توركمان ترزي
(زمان التركية)-إن الوضع في أوكرانيا يثير قلق الكثيرين حول العالم فينما يتحدث زعماء الولايات المتحدة وأوروبا بحذر ضد روسيا التي ضمت شبه جزيرة القرم في عام 2014 وتزيد من انتشارها العسكري في المنطقة لغزو أوكرانيا بأكملها، تقوم الولايات المتحدة بتزويد كييف بالأسلحة والذخيرة ،لكن من جهة أخرى فإنألمانيا تمنع إستونيا حليفة الناتو من نقل أسلحة ألمانية المنشأ إلى أوكرانيا، كما تتجنب حكومة برلين استفزاز روسيا لأنها ملزمة بالتعاون الاقتصادي عبر خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الذي يمر عبر المياه الدنماركية إلى ألمانيا. لكن موقف تركيا العضو في الناتو التي تتمتع بعلاقة أفضل مع روسيا من الولايات المتحدة ودول أوروبية مختلف.
من جهة تدعم تركيا بشكل كامل كييف بطائرات تركية من طراز Bayraktar TB2 القتالية ضد موسكو، ولكن في الوقت نفسه عرضت تركيا مرارًا “الوساطة” بين موسكو وكييف، وبالطبع فإن هدف الرئيس رجب طيب أردوغان من ذلك هو استخدام أوكرانيا والاستفادة بأكبر قدر ممكن من الأزمة.
ولكن بالرجوع إلى العلاقات التركية الروسية نجد أن تركيا وروسيا طورت علاقة معقدة لمواصلة العلاقات التجارية على الرغم من الخلافات السياسية والعسكرية بينهما، حيث تمتلك أنقرة وموسكو مشاريع طاقة ضخمة مثل خط أنابيب ترك ستريم، وخط أنابيب غاز جديد للتصدير يمتد من روسيا إلى تركيايمر أسفل البحر الأسود، وكذلك بناء محطة أكويو للطاقة النووية في مقاطعة مرسين التركية، من ناحية أخرى عارض أردوغان بشدة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وحذر روسيا من غزو أوكرانيا.
وقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن القلق الرئيسي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يكمن في المساعدة العسكرية الأمريكية لأوكرانيا بل في تهديد الطائرات التركية بدون طيار في أوكرانيا، فقد حذرت روسيا تركيا خلال الأشهر القليلة الماضية من دعم أوكرانيا بطائرات بدون طيار، وقد صرح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف في ديسمبر / كانون الأول إنه بينما تتمتع تركيا وروسيا بعلاقة جيدة فإن الطائرات التركية بدون طيار في شرق أوكرانيا يمكن أن تزعزع استقرار الوضع في المنطقة، ورد وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو حينها على تحذير الكرملين بالقول إنه لا يمكن تحميل أنقرة اللوم على نشر أوكرانيا لهذا السلاح.
ووفقًا لتقرير نشرته مجلة نيوزويك، فقد ذكر بوتين خلال مكالمة مع أردوغان الشهر الماضي أن كييف واصلت جهودها لتخريب اتفاقيات مينسك مثل الأنشطة الاستفزازية للقوات المسلحة الأوكرانية في منطقة الصراع بما في ذلك استخدام بايراكتار وهجوم الطائرات بدون طيار .
