ماهر المهدي
(زمان التركية)-ليس الجنون فنونا كما يقولون – من الناحية العلمية – ولكنه في الحقيقة يتعلق – بشكل مبسط ووفقا للمراجع الطبية – بذهاب العقل أو حدوث خلل ببنيانه أو بوظائفه ، بحيث يفقد الإنسان كلا من القدرة على التمييز والقدرة على التحكم في الارادة ، بشكل كلى أو جزئي دائم أو مؤقت . فالجنون – بمعناه العلمي – مرض عقلى اذا . أما القمار أو الميسر ، فهو يتعلق بألعاب الحظ وارتباط الخسارة والمكسب المادي بذلك الحظ . فالمجنون اذا ليس رجلا مقامرا ، ولكنه إنسان مريض لا يسأل عن أفعاله ، والله الشافي . أما المقامر والمغامر ، فهو رجل يعنى ما ينفع وما يضر ويقدم على المغامرة والمقامرة باختياره وعلى مسؤوليته الخاصة في كل الأحول ، خلاصا من موقف ما – مثلا – أو طلبا للاثارة .
قد تختلط الأمور – أحيانا – بين البطولة والمقامرة أو المغامرة ، اذا ما لجأ المرء إلى خيارات تجانب – في ظاهرها – الصواب من الحسابات وتخالف المنطق والمعقول الى الغريب والخطير من الأمور ، بحيث قد يصعب على غير المختصين وعلى بعض المختصين والمطلعين على بواطن الأمور أيضا – أحيانا – الحكم على التصرف أو التصرفات محل النظر والقطع بماهيتها . وللمغامر والمقامر – في الحالة الأخيرة – أن ينعم بكون الشك في صالحه ، وحتى تتضح الأمور ، أو يتوصل الى قرار أصلح وأنسب بنفسه ، أو يجد جديد مما يصرف الأنظار الى قضية أو وضع آخر . وبالتالى ، يبقى هذا الشك مكسبا وملاذا آمن وجيدا ولو وسمه التأقيت . لذلك ، ربما تبقى مثل هذه الخيارات الحائرة بين البطولة والمقامرة والمغامرة وسيلة في أيدى بعض الحاذقين من الساسة الواثقين في أنفسهم وفي قدراتهم وفي مؤازرة معاونيهم وأتباعهم وفي محبة الناس وتقديرهم لهؤلاء الساسة . ففي حسبة هولاء الساسة ، يظل الفوز حليفهم دائما وغالبا ، الا قليلا . ومحبة الناس وتقديرهم لهولاء الساسة قد يتكفلان بمحو هذا القليل من هزيمة أو خسارة الساسة المغامرين المقامرين عند الضرورة . والواقع أن الحياة قد تحكم – أحيانا – على متخذ القرار بالسير في طريق لا يعلم مآله ولا منتهاه ، لينقذ أمرا حاليا ويشترى بعض الوقت للتفكر والتدبر والبحث عن المعلومة السليمة الملائمة للقرار الناجع . فاذا كان الجنون بمعناه العلمي مرضا ، فهو ليس مما قد توصف به قرارات وآراء الساسة أو القادة . ولكن الجنون – بمعناه الدارج عند العامة – والراسي على خروج الرأى أو القرار أو التصرف عما ألفه الناس واعتادوه وجنوحه عما يتصوره عامة الناس من حلول وتوجهات فهذا وارد ، بل وأمر طبيعي . نعم من الطبيعي أن تبدو – أحيانا – بعض آراء القائد نوعا من “الجنون ” ، لاختلاف مقعد الحاكم عن المحكوم ، واختلاف النظر ، واختلاف حجم المسؤوليات وضغوط العمل والحياة ، واختلاف المخاوف والأهداف في الحالين ، وتباين البصيرة والقدرة على قراءة الماضي والحاضر والمستقبل والقدرة على الحكم على الذات . ويبقى الزمن هو الحكم والفيصل في البت فيما جاء به القائد من رأى وما فعله أو عمله من تصرف .