تقاعد صعب يفترش الأرض أو يكاد ولا يستر من احتياجهم الا قليلا . والأسباب – في الفشل المشار إليه – كثيرة ومتنوعة ، بحسب الحال . والمسؤولية في الفشل الموجع المؤدي إلى معاش مؤلم يتحملها – في جزء كبير منها – صاحب الشأن . فهما كان اهتمام الدولة في كل بلاد الدنيا ، لا يمكن لأحد – بالطبع – أن يدبر لكل فرد حياته وينظم له استهلاكه الشخصي ويراقب مدخراته ويدعمها له .
ولكن – على الأقل من باب الإنسانية – قد نحتاح الى دعم رواتب أو مكافآت أصحاب المعاشات ، وخاصة ما كان منها ضئيلا بخسا ، ليتمكن الناس من العيش دون مذلة لا يستطيعون لها دفعا ، لضعف الصحة وكبر السن وفقر الحاجة السوقية إلى قدراتهم المنهكة . ومن أولى الخطوات الى تحسين رواتب مكافآت المعاش ، فرض الاشتراك التأميني الإجباري المتصاعد على رواتب ومكافآت الجميع في القطاعين العام والخاص لصالح راحة الجميع في الأول وفي الآخر القادم يوما ما .