تقرير: ياوز أجار؛ صالح القاضي
إسطنبول (زمان التركية) – ظهرت وثيقة للاستخبارات التركية تثبت أن الرئيس رجب طيب أردوغان عندما فشل في العثور على أي دليل لإعلان حركة الخدمة منظمة إرهابية لجأ إلى مؤامرة قضائية لتحقيق هذا الغرض.
القانوني والناشط الحقوقي الدكتور كوجهان جونش، كشف عن تقرير حررته المخابرات التركية حول قضية استيقاف شاحناتها المحملة بالأسلحة لإرسالها إلى الجهاديين في سوريا في مطلع عام 2014.
DEVLET TARAFINDAN VATANDAŞA KURULAN TUZAĞIN BELGESİ-2
1. Değerli dostlar, daha önce; MİT’in bir yapı ve oluşumun silahlı örgüt kabul edilmesiyle ilgili yargıya verdiği 11/5/2016 tarihli talimatı, 16. CD’nin MİT tırları kararında yer aldığı şekliyle paylaşmıştım. pic.twitter.com/IF8TH788HE
— Dr. Gökhan Güneş (@drgokhangunes) December 6, 2021
وعلى الرغم من أن أردوغان زعم في ذلك الوقت أن أعضاء ما سماه “الكيان الموازي” في السلك القضائي والعسكري هم الذين نفذوا عملية استيقاف تلك الشاحنات المحملة بالأسلحة، إلا أن هذا التقرير الاستخباراتي يعترف بأن التحقيقات التي أجريت في هذا الصدد فشلت في إيجاد أي صلة بين الحركة وقوات الدرك والعسكريين الذين نفذوا العملية.
بعد انطلاق تحقيقات الفساد والرشوة في عام 2013 بحق وزراء ورجال أعمال مقربين من حكومة حزب العدالة والتنمية، كان أردوغان في حاجة إلى “كبش فداء” للتضحية به من أجل إغلاق هذه التحقيقات التي لطخت سمعته وإطلاق عملية مضادة ضد كل من شارك فيها من رجال الأمن والقضاء.
اختار أردوغان حركة الخدمة لتكون كبش الفداء؛ نظرا لأنها كانت تتمتع بانتشار واسع في الداخل والخارج، وكان بالإمكان إقناع الشعب بوقوفها وراء تحقيقات الفساد والرشوة التي وصفها بـ”محاولة انقلاب قضائية”، فشرع في شنّ حملة تشويه إعلامية ضخمة لشيطنة الحركة وقتلها معنويا أمام الرأي العام.
لكن المشكلة أن جهود أردوغان ومخابراته في العثور على أدلة ملموسة لإعلان حركة الخدمة منظمة إرهابية مسلحة باءت بالفشل، مثل فشل سلفها تنظيم أرجنكون / الدولة العميقة الذي سعى لتحقيق الغرض ذاته طيلة عقدين من الزمن قبل وصول أردوغان إلى الحكم في 2002.
وعلى الرغم من أن أردوغان مارس ضغوطًا كبيرة على أعضاء مجلس الأمن القومي خلال اجتماعه المنعقد في 31 نوفمبر 2014 لإقناع الجيش وإجباره على اتخاذ موقف صارم من الكيان الموازي، وضمّه إلى “قائمة المنظمات المهددة للأمن القومي”، تمهيدًا لإعلانه تنظيمًا إرهابيًّا في وقت لاحق، إلا أنه عندما نُشر البيان الختامي للاجتماع تحطمت آماله، إذ لم يتضمن البيان أي إشارة إلى “حركة الخدمة” أو “الكيان الموازي”.
عندما يئس من مجلس الأمن القومي وعجز عن إيجاد أدلة لوصف حركة الخدمة بالكيان الموازي، واتهامه بالإرهاب، توجه أردوغان إلى تلفيق واختلاق أدلة، وكانت عملية استيقاف شاحنات المخابرات المعبأة بالأسلحة أفضل وسيلة لترسيخ مفهوم الكيان الموازي في أذهان الرأي العام.
