أنقرة (زمان التركية) – ايهان أوران كان يعمل بجهاز المخابرات التركي (MİT) وهو مفقود منذ نوفمبر 2016، فيما التزمت المخابرات الصمت في مواجهة المزاعم العديدة التي تشير إلى أنها هي من اختطفت أحد موظفيها.
حالة الصمت تلك كسرت بالتصريح الذي أكد فيه المدير التنفيذي السابق للمخابرات التركية محمد أيمور.
أيمور أكد في تصريح أن المخابرات هي من اختطفت أوران المعروف بأن لديه تفاصيل عملية اغتيال ثلاثة نشطاء أكراد في باريس.
تغيرت تركيا كثيرا بعد مسرحية الانقلاب العسكري الفاشل في تموز / يوليو 2016، فقد طُرد أكثر من 100 ألف موظف حكومي من وظائفهم بإجراءات استثنائية، ولم تكن مؤسسة الاستخبارات التركية بعيدة عن ذلك، فقد كان أوران يعمل في السفارة التركية في أثينا ثم تم استدعاؤه إلى أنقرة خلال حالة الطوارئ التي أعقبت الانقلاب ليتم إقالته من الخدمة العامة بالتهمة المشهورة وهي العلاقة بحركة الخدمة -والتي تلقي الحكومة باللوم عليها في محاولة الانقلاب- إلا أن التصريحات الاخيرة تثير الشكوك حول السبب الحقيقي لاختطافه واختفاءه.
اغتيالات باريس
في عام 2013 تم اغتيال ثلاث نساء كرديات لهن صلات مزعومة بحزب العمال الكردستاني المحظور، هن كلا من فيدان دوغان وليلى سويلمز وسكينة جانسيز بالرصاص في باريس.
كانت كانسيز شخصية بارزة بشكل خاص في حزب العمال الكردستاني وقبل وفاتها اختلفت مع زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، الذي اتهمته بالتفاوض على صفقات مع الدولة التركية من شأنها الإضرار بمصالح الشعب الكردي، ومن المثير للاهتمام أنه في وقت اغتيال جانسيز كانت الاستخبارات التركية وأوجلان يجريان سلسلة من المحادثات التي تم الكشف عنها لاحقًا للجمهور من قبل حكومة أردوغان باعتبارها “عملية تسوية” للنزاع المسلح التركي المستمر منذ عقود في الجنوب الشرقي ذي الأغلبية الكردية، إلا أنه بكل تأكيد كان الاغتيال غير متوقع لأنه حدث على خلفية هدوء نسبي عندما كان وقف إطلاق النار ساري المفعول بين قوات الأمن التركية وحزب العمال الكردستاني، وكنتيجة لذلك الاغتيال تم القضاء على أهم منتقدي أوجلان داخل المنظمة.
كانت جانسيز هي الهدف الرئيسي لعملية الاغتيال في باريس، بينما كانت السيدتان الأخريتان موجودتان في نفس المكان -مكتب معلومات كردستان-.
لقد اكتشف المدعون العامون في باريس سريعا أن القاتل هو عمر جوناي، وكشفت التحقيقات أن القاتل سافر ذهابًا وإيابًا إلى تركيا عدة مرات، كما تمت تغطية نفقات تذاكر الطائرة ونفقات الهاتف المحمول الخاصة به من قبل المخابرات التركية، ورغم تلك المعلومات أنكرت المخابرات التركية جميع التهم التي وجهت إليه من قبل قضاة باريس المسؤولين عن التحقيق في يناير 2014.
وكان جوناي الذي تم اختياره لتنفيذ الاغتيال مريضًا بالسرطان، وقد توفي بعد ثلاث سنوات من اعتقاله وقبل شهر واحد من موعد مثوله أمام المحكمة في مستشفى بيتيه سالبيترير في باريس.
لكن بعد سنوات، تم الكشف عن أن عميل المخابرات التركية المفقود أوران كان على علم بتفاصيل الاغتيال.
لاحقا وبعد أن أجهض أردوغان المحادثات مع حزب العمال الكردستاني شنت الدولة التركية هجومًا كبيرًا على الجماعة المتشددة، وكان القتال شديداً لدرجة أن بعض المدن الكردية تعرضت لأضرار جسيمة، وكانت قيادة حزب العمال الكردستاني أيضًا في مرمى النيران، وفي تلك الأثناء تم إرسال كلا من إرهان بكجيتين وأيدين غونيل من قبل المخابرات التركية إلى كردستان العراق في يناير 2017، وتم اختطاف الاثنين من قبل حزب العمال الكردستاني حيث تمت مداهمة فندق السليمانية الذي كانا يعقدان فيه اجتماعات حول العمليات المخطط لها ضد قادة حزب العمال الكردستاني.
