بقلم: صالح القاضي
(زمان التركية)-إن موضوع التعليم يعد واحدا من أهم الموضوعات التي يناقشها علماء التربية وتدور حولها نقاشات عديدة حول العالم فبدون التعليم كيف ستتطور الحضارة الإنسانية، ويعد الأستاذ كولن أحد المفكرين الكبار الذين قدموا رؤية مختلفة عن التعليم والأنظمة التعليمية اليوم وسنتناول في هذه المقالة أهم الإفكار التي يطرحها في مجال التعليم.
وأول ملاحظة تلفت أنظارنا عندما نطالع رؤية الأستاذ فيما يخص التعليم سنجد أنه لا يفصله عن التربية، ويرى أن كلا من التربية والتعليم هما الغاية من وجود الإنسان وبقائه، وأن إنسانية الإنسان وتفرده وتميزه عن باقي المخلوقات لا يتم إلا من خلال عملية التربية والتعليم، والتعليم في ذلك التصور هو دائرة تتسع باستمرار ولا تتم الغاية من التعليم إلا عندما يتحول ما اكتسبه الإنسان من معرفة جزء من هوية الإنسان فيصبح متمثلا لما تعلمه ويتحول بذلك إلى نموذج وقدوة حسنة إلى غيره.
من ناحية أخرى سنجد أن الأستاذ كولن يعلن على الدوام بأن أكبر عدو يواجه الإنسان على المستوى الفردي وعلى المستوى الاجتماعي هو الجهل، ولذلك فالأستاذ يركز على التعليم والتربية في الكثير من كتاباته سواء لصورة مباشرة أو غير مباشر ولكن سنجد أنها محور أساس ادور حوله أفكار الاستاذ.
ولقد وجه الاستاذ كولن انتقادات لأنظمة التعليم الحالية موجها النظر إلى أنها تحتاج إلى التطوير لمواكبة احتياجات البشرية في المستقبل، ومن تلك الانتقادات:
1) سيادة النمطية والاعتماد على الحفظ في المدارس: وهو ما يحد من قدرة الافراد على القيام بالعمليات العقلية الإبداعية والنقدية ولقد عبر الاستاذ كولن بجملة في غاية الأهمية حيث يقول “إذا تقيد الذكاء بالمعتقدات تعرض للضمور والاضمحلال”.
2)عدم احترام الفكر الحر، والتعامل مع المسائل بسطحية، وأن هذا هو عينه تهميش للأجيال، وتهميش الحياة الفكرية للمجتمع لأنها لا تبحث عن الحكمة وتتعامل مع الأمور بذهنية ضيقة.
3)أن النظام التعليمي لا يضع تنشئة الأطفال في المقام الأول، وهو ما يولد عنه انغماس النشء في العادات السيئة ويؤدي إلى التوجه إلى المخدرات وغيرها وفي النهاية تضيع الأجيال سدى ويتم استغلالهم من أصحاب المصالح.
4)هيمنة المنهج الوضعي بصورة خاطئة فإن لم يأخذ العلم الوحي بنظر الاعتبار لن يستطيع العلم القيام بالوظيفة المرجوة منه.
يرى الاستاذ كولن أن إعادة النظر في المناهج التعليمية من خلال إضفاء
الجانب الروحي إلى هيكل النظام التعليمي سيحد من خروج عقول
قمعية واستبدادية داخل المجتمع.
فالإنسان ليس مجرد جسد فقط بل هو كائن له عقل وقلب وكما أن له جسد فله روح ولا يمكن اغافل إحدى جوانبه بل يجب التعامل معه بأبعاده جميعها ولذلك فالنظم التعليمية االتي تركز على الجانب المادي فقط لا يمكنها أن تفي باحتياجات الإنسان الروحية والمعنوية وهو ما يؤدي إلى نتائج اليوم من زيادة في معدلات الأمراض النفسية بين الفئات الشابة داخل العديد من مجتمعاتنا اليوم.
وكأمة إسلامية فلدينا منبع لا ينبض لتعليم الأخلاق والقيم العالية هذه القيم يجب أن تدخل ضمن مقررات المناهج التعليمية حتى لا يقع الشباب في مشاكل معنوية وروحية، وكما يقول الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن ذهبت أخلاقهم ذهبوا
إن أرادت مجتمعاتنا أن تتطور وتنمو ويكون لاديها نوابغ علمية وثقافية فلا بد من توفير مناخ حر يستطيع فيه الجميع أن يعبروا عن آرائهم الفكرية بحرية ودون خوف فهذا هو المناخ الذي ينشأ في العظماء والنوابغ فيستطيعوا تطوير أنماط جديدة من التفكير ومعالجات مختلفة لمشاكل إنسانيتنا.
إن السنوات التي يقضيها الإنسان في التعليم أصبح أمرا يخضع للمناقشة ويرى الاستاذ كولن أن أنظمة التعليم الحالي تضيع وقتا طويلا من حياة الإنسان، وأنه يمكن اختزال الـ12 عاما من التعليم في أربع أو خمس سنوات .
إن أكثر ما نحتاجه الايوم هو وجود مربيين ومعلمين قدوة في أفعالهم وتصرفاتهم ووأخلاقهم وشخصياتهم هؤلاء هم الذين في أيديهم القدرة على تكوين الطلاب وتطوير شخصياتهم ففي النهاية وكما يرى الأستاذ كولن فالهدف الرئيسي للمدرسة ليس ملئ عقول الطلاب بالمعلومات بل تطوير شخصية الطلاب وتعويدهم على طرق الفكر المنهجي والمنطقي، وتطورهم أخلاقيا، والارتفاع بهم إلى درجة الإنسان الذي بمقدرته إنشاء وتطوير الحضارة الإنسانية.