ومع أن الماكينة الإعلامية العملاقة لأردوغان أطلقت دعاية سوداء زعمت خلالها أن المدعي العام، وكذلك وقوات الدرك التي استوقفت شاحنات المخابرات في 2014 تابعون للكيان الموازي / حركة الخدمة، إلا أن هذه الوثيقة الاستخبراتية تكشف أن نظام أردوغان لم يجد علاقة عضوية بين الحركة وقوات الدرك المشاركة في العملية.
وجاء في الوثيقة الاستخباراتية: “يعتبر تاريخ 17 – 25 ديسمبر 2013 ميلادا مهما للكشف عن الوجه الحقيقي للكيان الموازي / منظمة فتح الله كولن. فقد حاولت تنفيذ هذه العملية (عملية الفساد والرشوة) عن طريق أعضائها في أجهزة القضاء والأمن، لكنها فشلت. عملية مهمة أخرى تورطت فيها المنظمة أيضًا هي عملية استيقاف شاحنات المخابرات التي كانت تحمل مساعدات إلى سوريا، في 1 و19 يناير 2014، بناء على بلاغ مزعوم، بهدف تقديم تركيا وكأنها تدعم الإرهاب، ووضع المخابرات والدولة التركية في موقف حرج أمام المجتمع الدولي. والمنظمة نفذت هذه العملية من خلال أعضائها في قوات الدرك”.
وتابع التقرير: “ورغم فتح تحقيق في وقت لاحق حول عملية استيقاف الشاحنات واعتقال مجموعة من قوات الدرك وإرسالهم إلى السجن، إلا أنه لم يتم إثبات أن هذا الحدث عملية نفذها الكيان الموازي / منظمة فتح الله كولن”.
ثم تأتي في التقرير العبارات التي تدل على أن المخابرات قررت مسبقًا في غياب أي دليل أن حركة الخدمة منظمة إرهابية، حيث يقول: “ومع أنه من المعلوم أن الذين شاركوا في تنفيذ العملية هم من أعضاء الكيان الموازي / منظمة فتح الله كولن، إلا أنه لم يتم العثور على دليل مادي على العلاقة العضوية بين المنظمة وقوات الدرك المنفذة للعملية”.
ومن ثم يشير التقرير إلى كيفية تخطي هذه العقبة قائلا: “وفي حال خلق هذه العلاقة بين الطرفين، فإنه سيثبت أن هذه العملية نفذتها منظمة فتح الله كولن من خلال أعضائها في قوات الدرك ضد موظفي الدولة باستخدام الأسلحة. وهذا الأمر سيزيل أكبر عائق أمام إعلان منظمة فتح الله كولن منظمة إرهابية مسلحة. وذلك لأن أكبر عائق يمنع في الوقت الراهن قبول المنظمة كمنظمة إرهابية هو عدم وجود أدلة على تورطها في عملية مسلحة، لذلك يُلاحظ أن عملية استيقاف شاحنات المخابرات باستخدام الأسلحة يكفي لتعريفها كمنظمة إرهابية”.
كما يعترف التقرير بجهود المخابرات لاختلاق علاقة بين استيقاف الشاحنات وحركة الخدمة قائلا: “التقييمات التي تسعى إلى إبراز العلاقة بين قوات الدرك المنفذة للعملية وبين الكيان الموازي / منظمة فتح الله كولن سوف تزيل أكبر عقبة تقف أمام إعلان المنظمة إرهابيةً، ومن ثم سوف يتم اعتبار العضوية في المنظمة، وتقديم مساعدات مالية لها، والأنشطة التعليمية، وما إلى ذلك من أنشطتها الأخرى ضمن الأعمال الإرهابية”.
وقد أرسلت المخابرات هذا التقرير الذي “توجه” فيه جهاز القضاء لأنجح طريق لإعلان حركة الخدمة منظمة إرهابية إلى مكتب المدعي العام في مايو 2016، أي قبل نحو شهرين من الانقلاب الفاشل، ليبدأ في إنجاز المهمة المسندة إليه.
