بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية) – الثري والفقير في ذلك يستويان ، فواجهات كثير من العمائر تلبس وجها كثيفا من تراب . لماذا نسأل عن مدخل العمارة أو المبنى وعن عرض الشارع ولا نسأل عن كم التراب الذي يكسو الواجهات ويسكن قسماتها ويمحو ألوانها ويطفىء سحرها ويبخس من قدرها وينشر المرض في صدور الناس ؟ لماذا نقبل أن نطل على أسطح رمادية مدفونة بالتراب والرماد والطوب الأحمر وبقايا الأثاث ومخلفات المنازل وبقايا البشر ؟ لماذا نقبل أن نكون بقايا على سطح عمارة سكنية أو غبر سكنية كأن معاني الأشياء قد سقطت أو فقدت دورها؟
وجه التراب الغريب الذي يبقى في مكانه على مدار العام ، كأنه وجه جميع المناسبات ، وذلك رغم كآبة وجه التراب وعدم مناسبته لفرح ولا حتى لحزن في حياتنا . والأجمل والأنسب طبعا لو نرى واجهات العمائر نظيفة معبرة عن ألوانها ورسومها ونقشها وضيائها واشراقها . فوجه التراب على وجهات العمائر ليس أصلا وليس متدوبا إليه وليس محببا ، وإنما هو عبء يحتاج الى عمل والى اهتمام منا جميعا في كل مكان .
هذا التراب الجاسم على الأنفس في أماكن كثيرة ليس عاديا وليس طبيعيا وليس مفروضا ، ولذا تقاومه الدولة وتدعو إلى محوه بالطلاء المنتظم المتكرر والاهتمام المناسب ، وبلفت الأنظار الى أهمية الشكل العام في كل مكان ، ولفت الأنظار إلى المسؤولية الوطنية المشتركة الواقعة على عاتقنا جميعا – كمواطنين – والمتعلقة بابراز الوجه الجمالي لكل حى وكل منطقة وكل محافظة من المحافظات .
ليس التوفير أبدا في قصر التشطيب على واجهة واحدة من واجهات المبنى أو العمارة وترك ثلاثة واجهات أو واجهتين – بحسب المباني المجاورة – دون تشطيب أو دهان ، ثم ترك المبنى كله يتحمل بالأتربة على مدار الشهور والسنين دون أن نحرك ساكنا كأن الأمر لا يعنينا في شىء ، أو كأن هذه الأتربة قدر مقدور لا مفر منه . فتكلفة تشطيب الواجهات ليست بهذه الضخامة التي تدفعنا الى ترك التراب يشوه مبانينا ومدننا ويحتل أوصالها جميعا ، بل ان الاهتمام بمبانبنا وبنظافتها يرفع من قيمتها العقارية السوقية ويخفف من كم التلف في أجزائها المختلفة ويخفف من نفقات الصيانة فيها . وعلى المستوى الوطني ، لا شك أن الاهتمام بنظافة مبانينا من الخارج وعلى الأسطح قد يمثل دفعة قيمة لحركة السياحة الى مصر . فالسائح – في كل بلاد العالم – يبحث عن صور الجمال المتباينة في مقصده السياحى ، الى جانب اهتمامه الكبير بالآثار والتاريخ والحضارات القديمة .