السفير ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية) – البعض لا يقضي وقتا كافيا في معرفة ما يريد وهو يتبع أحلام آخربن ويردد امنياتهم للحاضر والمستقبل – بديلا عن امنياته الشخصية المحببة إليه – وذلك ارضاء للذوق المحيط به في عائلته أو قريته مثلا أو في زمن معين ، أو رغبة في الاحتذاء ببطل سينمائي أو قدوة شخصية محببة اليه . وبذلك يكون المرء قد أوقع نفسه فيما لا يحب وقضى عمره يرتب وينفق على حلم أو أحلام ليست باحلامه هو ولا هى مما يمكن أن يكون سببا في راحته مستقبلا . وقد يحدث هذا التشويش أو التوهان أو اضطراب الرؤية مع المرء في أية مرحلة من عمره .
ولا بأس من الوقوع في هذا التشويش في مرحلة ما من عمرنا ، ما دامت هناك فرصة للخروج من دائرة التوهان والرؤية الباهتة الى دائرة الرؤى الأوضح أو الرؤية الواضحة مع القدرة على توليد المزيد من الموارد والأصول الشخصية وتعويض الفاقد أو الخسارة الناجمة عن الرؤية المشوشة السابقة . وبالتالي ، فإن الوقوع في هذا التشويش ينبغي الا يمتد الى مراحل سنية متقدمة ، ولا يتبغى أن نقع فيه في المراحل السنية المتقدمة ، بالنظر إلى ضعف فرص تعويض الخسائر وبناء الأصول الشخصية والموارد الخاصة في تلك المراحل المتقدمة . وينبغي أن ندرك حقيقة أن الإنسان يظل – مهما تقدم في السن – صاحب احتياجات عديدة ومتزايدة ، كما يظل صاحب مسؤوليات والتزامات ولو في حدود نفسه فقط . ولكن في كل الأحوال ، لا يوجد من هو معفى من الالتزامات المالية الناجمة عن احتياجاته الخاصة وعن التزاماته ومسؤولياته مهما بلغ من الكبر .
كما أن الإنسان يظل بحاجة إلى خصوصيته والى مساحته الخضراء الخاصة التي يحيا فيها على طبيعته ودون مزاحمة أو قيود ولو من أقرب الأقربين . أقصد المساحة اللصيقة بالشخصية ، اذا جاز التعبير . فنحن لا نتلاشى جسديا في الكبر ، ولا نكبر لنصبح بلا جسد أو نصبح بلا احتباج أو قابلين للعيش بلا خصوصية أبدا . بل ان الإنسان يظل – بروحه وطبعه – كما كان في طفولته وصباه وشبابه وأن هرم جسده وضعفت صحته .
الإحالة للتقاعد لا يعني أن على المتقاعد أن يقضى وقته وهو يستعد للموت ، بل ان الاحالة الى المعاش هى نهاية مرحلة وبداية مرحلة أفضل ان شاء الله . فالحياة كلها مراحل تتوالى الواحدة وراء الأخرى . والموت حق طبعا ، ولكنه أجل ، ولكل نفس أجل لا يرتبط بتقاعد أو بسن معينة . ومهما بلغت معزة الأبناء والأسرة ، لا تنس نصيبك من الدنيا ولا تنس حاجتك الى خصوصيتك، حتى لا تصبح يوما مستباح الخصوصية محروما من التنفس ومن ممارسة حياتك الطبيعية بقرار منك أنت شخصيا ولغير صالح أحد .