بقلم: د.منى سليمان
القاهرة (زمان التركية) – أعلنت وسائل الإعلام التركية فجر يوم 5 ديسمبر 2021، عن فشل محاولة اغتيال الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، حيث تم العثور على عبوة ناسفة كانت موضوعة في مكان مؤتمر جماهيري له في مدينة سعرد جنوب تركيا، وتم تدميرها قبل وصوله للمدينة.
وقد انقسمت ردود الأفعال التركية على تلك الأنباء حيث أعرب مناصرو الرئيس التركي عن سعادتهم إثر نجاته من محاولة اغتيال فاشلة، بينما شككت المعارضة التركية في تلك الرواية وأكدت أنها “مسرحية” مدبرة من قبل “أردوغان” وأجهزته االقوات لأمنية لرفع شعبيته والتغطية على الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بالبلاد.
*ردود الأفعال:
انقسم المراقبون والخبراء حول محاولة الاغتيال التي دبرت “لأردوغان”، حيث شككت بها المعارضة الداخلية وأكدت أن الأجهزة الأمنية دبرتها للتغطية على الأزمات الاقتصادية المتفاقمة بالبلاد، بينما تجاهلت القوى الإقليمية والدولية المحاولة ولم يصدر أي بيان إدانة من أي دولة لمحاولة اغتيال “أردوغان”، كما هو متعارف عليه دوليًا، مما يؤكد أن تلك الدول لا تصدق الرواية التركية من حدوث محاولة اغتيال فاشلة، وكانت أبرز ردود الأفعال الداخلية التركية.
وفي أول تعليق له على محاولة اغتياله، أكد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” خلال خطابه في مدينة سعرد “إنه لا مكان للإرهاب في مستقبل تركيا”، وأضاف: “لن نسمح إطلاقا بجعل آفته تتسلط مرة أخرى على إخواننا الذين يعيشون في المنطقة. لن نرمي شابا واحدا من شبابنا بين أنياب الإرهاب الوحشية، ولن نسمح بذلك حتى نمحو هذا التنظيم الإرهابي من أجندة البلاد بشكل كامل. فحكومتنا مصرة على قرارها فيما يخص تلك القضية”. وذلك في إشارة منه إلى مسلحي حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا على قوائم الإرهاب، وله تواجد ملحوظ في ولاية سرعت ومدن جنوب تركيا ككل).
ولم تؤثر تلك المحاولة على جدول “أردوغان” في مدينة سعرد حيث قام بإلقاء خطابه أمام المؤتمر الجماهيري لحزبه “العدالة والتنمية” كما كان مقرر وتوعد فيه بملاحقة تنظيمات الإرهاب في بلاده.
بينما أكد الرئيس السابق لمجلس التعليم العالي التركي والأكاديمي “يوسف ضياء أوزجان”، أن محاولة اغتيال “أردوغان”، ما هي إلا سيناريو مع اقتراب الانتخابات في تركيا؛ لأن الاستعدادات للانتخابات قد بدأت. ووصف بعض المواطنين الأتراك الخبر بأنه “مسرحية” و”محاولة لتشويه المعارضة”. وأكدوا أن “أردوغان يمهد من خلال مزاعم محاولة الاغتيال لمؤامرة دموية بهدف رص صفوف أنصاره قبيل الانتخابات؛ لأنه لن يتردد في تفجير قنبلة وسط اجتماع جماهيري لحزبه وقتل عدد من أنصاره واتهام المعارضة من أجل تقديم نفسه وحزبه ضحية كما قتل 250 مواطنا أثناء مؤامرة الانقلاب الفاشل في 2016”.
