انقرة (زمان التركية) أكدت الخبيرة الاقتصادية سبنيم كاليملي أوزكان، مستشار السياسة المالية السابق في صندوق النقد الدولي وأستاذ الاقتصاد في جامعة ميريلاند، أن السياسة النقدية التي تتبعها تركيا في مواجهة التضخم النقدي ستبوء بالفشل.
في مقال بصحيفة “ذي جوردن توداي” ذكرت سبنيم كاليملي أسباب الفشل الذي ستبوء به تلك السياسة النقدية في نهاية الأمر ووجهت نصيحتها إلى القائمين على السياسة المالية التركية باتباع منهج أكثر موثوقية لمواجهة التضخم الذي يتزايد في البلاد بصورة متسارعة.
وإليكم نص مقال الدكتورة والخبيرة الاقتصادية سبنيم كاليملي أوزكان، التي حاولت من خلاله شرح السياسية المالية غير الكلاسيكية التي يحاول الرئيس رجب طيب أردوغان تطبيقها:
السياسة النقدية في معظم الاقتصادات اليوم ترتكز على هدف تضخم صريح لأن استهداف استقرار الأسعار قد خدم البلدان المتقدمة والأسواق الناشئة بشكل جيد، إلى أن بدأت الاضطرابات المرتبطة بظهور وباء كورونا وهو ما أثر على أسواق العمل وأدى إلى النمو السريع للأسعار. لقد كان لدى الاقتصادي الأمريكي إيرفينغ فيشر في القرن العشرين إجابة واضحة وهي أن العقيدة الاقتصادية التي يجب على محافظي البنوك المركزية اتباعها عندما يتجاوز التضخم هدف صانعي السياسة هي زيادة أسعار الفائدة الإسمية، فرفع أسعار الفائدة يقلل الاقتراض والإنفاق ويهدئ الاقتصاد ويحد من التضخم.
إلا أن فيشر كان له رأي أخر حيث جادل بأنه عندما يكون التضخم منخفضًا للغاية، يجب على البنوك المركزية رفع أهدافها لأسعار الفائدة الإسمية، حيث أكد أن هناك علاقة إيجابية بين معدلات الفائدة الاسمية والتضخم، وقد عرف هذا التأثير باسم تأثير فيشر، ويستخدم علماء الاقتصاد الكلي الحديث السببية على أنها الانتقال من التضخم إلى أسعار الفائدة الإسمية ويمكن رؤية ذلك في البيانات الاقتصادية.
لكن بالعودة إلى تركيا فتعد تركيا هي الدولة الأولى التي وضعت نظرية فيشر على المحك، لكن مع تطور مهم حيث يعتقد المسؤولون الأتراك أن أسعار الفائدة المرتفعة تسبب التضخم لذلك يزعمون أن هناك علاقة سببية في الاتجاه الآخر، وتقول الحكومة التركية إن خفض أسعار الفائدة يجب أن يحد من التضخم. فكما جادل فيشر فإن سعر الفائدة الإسمي هو مجموع سعر الفائدة الحقيقي والتضخم المستقبلي، و إذا كان سعر الفائدة الحقيقي ثابتًا ،فإن التأثير الوحيد طويل الأجل لخفض سعر الفائدة الإسمي سيكون تضخمًا أقل لأن أي تأثير على سعر الفائدة الحقيقي من خفض سعر الفائدة الإسمي سيختفي على المدى الطويل.
ولكن على المدى القصير ، فإن هذا الحياد النقدي غائب في تركيا لذا فإن انخفاض سعر الفائدة الاسمي يقلل أيضًا من سعر الفائدة الحقيقي، وهذا يضر بالمدخرين المحليين والأجانب ،على السواء وهي ما تعد مشكلة كبيرة لبلد مثل تركيا حيث تعاني الدولة من عجز مستمر في الحساب الجاري لتمويل نموها الاقتصادي.
