مسقط (زمان التركية)ــ أشار الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إلى وجود تغيرات طرأت على النظام الدولي، إذ لم تعد الولايات المتحدة صاحبة الهيمنة المطلقة، مشيرا إلى توسع النفوذ الصيني والروسي.
أبو الغيط قال إن “الناظر إلى الوضع الدولي الآن يُدرك كم تغيرت الأسس التي قام عليها منذ سبعة عقود.. فالواضح أن لحظة الهيمنة الأمريكية المطلقة تُشارف على نهايتها.. فما نشهده اليوم هو حالة (انتشار للقوة) على مساحة أوسع).
جاء ذلك خلال كلمة أبو الغيط أمام كلية الدفاع الوطني في سلطنة عُمان، تحت عنوان “المتغيرات الإقليمية والدولية وأثرها على العمل العربي المشترك”.
وفيما يلي مقتطف من كلمة الأمين العام للجامعة العربية:
إذا لم يعد القرار الدولي مُحتكراً في يد قوة واحدة، وإنما موزع على عدد أكبر من القوى الدولية… ولم تعد الإمكانيات الاقتصادية والتكنولوجية محصورة في القلة، وإنما صارت أيضاً أكثر انتشاراً من ذي قبل.
نحن إذن أمام توازن جديد يتشكل في عالمنا… هذا التوازن قد يقود إلى نظام مختلف غير ذلك الذي عهدناه خلال العقود المنصرمة.. وقد يؤدي أيضاً إلى حالة من اللانظام والفوضى أي غياب القواعد الناظمة للعلاقات بين القوى الكبرى.. لذلك أقول إننا في لحظة نادرة تحمل من الأسئلة المركبة أكثر مما تقدم من الإجابات الحاسمة… حيث يظل المستقبل مفتوحاً على سيناريوهات مختلفة لا يُمكن الجزمُ بتحقق واحدٍ منها.
هناك -أولاً- سيناريو الصراع والتنافس الذي نشهد ملامحه وبوادره اليوم، حيث تسعى قوة صاعدة هي الصين، إلى تحدي القوة المهيمنة، وهي الولايات المتحدة.. وبينهما قوة أخرى تعود لتفرض وجودها على الساحة الدولية هي روسيا… وكما نعرف من تاريخ العلاقات الدولية، فإن القوة المهيمنة تسعى دائماً إلى احتواء وتطويق القوة الصاعدة، وربما إعاقة صعودها.
إن الولايات المتحدة ما زالت تتمتع بالسبق، وبمسافة كبيرة، في مصادر القوة المختلفة.. العسكرية والاقتصادية والقوة الناعمة- أي القوة الثقافية وجاذبية النموذج.. ولا توجد دولة في العالم تُكافئ هذا المزيج المتنوع.. غير أن ثمة عاملاً مهماً في حسابات التوازن العالمي يتعين أن نلتفت له.. وهو إرادة استخدام القوة والاستعداد للقيام بدورٍ عالمي وتحمل تبعات وتكلفة هذا الدور.. وعلى سبيل المثال، فإن الولايات المتحدة شاركت في الحرب العالمية الأولى، بل وأسهمت في حسم نتيجتها… ولكنها ما لبثت أن انكفأت على نفسها بعد انتصار تيار الانعزال داخلها.. وهكذا لم يجد النظام العالمي قوة تحميه.. وسرعان ما تفككت عصبة الأمم، لتمهد الطريق إلى حرب عالمية جديدة.
اليوم، لا يسع المراقب سوى أن يرصد ملامحاً لهذا الميل الانعزالي لدى الولايات المتحدة.. وهو ميلٌ له قبول داخلي قوي في الولايات المتحدة عبَّر عنه “دونالد ترامب” في فترة رئاسته.. كما اكتسب تيار الانعزال أيضاً زخماً كبيراً بعد تجربتي تدخل فاشلتين في أفغانستان والعراق.. ولا شك أن القوى الصاعدة ترصد هذه النزعة الأمريكية لتجنب التورط العسكري.. كما تُدرك ما تمر به أمريكا والذي يمكن تسميته بـ “الإنهاك الاستراتيجي”.. ولا شك أيضاً في أن هذا هو ما شجع تلك القوى، وبخاصة الصين وروسيا، على كسب مساحات جديدة والتقدم خطوات في تحقيق أجندتها.
إن الصين لديها أجندة عالمية.. هذا ما تعكسه مبادرة الحزام والطريق.. وكذلك الخطاب الصيني العلني بالسعي إلى إعادة توحيد البلاد، أي استعادة تايوان.. وإن كانت الصين تُفضل أن تتحقق هذه الوحدة بطريقة سلمية، وليس باستخدام القوة… تريد الصين كذلك أن تُعامل باحترام يليق بقوة كبرى، ندٍ للولايات المتحدة.. كما ترفض أن يتدخل الغرب في شئونها الداخلية أو يوجه النقد لنظامها السياسي.. وأخيراً، هي ترغب في مواصلة الصعود الاقتصادي من دون أن تعمل الولايات المتحدة على تعطيل أو إعاقة هذا الصعود.. بتطويقها تكنولوجيا أو اقتصادياً.
أما روسيا، فتسعى كما عبر الرئيس “بوتين” في أكثر من مناسبة، إلى تصحيح “الكارثة الاستراتيجية” الأكبر في القرن العشرين.. أي تفكك الإمبراطورية السوفيتية.. وظهور الناتو على أعتاب روسيا، وفي جوارها القريب.. وقد أعلنت موسكو عن مطالبها بوضوح وتحدٍ غير مسبوق في أزمة الحشود على الحدود الأوكرانية كما تابعنا مؤخراً.. وهي الأزمة التي تعد -من وجهة نظري- أخطر تهديد تواجهه المنظومة الدولية منذ انتهاء الحرب الباردة.
السيدات والسادة..
إن هذه الحالة التنافسية، التي تلامس حد الصراع، بين القوى الكبرى، سوف تُلقي بظلالها على كافة مناطق العالم.. وستفرز قدراً هائلاً من انعدام اليقين في التفاعلات الدولية.. وهناك منطقتان على وجه الخصوص يُمكن اعتبارهما نقطتي احتكاك رئيسيتين في العالم: بحر الصين وشرق أوروبا.. في هاتين المنطقتين، تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على قوة الردع والدفاع .. فيما تهدف الصين وروسيا إلى تحدي الهيمنة الأمريكية والغربية على نحو غير مسبوق.. ولا ينبغي استبعاد أية احتمالات لتطور الموقف على هذين المسرحين الساخنين.. بما في ذلك احتمال اندلاع الصراع المسلح.