بقلم: محمد أمين المصري
القاهرة (زمان التركية) – من الأنانية الأمريكية واستئثار الأمريكيين – في رواية “السيد آدم” – بصحة “آدم” وقدراته، ورفضهم التعاون مع بقية دول العالم ومشاركتهم قوته، كان هذا هو الحال في عصر “كورونا” الذي اقتحم حياتنا.
فقد شعرنا بالنعرة ذاتها، فالصين تمتنع عن إبلاغ منظمة الصحة العالمية بمضاداتها الحيوية لعلاج مصابيها لتكون أول دولة تعلن تعافيها من الوباء، وتقرر إلغاء الحظر على مدينة “ووهان”، مصدر الفيروس، حتى وإن عادت تعاني من المتحورين “دلتا وأوميكرون” لاحقا.
وبرغم مناشدة دول العالم الكبري الصين مشاركتها في أبحاثها العلمية، كانت “النعرة” هي العنوان الأبرز، مثلما كان الحال بالنسبة لبعض الدول عندما نادي مواطنوها بعزل المقيمين والأجانب في أماكن خاصة بزعم أنهم سبب البلاء، لتكشف الإنسانية العالمية عن أنانية مفرطة تجاه الآخر، وتمييز عنصري وعرقي بغيضين بحقه.
فصاحب الأرض يدعو إلى طرد الوافد، والغني يسحق الفقير، ويسبقه إلى المستشفى لتلقي العلاج.. هكذا كان وجه “كورونا” القبيح في بدايات انتشار الفيروس، مثلما كان وجه الجمعية العلمية لصاحبها الدكتور “بوت” وابنته الممثلة “كاتي رايدل”، حين أرادت الاستئثار بخصوبة “آدم” دون غيرها من البشر بحجة إنتاج مجتمع علمي راق.
وكذلك، لم تخف عضو الكونجرس “سمنر فاي نوت” أنانيتها برغبتها في أن تكون أول امرأة يتم تخصيبها بالتلقيح الصناعي، لتصبح نموذجًا لعالم النخبة السياسية الأناني في الولايات المتحدة.
لقد كشف “كورونا” عن عقول مظلمة، وتجرؤ بعضنا على بني جنسنا، كما تجرأ على الطبيعة. وكما طالب بعض العلماء الأمريكيين – في الرواية – بحظر تخصيب السود، بهدف القضاء عليهم، والاكتفاء بالجنس الأبيض، جاء فيروس “كورونا” لنشاهد مطالبة البعض بعدم تقديم العلاج لكبار السن، وكان على رأس المطالبين الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب نفسه، وازدادت قسوته بطلبه الاهتمام فقط بفئة الشباب!..حتى وقع هو نفسه أسيرا لسطوة الفيروس.
وللأسف، لم نجد من هؤلاء من يحاول أن يستر عورته أو حتى يتراجع عن مواقفه غير الإنسانية، لتعلن المحنة تخلي كثيرين منا عن المبادئ.
هذه النعرة تدفعنا إلى التساؤل: “كيف نتعايش معًا تحت سماء وطن واحد أو عالم يدعي (العولمة)، وأنه أصبح قرية صغيرة بفعل وسائل الاتصال وثورة التواصل الاجتماعي؟، بينما هزم “كورونا” ومن قبله (هومر آدم) فكرة (العولمة) التي لم تلغ الفروقات والعنصرية التي استنها الإنسان، لينتصر في النهاية التمييز العنصري على (العولمة” التي قيل إنها قضت على الفروقات والتمييز بين الأجناس والبشر والأعراق والأديان والألوان؟”.
وهكذا، صور العلماء والأطباء والحكومات الوضع في زمن “كورونا”، فمشكلة المناصرين لفكرة “العولمة” أنهم لم يقرأوا التاريخ، ولم يستعدوا للحاضر، بل يفتقرون إلى رؤية ثاقبة للمستقبل، وذلك برغم آلاف الكتب والأبحاث التي أُلفت عن العولمة وفوائدها للبشرية والإنسانية، وهي بعيدة كل البعد عن مصلحة الإنسان، وتعظيم قيم الإنسانية الحقة التي تبنتها الأديان والفلسفات الوضعية.
إن واقع التساؤل يقول إنه لا جواب، فقد غابت الإنسانية، وتم تهميشها لصالح النُخب: رأسمالية، وعلمية، وبشرية.