إن الخلافات التركية الروسية لا تنحصر فقط إفي قضية أوكرانيابل تمتد إلى الأوضاع في ليبيا وسوريا حيث تدعم الدول أطرافًا مختلفة ومن المرجح أن تدفع أزمة كازاخستان الأخيرة تركيا وروسيا إلى مزيد من المواجهة في المنطقة وعلى الساحة الدولية، ولكن من الجدير بالذكر أن العلاقة بين تركيا وروسيا تعززت بشكل مثير للاهتمام بعد أن أسقطت مقاتلة تركية من طراز F-16 طائرة حربية روسية في منطقة الحدود التركية السورية في 25 أكتوبر 2015 حيث زعمت تركيا حينها أن الطائرة الروسية انتهكت المجال الجوي التركي لمدة 17 ثانية ، وكان إسقاط تركيا لطائرة Su-24 الروسية أول مرة تسقط فيها طائرة تابعة لحلف شمال الأطلسي طائرة روسية منذ أكثر من 63 عامًا، وقد هدد بوتين تركيا في البداية لكن حدة التوتر خفت بسرعة بعد اعتذار من أردوغان وقد كان العامل الرئيسي وراء السلام بين أردوغان وبوتين هو وساطة رئيس كازاخستان السابق نور سلطان نزارباييف، وقد كان نزارباييف عضو سابق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي ولهعلاقة قوية مع بوتين، لكن اليوم نزارباييف لم يعد في السلطة، وأثناء أزمة كازخستان الأخيرة دعا الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف منظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة روسيا للمساعدة في السيطرة على المتظاهرين في الأسبوع الأول من شهر يناير، و لم يدع توكاييف منظمة الدول التركية التي كانت تُعرف سابقًا باسم المجلس التركي وهي منظمة دولية اقترحها نزارباييف لأول مرة في عام 2006 وتم إطلاقها في عام 2009، حيث فضل توكاييف روسيا على تركيا وداخليا كان يطرد أنصار نزارباييف من المناصب الرئيسية، وبالطبع فإن الدافع وراء تدخل تركيا في كازاخستان يختلف عن الدافع وراءمحاولتها للتدخل كوسيط في أوكرانيا، فبينما يسعى أردوغان إلى تحقيق الوحدة التركية مع حليفه الانتخابي زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي، وقد علّق الصحفي التركي البارز جنكيز تشاندارلي في مقال نشره موقع المونيتور في 12 يناير / كانون الثاني قائلاً إن تركيافقدت مسار التطورات في كازاخستان لأن توكاييف فضل الكتلة العسكرية بقيادة روسيا وأن الأزمة تمثل هزيمة للقومية التركية في الخارج.
لكن بالعود إلى أوكرانيا فقد صرح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين يوم الثلاثاء أن أردوغان سيتوجه إلى كييف “في غضون أسبوعين” في محاولة لتخفيف التوتر مع روسيا، ولكن على الرغم من جهود أنقرة من أجل “السلام” لكن يرفض الكرملين عروض أردوغان للوساطة بسبب بيع تركيا طائرات بدون طيار إلى أوكرانيا.
انضمت تركيا إلى الناتو في عام 1952 وهي حاليًا موطن لثاني أكبر جيش في الناتو ومع ذلك لم تشارك الدولة في أي حروب كاملة منذ إنشائها في عام 1923، ولكن حكومة أردوغان اليوم تدعم العديد من الجماعات الجهادية في سوريا والعراق وليبيا وذلك منذ عام 2011 كما بدأت القوات المسلحة التركية في التدخل العسكري المباشر في سوريا عام 2016، كما تم استخدام الطائرات التركية بدون طيار بشكل نشط مؤخرًا ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد، والجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، والقوات الأرمينية في ناغورنو كاراباخ ،وقد ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأسبوع الماضي أن الحكومة الإثيوبية استخدمت طائرات تركية بدون طيار لتدمير المتمردين في تيغراي، وفي نفس السياق زعمت الحكومة الأوكرانية الأسبوع الماضي أنها دمرت مدفع هاوتزر D-30 الذي يستخدمه الانفصاليون المدعومون من روسيا في منطقة دونباس الشرقية.
ورغم أن أردوغان يدرك جيدًا أنه يلعب بالنار في أوكرانيا لكن عائلته تستفيد بشكل مباشر من مبيعات الطائرات بدون طيار منذ أن قام صهره سلجوق بايراكتار بإنتاج الطائرات بدون طيار، ويبدو أن طائرات Bayraktar بدون طيار أصبحت أداة جديدة للقوات التركية في تنفيذ هجمات عسكرية سريعة في أجزاء كثيرة من العالم.