د. منى سليمان
القاهرة (زمان التركية) – حقق التيار الصدري فوزا غير مسبوق بحصوله على 73 مقعد، في الانتخابات العراقية المبكرة التي أجريت في 10 أكتوبر 2021، التي تأتي في أجواء مغايرة عن سابقاتها، فلم يترشح فيها رئيس الوزراء الحالي “مصطفى الكاظمي” ولم يعلن حظر للتجول ولم تشهد عمليات إرهابية، كما اسفرت عن خسارة حلفاء إيران مما سيؤدي لتقليص النفوذ الإيراني في العراق مستقبلا مقابل صعود تيارات سياسية تسعى لهيكلة السياسة الداخلية والخارجية للبلاد على أسس وطنية قومية تنموية، ومن المنتظر إجراء مشاورات سياسية بين مختلف القوى الفائزة لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر التي ستختار الرئاسات الثلاث خلال السنوات الأربع المقبلة.
أولا: المشهد الانتخابي والنتائج الأولية:
1-المشهد الانتخابي :
فتحت المراكز الانتخابية في العراق يوم 10 أكتبور 2021، أبوابها في تمام الساعة السابعة صباحا، لاستقبال 23 مليونا و986 ألفا و741 من الناخبين العراقيين للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات العامة البرلمانية المبكرة في بغداد وجميع المدن العراقية بما فيها مدن إقليم كردستان في ظل إجراءات أمنية مشددة. وستستمر حتى الساعة السادسة مساء حيث تغلق صناديق الاقتراع إلكترونيا ومن ثم إغلاق المراكز الانتخابية بشكل كامل.
وكان رئيس الوزراء السابق “مصطفى الكاظمي” أول من يدلى بصوته في دائرة المنطقة الخضراء المخصصة لكبار المسؤولين بوسط بغداد، و”وجه بعدم التهاون مع المخالفين”. ودعا العراقيين إلى المشاركة بكثافة. وتابع بنفسه سير إجراءات الأمن الانتخابي في بغداد وبقية المحافظات.
والرئيس العراقي “برهم صالح” أكد إنَّ “الانتخابات الحالية واحدةٌ من أهم العمليات الانتخابية في تاريخ العراق الحديث، وتأتي في ظرفٍ دقيقٍ ولحظةٍ وطنيةٍ فارقة”. لأنّهاَ “انتخابات مفصليةٌ مصيريةٌ وتأسيسية، وفرصةٌ لبِناء دولةٍ قادرةٍ على أن تُصحّح المسارات الخاطئة وتضرِب الفساد وتعملُ على مُراجعةِ الدستور وتُعزّز سيادة البلد عبر عقدٍ سياسي واجتماعي جديد”. وأكَّد أنَّ “تصحيح المسارات وبناء الدولة المقتدرة، لن يتحقق إلا بتشكيل مجلس نواب يُعبّر عن الإرادة الحقيقية للعراقيين ، ويكون قادراً على تشكيل حكومةٍ فاعلةٍ تستجيب للتحديات والاستحقاقات بلا تهاونٍ أو مهادنةٍ”. وأقرّ “صالح” “بوجود خللٍ بنيوي رافق منظومة الحكم بعد العام 2003″، وتابع “نقدّر المنجز المتحقق بالتحول ببلدنا من الاستبداد إلى نظام دستوري”.
2- نتائج الإنتخابات العراقية:
وفق ما أعلنته المفوضية العليا للانتخابات وما أعلنته الكتل السياسية العراقية تاتي النتائج ما يلي..
-التيار الصدري تقدم في الانتخابات التشريعية العراقية وحصوله على أكثر من 73 مقعداً في مجلس النواب المؤلف من 329 مقعداً. ومثل ذلك مفاجآة غير متوقعة نظرا لانسحاب الصدر من السباق الانتخابي ثم رجوعه ومطالبته أكثر من مرة بتأجيل الانتخابات. وهناك ترجيحات بخصم خمس مقاعد من التيار أو أضافتهم عبد الطعون الانتخابية، ولكن التيار سيبقى الفائز الأول فيها.
– كتلة (تقدم) السنية برئاسة “محمد الحلبوسي” جاءت في المرتبة الثانية بحصولها على 38 مقعدا، بينما جاءت كتلة “دولة القانون” بزعامة “نوري المالكي” (كتلة شيعية مقربة من إيران) في المرتبة الثالثة بحصولها على 37 مقعدا في البرلمان.
