بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية) – السياسة مصالح وليست مشاعر. والدول تختلف وتتفق فيما بينها وتقترب وتبتعد وفقا لمصالحها والتزاماتها الدولية ، وليس وفقا لشىء آخر مهما ان كان . وقد تبدو بعض الامور السياسية مفاجئة للناس ، ولكنها في الغالب ليست كذلك بالنسبة إلى المتابعين المتفقهين . ومن هذه الحالات التي قد تبدو مفاجئة للناس زيارة قام بها رئيس دولة عربية ثرية الى دولة إسلامية هامة بعد عشر سنوات تقرببا دون زيارات متبادلة .
وقد يكون لدهشة الناس واستغرابهم من الزيارة المشار إليها ومن نتائجها سبب أو أسباب مفهومة ومقروءة . فالعشر سنوات التي مرت لم تكن فقط دون زيارات متبادلة ، بل شهدت خصومة أو خصومات سياسية ومواجهات واتهامات متبادلة بين الدولتين وتصعيدا ساخنا في بعض الفترات ، حتى أن المتابعين ربما تساءلوا – في أنفسهم – أحيانا عما اذا كانت العلاقات بين البلدين ستعود يوما الى طيب الحال ومثمر التعاون .
الواقع أن الدهشة لها ما يبررها ، ولكن وفقا لحسابات الظروف المعتادة ، سواء كانت ظروفا سياسية أو ظروفا حياتية أو دنيوية . ولكن في الواقع حدث تغيران حيويان وطارئان مؤخرا مما قد يكون وراء هذه الزيارة الهامة .
التغير الاول يتعلق بظهور وباء كورونا في نوفمبر 2019 وانتشاره وامتداد أثره العالمي – بالشكل السلبي القوي الذي رأيناه ونراه مستمرا حتى الآن – بحيث تأثرت اقتصادات دول كثيرة وفقدت ثروات كبيرة ، وفقا لتقديرات الظروف المعتادة ما قبل وباء كورونا . وتأثرت خطط دول ذات قدرات اقتصادية ضخمة ، بحيث لم تحقق ما كانت تصبو هذه الدول إلى تحقيقه خلال السنوات الماضية ، وصارت تخشى وتتحسب لامتداد هذه الآثار السلبية الموجعة خلال السنوات القادمة ، وهو الأمر الذي يتمتع بالأولوية على أمور أخرى قد تشمل بعض الخصومات السياسية .
التغير الثاني الذي وقع مؤخرا قد يتعلق بالاختلاف مع بعض القوى العظمى والتأثر المحتمل لواردات السلاح المطلوب ، الأمر الذي قد يملى على المتضرر البحث عن مصادر أو مصدر آخر لهذه الواردات الحيوية . وهذان التغيران السابق الإشارة اليهما لا يعملان بصفة مطلقة ، ولكنهما يجدان أهمية خاصة في ظل الدبلوماسية الاقتصادية التى تعمل على تحقيق وتعظيم المصالح الاقتصادية للدولة ومصالح الدولة بصفة عامة . فإذا ظهرت الأمور بهذا النسق ، أمكن للطرف المهتم وصاحب القدرة والمبادرة أن يقدم عرضا لا يرفض الى أطراف أخرى تحوز ما يريد أو بعضا مما يريد ، ويؤدي العامل معها إلى تحقيق أهداف سياسية هامة وفي اتجاهات متعددة في آن واحد .