فمع كل نكبة يمر بها العالم، تعود النُخب والمتمسكون بالقوميات والهويات بتعدد أشكالها، لتلغي مفهوم ومنطق الإنسانية من أفكار نبيلة وقيم جميلة إلى واقع شرير، لتحل بدلًا منها، التمايزات الإنسانية، مثل العرق والتاريخ والمكانة الاجتماعية ودرجة الغنى والفقر، لنصل إلى التمايز الأصعب، الذي يتعلق باللون والدين والمذهب، ليعود العالم إلى سيرته الأولى، إلى عالم الظلمات.
فهذا العالم صدَّر مقولاته عن الديمقراطية لتثير في الشعوب العطشى إلى الحرية غريزة التحرر من القمع والظلم، ولكن بمجرد أن تثور الدول الفقيرة على آفتي القمع والظلم، سرعان ما يتراجع العالم عن نجدتها، أو الوقوف إلى جانبها، أو حصولها على حرياتها، بل نجد هذا العالم “المتوحش” المسمي بـ”المتحضر” ينأي بعيدا بنفسه عن مشاهد البؤس البشري؛ مكتفيا بالمشاهدة من بعيد.
في هذا الصدد، طالعنا شعارا رفعه الأمريكيون السود بعد مقتل “جورج فلويد”، المواطن الأسود من جذور إفريقية، هو: “ارفع قدمك عني.. أريد أن أتنفس”، فهذا التمييز يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي أنها “قلعة الديمقراطية وحقوق الإنسان”.. وحتى الولايات المتحدة، ورغم كونها دولة ديمقراطية، فقد أثبتت وقت جائحة “كورونا” أنها عبارة عن دولتين، الأولى للبيض، والأخرى للسود، أو هكذا تصورناها خلال أزمة مقتل “فلويد”، فقد ظلت الدولتان الافتراضيتان تتصارعان في حلقة مفرغة دون أمل في التوصل لحل، خاصة في ظل عنف الشرطة الذي يغذي ثقافة التفوق العرقي، في وقت فشلت فيه الطبقة السياسية – بأطيافها كافة – في تغيير هذه الثقافة.
فقد تجاهل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغبات المشاركين في الاحتجاجات من السود والبيض الذين تظاهروا من أجل مراجعة الجذور المريضة التي نشأت فيها العنصرية، بهدف اجتثاث من زرعها من التاريخ الأمريكي. فالمحتجون رغبوا في اجتثاث ذكري من أنشأوا العبودية وتشبثوا بها وحاربوا دفاعا عنها. ورفض ترامب – رغم الأزمة – إزالة أسماء القادة مؤيدي العبودية من القواعد العسكرية الأمريكية، في حين أن البعض تصور أو توقع أن تراجع أمريكا ماضيها البغيض في عدم المساواة العرقية برغم أن وفاة “فلويد” وفرت حافزا قويا للقيام بمثل هذه المراجعة التي تزامنت مع أزمة “كورونا”، ومطالبة ترامب بعدم علاج كبار السن والاكتفاء بمعالجة الشباب. ولم يكن ترامب بمفرده في خانة الدفاع عن التاريخ العنصري لبلاده، حيث شاركه اليمين المحافظ أيضا نفس رؤيته.
الاقتصاد يتشابه في محنتي “آدم” و”كورونا”
يبدو أن أوجه الحياة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، لا تختلف على مر العصور، فالمشكلات واحدة وإن اختلف الداء، ففي عصر “هومر آدم”، واجهت شركات التأمين مشكلة كبيرة هي انصراف الناس عن شراء بوالص التأمين بعد أن فقدوا أملهم في إنجاب ذرية تخلفهم، مما تسبب في كساد ضخم وفصل لآلاف الموظفين ثم إفلاس الشركات ذاتها.
وطبقًا للرواية: طلب رئيس مجلس التأمين القومي أن تشتري كل امرأة بوليصة تأمين قبل السماح لها بالتلقيح الصناعي من “آدم”، مؤكدًا أنه على كل أسرة سبق لها أن طلبت الحصول على نطفة من نطف “آدم” أن تحصل على عقد من شركات التأمين أيا كانت نتيجة هذا اللقاح، وبهذا حاولت شركات التأمين تجنب أزمة التعرض للإفلاس.