*دوافع تدبير “أردوغان” لمحاولة الاغتيال:
هذه المحاولة الفاشلة والتي أطلق عليها “المسرحية” لا ترتقي لتكون محاولة اغتيال؛ لأن تنفيذها بدائي وبسيط للغاية واغتيال رئيس تركي بأهمية “أردوغان” كان يجب الإعداد الجيد له، كما أن قوى المعارضة التركية لا تنتهج أسلوب الاغتيالات، وكذلك المؤسسة العسكرية التركية لا تملك الشجاعة الكافية لاغتياله؛ لأنه استطاع “ترويض” المؤسسة العسكرية بالكامل وأصبحت تعمل لصالحه، ولذا ربما يكون “أردوغان” وأجهزته الأمنية هم من قاموا بتدبير هذه المحاولة الفاشلة. ودوافع أردوغان من تدبير هذه المحاولة:
– تصفية التنظيمات الإرهابية: يمكن استنتاج ذلك من تصريحاته بعد نجاته المزعومة حيث إنه أكد رفضه للتنظيمات الإرهابية ويقصد بها “حزب العمال الكردستاني” وحركة “جولن”، ولذا سيقوم “أردوغان” بإلقاء اللوم عليهم في محاولة الاغتيال تلك لتأجيج استهدافهم واضطهادهم، مما سيقلل الانتقادات الأوروبية له بقمع الحريات والمعارضة، لاسيما بعد رفضه الإفراج عن رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكردي “صلاح الدين دميرطاش” رغم انتهاء فترة حكمه، ولذا سيقوم “أردوغان” باستغلال تلك المحاولة لإيهام مناصريه أنه مستهدف من أعداءه في الداخل، ولإيهام الخارج بأنه يحارب التنظيمات الإرهابية.
– التغطية على تراجع الاقتصاد التركي: كما أن “أردوغان” سيستغل هذه المحاولة في التغطية على تراجع الاقتصاد التركي، لاسيما تراجع سعر الصرف بعدما فقدت الليرة التركية 40% من قيمتها منذ مطلع العام الجاري بسبب سياسات “أردوغان” غير المألوفة المتبعة في مجال الاقتصاد، وما تبعه من إقالة وزير الخزانة والمالية، وتغير محافظ البنك المركزي أكثر من 3 مرات في عام واحد. فضلا عن تدخله المباشر في عمل البنك المركزي وإصراره على تخفيض سعر الفائدة.
-مواجهة تصاعد حدة المعارضة: خلال العامين الماضيين تصاعدت بشدة انتقادات المعارضة التركية أحزابا ومستقلين للرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” وسياساته المختلفة في الداخل والخارج، وأسفر عن ذلك خسارة حزبه “العدالة والتنمية” في الانتخابات المحلية لأغلب المحافظات الرئيسية الهامة في تركيا، على رأسها العاصمة أنقرة وإسطنبول وأزمير، وقد توالى منذ ذلك الحين تراجع شعبية الحزب و”أردوغان” في كافة استطلاعات الرأي، مما يثير المخاوف من إمكانية خسارته في الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2023. ومن بين مواقف المعارضة التركية المؤثرة المطالبة بإعادة النظام البرلماني حيث تستعد ستة أحزاب تركية معارضة تضم (الشعب الجمهوري، والحزب الصالح، السعادة الإسلامي، الديمقراطي اليميني، المستقبل، الديمقراطية والتقدم) وأطلق عليه “تحالف الأمة”، للتوقيع على اتفاق يهدف إلى إعادة النظام البرلماني في تركيا. ويكون تحديد فترة الرئاسة في المنصب بسبع سنوات. والسلطات التنفيذية للرئيس هي أيضا من بين أهداف مسودة الاتفاق. وفقًا للاتفاق، سيكون منصب الرئيس محايدًا سياسياً، ولن يكون قادرًا على العودة إلى السياسة النشطة بعد انتهاء مدته.