ومع اعتبار حقيقة أن سعر الفائدة الحقيقي حاليًا سلبيًا، فإن تجربة نظرية فيشرستجعل مشكلة التضخم في تركيا أسوأ، فالدولة التي تحتاج إلى مدخرات محلية وأجنبية لتمويل النمو السريع لا يمكنها أن تقدم لهؤلاء المدخرين عوائد سلبية، ولقد أعلنت الحكومة مؤخرا عن
سياسة نقدية جديدة لتشجيع الادخار المحلي المستمر، ومفاد تلك السياسة النقدية هي أنه إذا تجاوز انخفاض الليرة مقابل العملات
الرئيسية معدلات الفائدة على الودائع قصيرة الأجل للبنوك فإن الحكومة ستدفع الفرق لحاملي الودائع بالليرة، فعلى سبيل المثال ،
إذا دفعت البنوك 15 في المائة على ودائع بالليرة لمدة 12 شهرًا ،وانخفضت قيمة الليرة بنسبة 20 في المائة خلال هذه الفترة ،فإن الخزانة ستجعل الوديعة كاملة.
وفي حين أن هذه السياسة قد تحمي المدخرين المحليين وتمنعهم من التخلي عن الليرة، فإنها لا تفعل شيئًا لتشجيع المدخرين الأجانب الأمر الذي سيؤدي إلى نقص أو توقف التدفق الناتج من رأس المال الأجنبي، والذي سيؤدي إلى تسريع انخفاض قيمة الليرة وزيادة التضخم، ولأن السياسة تضع مخاطر العملة بالكامل على الحكومة فإنها ستضعف المالية العامة للدولة وقد تؤدي في النهاية إلى تسييل الديون.
والسؤال الحقيقي هو : لماذا تضع الحكومة بديلاً أكثر تكلفة لسياسة نقدية أكثر تشددًا؟ الجواب مباشر هو أن نموذج النمو التركي قصير المدى يعتمد على الائتمان، الأمر الذي يتطلب أن يكون المقترضون المحليون قادرين على الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة. لكن دور تدفقات رأس المال الأجنبي في معدلات الإقراض المحلية تلك يكشف عن العيب الفادح لهذا النموذج، فإذا كان لدى بلد ما احتياجات تمويلية خارجية وقام بتمويل نموه بالمدخرات الأجنبية ،فإن تدفقات رأس المال تعد عاملاً محددًا أكثر أهمية لمعدلات الإقراض المحلي قصير الأجل من معدل السياسة النقدية وهي ظاهرة تُعرف باسم “انقطاع الاتصال قصير المدى” وذلك لأن البنوك المحلية تعتمد على الأسواق المالية الدولية لتمويل نفسها، وبالنسبة للأجانب الذين يقرضون هذه البنوك فيجب ألا يكون هناك أي فرق بين أسعار الودائع بالليرة ومعدلات الودائع بالدولار بمجرد تعديلها وفقًا للانخفاض المتوقع هذا ليس صحيحا في الحالة التركية.
فالواقع أنه إذا أقرضت المؤسسات الأجنبية الليرة فإنها تفرض علاوة مخاطر وقد زادت الآن بسبب الانخفاض الهائل في سعر الصرف، وإذا أقرضوا بالدولار فإنهم يتقاضون علاوة على مخاطر التخلف عن السداد والتي نمت أيضًا. وتعتبر فروق أسعار مقايضة التخلف عن السداد التركية التي سجلت ارتفاعاً قياسياً مثالاً جيدًا على ذلك. والمحصلة النهائية هي أنه مع تخلي المستثمرين الأجانب عن الأسواق التركية أو فرض أقساط مخاطر أعلى للبقاء سيزداد كل من انخفاض قيمة العملة والتضخم.
للدفاع عن الليرة وإنعاش تدفقات رأس المال يجب أن يتم استهداف التضخم بالشكل الصحيح فإذا تجاوز التضخم الهدف الرسمي يجب زيادة أسعار الفائدة الاسمية لتهدئة الاقتصاد واستقرار الأسعار فمن غير الممكن للاقتصاد الصغير المفتوح الذي يمول نموه بالمدخرات الأجنبية أن يحارب التضخم ووقف انخفاض قيمة العملة بدون سياسة نقدية موثوقة، فنموذج فيشر هنا لا يمكن أن يستخدم كبديل.