كما أرسلت الغرفة التجارية الأمريكية برقية تستحث فيها مؤسسة إعادة الإخصاب لتصدر نشرة رسمية فيها الضمانات المقررة التي تبعث في نفوس الناس روح التفاؤل والاطمئنان على صحة “آدم” وسلامته ورفاهيته، ضد نشر الشائعات عن مرضه أو حدوث خلافات في المؤسسة القومية لإعادة الإخصاب، محذرة من أن “آدم” ليست لديه القدرات الكافية للإخصاب الصناعي، وبالتالي ستتضاءل الضمانات المالية، وتهبط وتنهار.
رأت الغرفة أن مثل هذه الضمانات تستهدف بث روح الأمل والتفاؤل لدى الشعب. ومن جهته، طلب اتحاد العمال والاتحاد النسائي السماح لأعضائه من النساء بأن يكون لهن نصيب وافر في التلقيح الصناعي حتى لا يغدو العالم فقط للرأسماليين.
كما تضاعف الجدل بين الاقتصاديين ورجال الأعمال في الولايات المتحدة الأمريكية- وقت “آدم” – حول جدوى التفكير في المستقبل، وتنمية الاقتصاد، وكان التساؤل الرئيس: “لماذا نبني مساكن طالما أنه لن يكون هناك سكان لها؟”، فالناس تبني المنازل لأولادها. وعندما ينجبون أطفالًا يغريهم هذا بالبناء، لكن إذا تلاشي أمل التناسل، فلماذا يبنون البيوت بعد أن أجدبوا وأصيبوا بالعقم؟
وتساءل الأمريكيون – أيضًا – فيما بينهم: “لماذا نستثمر أموالنا في العقارات طالما أنها ستبقى خاوية ومهجورة لا تأوي إليها سوى الطيور والجرذان أو بعض العجائز؟”.
فقد غدت الاستثمارات في مجال العقار لا جدوى منها.
وثمة مقاربة بين العصرين – “آدم” و”كورونا” – ففي العصر الأول، تهاوى الاقتصاد في الولايات المتحدة، وتراجعت تعاملات شركات التأمين، وكمثال صارخ على الكساد الاقتصادي وقتها تراجعت صناعة لعب الأطفال، “فلماذا يتم إنتاجها طالما أنه لن يوجد هناك من سيلعب بها”.
كذلك الحال في عصر “كورونا”، إذ كان من بين توقعات البنك الدولي سقوط مائة مليون شخص في الفقر المدقع بسبب الفيروس، كما أن الوباء ضاعف من فقر الدول الفقيرة بسبب الإغلاق الاقتصادي الذي فرضته كل دول العالم مما تسبب في زيادة نسبة البطالة، وتضييق سبل العيش، وتراجع سبل الضمان الاجتماعي.
ويكفي تقرير منظمة العمل الدولية الذي كشف أن 60 % من العمال في العالم يعملون في قطاعات غير رسمية، أي أن نحو مليارين من عمال المعمورة لا يتمتعون بعقود عمل، ولا ضمانات صحية واجتماعية تحميهم.
من جهته، طالب صندوق النقد الدولي كل الدول والحكومات أن تهب لنجدة الأفراد والشركات الأكثر تضررًا بمساعدات وإعانات وبرامج إنقاذ. وكشف ديفيد بيزلي مدير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في خطابه خلال حفل 2021 لتوزيع جوائز نوبل بأوسلو، أن السكان الفقراء في العالم خسروا نحو 3,7 تريليون دولار من الدخل نتيجة الأزمة الاقتصادية الناجمة عن “كورونا”، ووصف الفجوة بين الأغنياء والفقراء بأنها من كبرى مشكلات العصر الحديث التي تفاقمت بسبب الوباء.
وكان صندوق النقد الدولي قد قدر في وقت سابق حاجة الدول النامية إلى 2.5 تريليون دولار لتجاوز أزمة “كورونا” الاقتصادية، برغم أن كل هذه الدول ترزح تحت أعباء ديون ضخمة.
كما سببت الأزمة نفسها تمييزا بين المدن الغنية والفقيرة في أوروبا، فكانت الإصابة والوفيات الأكبر من نصيب الفقراء مقارنة بالمواقع الغنية. وحتى محاولات إنتاج لقاح ضد “كورونا” ومتحوراته، خضعت هي الأخرى للفقر والغني، فالدول الغنية هي التي بادرت بالبحث في معاملها عن اللقاح فيما انتظرت الدول الفقيرة ما سيجود به الأغنياء. وكانت الأزمة على أشدها بين الولايات المتحدة والصين، وتأكد للجميع أن كل طرف يعمل بدون التعاون مع الآخر، كأن المنتج سلاح نووي، وليس دواءً لينقذ شعوب العالم من فيروس عضال.