“لا دليل على علاقة حركة الخدمة بالإرهاب”
لكن المشكلة أن جهاز القضاء هو الآخر كان يعترف بعدم وجود دليل على إرهابية حركة الخدمة، حيث صدرت اعترافات مثيرة للغاية من أعلى السلطات القضائية تكشف أن محاولة الانقلاب في عام 2016 تم تدبيرها من أجل العثور على دليل وذريعة لإعلان الحركة منظمة إرهابية وتصفية الجيش من غير المرغوبين فيهم بتهمة الانتماء إلى هذه المنظمة.
النائب العام في أنقرة وعضو المحكمة العليا هارون كودالاك هو الذي أعد مذكرة الاتهام الرئيسية بحق حركة الخدمة قبل عدة أيام من وقوع الانقلاب الفاشل في 2016، لكنه اعترف في تصريحات أدلى بها في 15 يوليو 2017، بأنهم لم يتمكنوا من العثور على أدلة تثبت أن حركة الخدمة منظمة مسلحة.
كودالاك قال في مذكرة الاتهام: “لم نتمكن من العثور على ما يكفي من الأدلة والوثائق التي تثبت الاتهامات الواردة في مذكرة الادعاء المتعلقة بهم. لكنهم كشفوا بأنفسهم ليلة المحاولة الانقلابية أنهم تنظيم إرهابي مسلح بعدما عجزنا عن إقناع الرأي العام بهذه الأطروحة”، مما يدل على أن الانقلاب تم تدبيره لإثبات هذه الأطروحة.
وفيما يلي نصّ ما قاله كودالاك في الحوار الذي أجرته معه صحيفة “خبر ترك” في 15 يوليو / تموز 2017، أي الذكرى السنوية الأولى للانقلاب المزعوم:
“لقد نشرنا مذكرة الاتهام الرئيسية (الخاصة بالكيان الموازي / حركة الخدمة) قبل بضعة أيام من المحاولة الانقلابية في 15 يوليو 2016. لكن كنّا نعاني من مشكلة فنيّة / تقنية. لقد كنا فشلنا في إقناع العديد من شرائح المجتمع بأن هؤلاء تنظيم إرهابي مسلح. لم نكن عثرنا على ما يكفي من المعلومات والوثائق لإثبات هذه الحجج في مذكرة الادعاء، إن استثنينا حادثة استيقاف شاحنة المخابرات. لكنهم كشفوا بأنفسهم ليلة المحاولة الانقلابية أنهم تنظيم إرهابي مسلح بعدما عجزنا عن إقناع الرأي العام به”.
هذا يدل على أن مكتب المدعي العام لم يكن بحوزته أي دليل لإعلان حركة الخدمة حركة إرهابية سوى تحقيقات الفساد وإيقاف شاحنات الاستخبارات، لكنه كان يعاني من مشكلة فنيّة / تقنية في إيجاد العلاقة العضوية بين الحركة والعمليتين.
وعلى الرغم من التقرير الاستخباراتي الذي ينفي العلاقة العضوية بين حركة الخدمة وعملية استيقاف شاحنات المخابرات، وواعتراف جهاز القضاء بعدم وجود دليل على إرهابية حركة الخدمة، إلا أن النائب العام هارون كودالاك فتح دعوى ضد الحركة، وفقا لتوجيهات المخابرات، بتهمة إنشاء وقيادة منظمة إرهابية مسلحة”، ومن ثم أعد الشخص ذاته مذكرة الاتهام الخاصة بمحاولة الانقلاب في 2016.
تقرير المخابرات واعترافات نائب أنقرة العام في ذلك الوقت بمثابة وثيقة تاريخية صارخة تثبت المؤامرة والجريمة المرتكبة ضد حركة الخدمة ومئات الآف من المواطنين الذين تعرضوا للفصل والاعتقال والقتل بتهمة الانتماء إليها، لكن عندما يعود القانون لمكانته الحقيقية في تركيا ستظهر كل الحقائق، وسيواجه المجرمون الحقيقيون العقوبة التي يستحقونها.
–