بعد بضعة أشهر، نشرت وكالة أنباء حزب العمال الكردستاني ANF على موقع YouTube مقاطع فيديو استجواب عميلا المخابرات التركية، وفي مقاطع الفيديو تحدث بكجيتين عن اغتيالات باريس، كما كشف عن اختطاف أوران من قبل المخابرات العسكرية التركية، وحتى ذلك اليوم، كانت الوكالة الاستخبارات التركية قد ردت على الاستفسارات التي قدمتها عائلة أوران من خلال الادعاء بأنه ليس لديها معلومات عن مكان وجوده.
في الفيديو الذي نشرته وكالة ANF، قال بكجيتين إن أوران تم استجوابه من قبل المخابرات التركية بعد اختطافه، كما ذكر أنه رآه هناك في ذلك الوقت، كان مقطع الفيديو هذا يحتوي على اعتراف رفيع المستوى حول اختفاء عميل المخابرات التركي، لكن العجيب أنه بعد عدة أيام تم حذف الفيديو من قبل ANF، وترك مقطع آخر متعلق بأوران بينما تم تداول تصريحات بكجيتين الأخرى، وهو ما أدى إلى ظهور مزاعم بأن ذلك كان جزءًا من صفقة بين حزب العمال الكردستاني ووكالة الاستخبارات التركية.
تأكيد إيمور
اليوم و في الذكرى الخامسة لاختفاء أوران، اعترف مسؤول آخر رفيع المستوى في المخابرات العسكرية التركية (MIT) بالاختطاف.
محمد إيمور هو المدير التنفيذي المتقاعد لقسم مكافحة الإرهاب في الاستخبارات التركية وينشر منذ سنوات المعلومات على موقعه الشخصي على الإنترنت، على www.atin.org وغالبًا ما تجذب تصريحات إيمور اهتمامًا عامًا واسع النطاق، وفي الأسبوع الأول من نوفمبر بمقابلة نشرتها T24، تحدث أيمور عن الاستجوابات الوحشية التي ارتكبتها الاستخبارات التركية في الماضي، ورداً على سؤال حول استمرار استخدام التعذيب، قال: “هناك شيء أسوأ. هناك عميل استخبارات مفقود تم استجوابه من قبل الاستخبارات التركية”، وبينما امتنع إيمور عن الخوض في التفاصيل، كانت ملاحظاته بمثابة تأكيد على أن المخابرات العسكرية التركية قد استجوبت أوران.
التعذيب في سوريا
وعلى الرغم من اختفاء أوران لمدة خمس سنوات، لم يفقد أفراد عائلته الأمل، إلا أن الاكتشافات الجديدة ليست مشجعة إطلاقا، فقد اختفى بشكل مفاجئ عميل استخبارات آخر وهو مسعود جيتشر.
تم الإبلاغ عن اختفاء جيتشر في مارس 2017. وعاد إلى الظهور بعد 16 شهرًا، في يوليو 2018، في مركز للدرك في كوملو، وهي منطقة على الحدود مع سوريا، حيث تم اعتقاله على الفور، وعندما مثل للمرة الأولى أمام المحكمة في ديسمبر 2019، أوضح أنه تم اختطافه من قبل عملاء المخابرات الذين كان يعرفهم شخصيًا وأنه سيتمكن من التعرف عليهم. قال جيتشر إنه تم استجوابه تحت التعذيب الوحشي لعدة أشهر وعندما تدهورت حالته الصحية عولج حتى يتم تعذيبه، وصرح جيتشر أيضا بأنه نُقل إلى سوريا في يونيو 2018 ليتم تسليمه إلى جماعات مسلحة متطرفة وكان يعتقد أنه سيُقتل هناك، لكن لسبب لا يدربه تم إعادته إلى تركيا وسلم إلى الدرك في كوملو.
أثارت شهادة جيتشر تساؤلات حول ما إذا كان أوران أيضًا في أيدي المتطرفين في سوريا؟
نائب المعارضة سيزجين تانريكولو يعد الوحيد الذي يتابع القضية، لم تتم الإجابة على استفساراته البرلمانية بهذا الشأن منذ سنوات.
الجدير بالذكر في هذا السياق أن المسؤول الأعلى رتبة في وكالة الاستخبارات التركية والذي يشار إليه باعتباره من أعطى الاذن للقاتل للقيام باغتيالات باريس “تمت ترقيته بعد اختفاء أوران وعُين رئيسًا للقسم الاستراتيجي في وكالة الاستخبارات التركية”.
ويظل السؤال بلا جواب ولكن الزمن وحده كفيل بحل لغز اختفاء واختطاف أوران من قبل وكالة الاستخبارات التركية فما كان الأمس مجرد نظرية تم إثباته من خلال التصريحات المباشرة لأيمور المدير التنفيذي المتقاعد لقسم مكافحة الإرهاب داخل وكالة الاستخبارات التركية.