وقد بدأت المحادثات حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” وحزبه العدالة والتنمية يعانون من تراجع في الدعم الشعبي قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في عام 2023. وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض “كمال كليجدار أوغلو”، إن عدد الأحزاب السياسية التي ستنضم إلى “تحالف الأمة” المعارض قد يزداد قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إجراؤها في عام 2023. كما كشفت مصادر تركية أن رئيس حزب الشعب الجمهوري “كمال كيليتشدار أوغلو”، يسعى لتشكيل تحالف استثنائي لتحدي “أردوغان”، حيث إن الأحزاب المتنافسة وضعت خلافاتها العميقة جانبًا ووحّدت قواها للإطاحة بالرئيس.
*السيناريوهات المقبلة:
جدد “أردوغان” في مؤتمره الانتخابي في سعرد بعد نجاته من محاولة الاغتيال المزعومة رفضه لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في تركيا وأصر على إجراء الانتخابات في موعدها في يونيو 2023. وبالطبع هذا سيكون أفضل له ولحزبه؛ لأنه يأمل أن يستطيع حل المشكلات الاقتصادية التي تواجه تركيا حاليا ورفع شعبيته خلال العام ونصف المقبلين قبل إجراء الانتخابات ليضمن الفوز بها. وهذا يضع تركيا أمام عدة سيناريوهات مقبلة تتلخص فيما يلي:
– فوز “أردوغان”: حال استمر “أردوغان” بسياسته الخارجية الحالية واستطاع معالجة مشكلات الاقتصاد التركي، فإن ذلك سيؤدي لفوز “أردوغان” بالانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجرى في يونيو 2023، وهذا سيؤدي لاستمرار النظام الرئاسي كنظام سياسي للبلاد، وتشكيل الحكومة الجديدة وإعادة ترتيب الدولة من الداخل بعد أعوام من التوتر في العلاقات التركية الخارجية والأزمات الاقتصادية المتتالية.
– خسارة “أردوغان” للانتخابات: حال فشل “أردوغان” في معالجة المشكلات الاقتصادية الحالية فإن ذلك سيؤدي لخسارته في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وفوز مرشح آخر وحتى اليوم لا يوجد مرشح يشكل منافسه حقيقية له. حيث إن كافة استطلاعات الرأي تؤكد تراجع شعبيته من 55% الى 35%، بيد أنه يبقى السياسي الأكثر شعبية بالبلاد، ومنافسه من حزب الشعب الجمهوري وهم عمدة إسطنبول “أكرم إمام أوغلو” وعمدة أنقرة منصور يافاش، فضلا عن القيادات السابقة بحزب “العدالة والتنمية” مثل “عبدالله جول” و”أحمد داوود أوغلو” و”على باباجان” وحال قرروا جميعهم خوض الانتخابات فإن الكتل التصويتية سوف تتشتت بينهم ولن يتمكن شخص من الفوز بالنسبة المطلوبة من الجولة الأولى.
– إرجاء الانتخابات الرئاسية: رغم كونه سيناريو مستبعدا إلا أنه مطروح، حيث ربما يلجأ “أردوغان” الى إرجاء الانتخابات لمدة عام مثلا، حتى يتمكن من معالجة المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها تركيا، ويمكنه في ذلك استغلال صلاحياته المطلقة كرئيس للبلاد.
خلاصة القول: إن محاولة الاغتيال الفاشلة “لأردوغان” في سعرد جنوب البلاد ما هي إلا “مسرحية” دبرها الرئيس التركي كما دبر من قبل “انقلاب 2016” ، وسيتم استغلال تلك المحاولة بعد ذلك في الضغط على خصومه بالداخل التركي، ومنها حزب الشعوب الديمقراطي الكردي وحركة “جولن” (الخدمة)، وأحزاب المعارضة، وتحسين صورته بالخارج، والتغطية على الأزمات الاقتصادية المتراكمة. وبالتوازي مع ذلك يقوم “أردوغان” بتحسين سياسته الخارجية من خلال تطبيع علاقاته مع كافة الدول العربية والخليجية لاسيما الإمارات ومصر والمملكة العربية السعودية، والدول الغربية.