وكما قسمت قصة “السيد آدم” العالم الي عالمين، ما قبل إصابة الرجال بالعقم ثم معاناة الجميع بسبب الانفجار الذري..رسمت جائحة “كورونا” خطا فاصلا بين عالمين، وإن كان خطأ رمزيا، فكل دولة أفرطت في عزلتها وفرض إغلاق كامل لحدودها، برا وجوا وبحرا. ومع ذلك، لم يتوقف الفيروس حتى كادت بعض الدول لا تجد ما تأكله، حيث كان شعار المرحلة هو “البقاء في المنزل”، فكانت العزلة هي الدواء من الداء الذي أًصبح عدوا مشتركا للبشرية جمعاء وذلك وفقا لوصف الأمين العام للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لفيروس كورونا.
ازدهار صناعة دفن الموتى
أخيرًا، ثمة تشابه كبير بين قصة “السيد آدم” وما يحدث في عصر “كورونا”، فالقصة تقول إن كل البشر – في العصر الأول – كانوا يفكرون في أن الجنس البشري يتجه إلى الانقراض، فأصبح العمل الوحيد الذي يزدهر ويبشر بمستقبل طيب هو دفن الموتى، وهو الأمر نفسه عندما أفزع العلماء البشر بدنو آجالهم بسبب “كوفيد 19” القاتل.
ولم تكف الدراما العالمية – أدب وسينما ومسرح وخلافه – عن تصدير فكرة العدمية، سواء بدأ هذا الموت بعقم الرجال لينتهي تناسل البشر في “السيد آدم”، أو عبر فيروس فتاك مثل “كورونا”، أو وباء قاتل في “The Seventh Seal“.
ومثلما رأي الأمريكيون وكل سكان الأرض نهاية العالم بفناء الجنس البشري الناجم عن إصابة الرجال بالعقم، كان الحال نفسه عندما أقدم سكان منطقة أمريكية على الانتحار في مقدمة لفناء العالم كله وتلاشي البشر.
هكذا اعتمدت فكرة فيلم “صندوق الطيور” عندما هاجمت تلك المنطقة كائنات غامضة غير مرئية واجتاحت الأرض، وبمجرد أن تصطدم بالناس في الشوارع تدفعهم إلى الانتحار فورا بدون تفكير، ليموت معظم من يعيشون في تلك المنطقة بعد أن يروا أوهاما لا يراها سواهم. فالموت انتحارا، بات أمرا طوعيا ولا يقف أمام هذه الرغبة صيت ولا جاه، فالكل سواسية أمام الانتحار، لتكون نهاية العالم ماثلة أمام الجميع. فالكائنات الغريبة أنهت جبروت الأرض ومن عليها حتى إنها سلبتهم أرواحهم وتفكيرهم قبل موتهم ليفرغ العالم من ساكنيه اللهم سوي الطيور، فقد شاء الله سبحانه ألا تتأثر بعدوي هذه الكائنات، ولهذا السبب احتفظت بطلة الفيلم بصندوق به طير لتدرك مصدر الأمان لها.
تنحصر فكرة “صندوق الطيور” بطولة ساندرا بولوك (مالوري) التي يكتب لها النجاة بعد أحداث عدة، أهمها التوصل هي ومجموعة معها إلى ضرورة عدم رؤية أي مصاب بالمرض الغامض الناجم عن رؤية تلك الكائنات أو التعرض لها، ولكن لغرض درامي يتعرض أفراد المجموعة فرادى لمصابين بالمرض لينتحروا جميعا باستثناء البطلة، ومعها طفلها وابنة صديقة لها تعهدت لها قبل وفاتها بتربيته، لتكون مسئولة عن طفلين لمدة خمس سنوات هي فترة الحياة في الشريط السينمائي، وعاش ثلاثتهم معصوبي الأعين لكي لا يروا أشخاصا موسومين بالمرض الانتحاري، ليضطروا بعد أحداث وحبكة درامية إلى الوصول إلى بر الأمان عابرين نهر مليء بالانحناءات والمنحدرات بعد رحلة مرهقة وعصيبة لمدة 50 ساعة تقريبا.
بر الأمان هنا عبارة عن مكان مأهول يضم بعض السكان الناجين من وباء الانتحار الناجم عن رؤية الكائنات الغربية. وتتقارب الرؤية هنا مع منقذ الرجال من عقمهم – في قصة “السيد آدم” – عبر عشب بحري توصل إليه طبيب وزوجته صدفة، تتلقى “مالوري” مكالمة تليفونية من مجموعة آمنة تعلم منها أن أفرادها يعيشون في مكان آمن من هذه الكائنات لتكتب لها وللطفلين النجاة.
أراد مخرج الفيلم أن يصور المنزل الذي احتمت به مالوري والطفلان والمجموعة قبل وفاتهم، أو انتحارهم – بإستثناء مالوري وطفليها – على أنه “سفينة نوح”، إذ ضم كل من لديه أمل في النجاة من الوباء الذي ضرب مدينتهم. ولكن “مالوري” هي التي تستطيع في نهاية المطاف حماية نفسها وأطفالها نظرا لشخصيتها الواثقة في نفسها لتتحمل المسئولية بقوة بعدما أدركت أن نعمة البصر قد أصبحت نقمة وليس نعمة، فالمبصر هنا ينتحر ويلقى حتفه مباشرة، ولهذا عاشت والطفلان معصوبي الأعين.
النهايات السعيدة
هنا نرى الوضع مشابها لعصور وباء الطاعون وقصة “هومر آدم” وفيروس “كورونا”، فالموت واحد وإن تعددت الأسباب، فمن عقم الرجال، الي فيروس لا يرحم من يغزو رئتيه، إلى كائنات غامضة تدفع من يبصرها إلى الانتحار فورا، ما يعني أن الإنسان مجرد كائن ضعيف، لا يستطيع مجابهة كائنات اقتحمت عليه حياته أو فيروسات تقتله، حتى ولو بعد حين أو عقم ناتج عن ثورة علمية. فالشرور واحدة وكذلك النتيجة.
ولكن رغم كل هذه السوداوية في الطرح الأدبي، نأتي للنهاية السعيدة، وتتمثل في اكتشاف أعشاب بحرية لعلاج الرجال من العقم، والتوصل إلى لقاحات عدة لعلاج “كورونا”، ونجاة طفلين ووالدتهما من مأساة فيروس الانتحار الجماعي، وأخيرا استمرار المهرج في “The Seventh Seal” في إلقاء أبياته الشعرية، بينما تواصل زوجته الغناء ومداعبة طفل المستقبل.. فهكذا هي الحياة في تاريخ البشرية، نمر بصعاب جمة ثم يأتي الضوء في آخر النفق لتستمر الحياة.
وهكذا صار الحال وقت انتشار فيروس “كورونا”، إذ أصبح الشغل الشاغل للكثير من البشر هو “الإطلاع على حجم الإصابات والوفيات يوميًا، وإحصاؤها عددًا”.. قال تعالى: “لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ”. (الروم: 4).
ما بين الخيال والواقع، تذهب العقول إلي فكرة أن يفني العالم بكل ما فيه، بشر وحياة، لتفرغ الأرض من ساكنيها بفعل سبب ما – يختلف في السيد آدم عن “صندوق الطيور”، وكذلك “الختم السابع” حتى نصل إلى عصر “كورونا”- بيد أن النتيجة النهائية، وهذا من عناصر الدراما الإغريقية، أن يتغلب الأمل على اليأس لتكون الفجيعة مجرد ذكرى من الماضي، فتستمر الحياة ويحيا البشر إلى يوم الدين. فمهما احتوت الدراما أفكارا عن الحياة ونهايتها في مواجهة فجيعة أو وباء ألم بالعالم، نري الأمل صامدا في النهاية مهما شطح خيال المؤلفين والكتاب ليستقوا من ذاكرة التاريخ ما عانته البشرية على مر الزمن من أوبئة ومجاعات ومصائب، فيأتي النور في آخر جحور الظلام..هذا بالرغم من رغبات ونزوات قادة الدول الكبرى بإهلاك بقية الشعوب والإبقاء فقط علي قومياتهم وبلدانهم علي قيد الحياة، فالروس ينظرون الى أمريكا وأوروبا على أنهم قوة مضادة لهم في المصالح والأهداف، أي قوى معادية تسعى لتدمير روسيا وقوميتها وتاريخها، وبالتالي فإن المطلوب هو سحق هذه القوى المعادية تدريجيا، ليبني بوتين بعد انتصاره في حروبه مع الغرب نظاما عالميا جديدا ليتم تخليد اسمه الى جوار بقية أشهر قياصرة بلاده.