-حصلت جماعة “حراك تشرين” المنبثق عن عدد من النشطاء السياسيين الذين شاركوا في احتجاجات عام 2019 وأدت لإجراء الانتخابات المبكرة، على نحو 20 مقعداً في البرلمان ومثلت إحدى النتائج غير المتوقعة، ويتردد أن أكبر فائز بعدد الأصوات على مستوى العراق ينتمي إلى حزب “امتداد” المنبثق عن الحراك.
– تحالف “قوى الدولة” (تحالف شيعي معتدل) يضم رئيس تيار الحكمة “عمار الحكيم” ورئيس الوزراء السابق “حيدر العبادي”، حصل علي 20 مقعد.
-أبرز الخاسرين في الانتخابات هم الكتل الشيعية المقربة من إيران وبعض الكتل السنية التقليدية، حيث حصل مرشحو “الحشد الشعبي” (ميليشا شيعية مقربة من إيران) المنضوي في “تحالف الفتح” على 48 مقعداً في البرلمان عام 2018. بينما حصلوا على 14 مقعداً فقط في الانتخابات الحالي. وهذا سيؤدي لغياب غالبية واضحة، الأمر الذي سيرغم الكتل إلى التفاوض لعقد تحالفات.
-فاز مرشحي الحزب الديمقراطي الكردستاني بأغلبية الاصوات في إقليم كوردستان والمناطق المتنازع عليها. وحصل على نحو 32 مقعداً في البرلمان الاتحادي، حيث حصل علي ثمانية مقاعد في أربيل، وتسعة مقاعد في دهوك، ومقعدين واحد في السليمانية، ومقعد إلى اثنين في كركوك، وتسعة مقاعد في نينوى. بينما مُنيت حركة “التغيير” الكردية المعارضة بخسارة قاسية ولم تحصل على أي مقعد، بينما تمكّنت حركة “الجيل الجديد” الكردية الناشئة من الفوز بنحو 9 مقاعد. ، فيما حصل الاتحاد الوطني الكردستاني على17 مقعدا. وتمكن الاتحاد الإسلامي من مضاعفة عدد مقاعده لتصبح أربعة، فيما حصلت الجماعة الإسلامية على مقعد واحد.
– تم إعلان فوز 97 امرأة في الانتخابات التشريعية في كل الكتل السياسية والمحافظات العراقية وهي نسبة أكبر كثيرا من الانتخابات السابقة.
– أعلن رئيس مجلس المفوضين “جليل عدنان” يوم 11 أكتوبر الحالي عن نتائج الانتخابات، وأكد تلقى الطعون خلال ثلاثة أيام، وأضاف أن نتائج العد والفرز اليدوي كانت مطابقة للإلكتروني في التصويتين الخاص والعام، مشيراً إلى أن المفوضية نشرت النتائج الأولية للانتخابات لجميع المحافظات.
ثانيا: ملاحظات على المشهد السياسي العراقي:
– سجّل العراق أعلى نسبة عزوف في انتخابات 2018 بحسب إعلان المفوضية، فبلغت نسبة المشاركة 44.52 % من الناخبين. وحلّ تحالف “سائرون” الذي جمع “التيار الصدري” و”الحزب الشيوعي” و”تكنوقراط مدنيين” في المرتبة الأولى بـ 54 مقعداً من أصل 329. وجاء تحالف “الفتح” ثانياً بزعامة هادي العامري وضم فصائل “الحشد الشعبي” بواقع 47 مقعداً، وحصل ائتلاف النصر للعبادي على 42 مقعداً، وائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي على 26 مقعداً والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان السابق على 25 مقعداً. وبناء عليه نُصّب “برهم صالح” رئيساً للجمهورية و”عادل عبد المهدي” رئيساً للوزراء حتى 30 نوفمبر 2019. حيث استقال بعد ذلك نزولا على رغبة المحتجين المشاركين في “احتجاججات تشرين” 2019. وطرح عدد من الاسماء على رئيس الجمهورية بيد أنه أختار “مصطفى الكاظمي” ليتولى الأخير رئاسة الوزراء في 7 مايو 2020 حتى اليوم.
-“حراك تشرين” هو الحراك الاحتجاجي الذي بدأ في أكتوبر 2019 عبر تظاهرات حاشدة في كافة محافظات العراق لاسيما الوسط والجنوب ذات الأغلبية الشيعية احتجاجا على تردي الوضع المعيشي والفساد وانتشار السلاح وتحكم الميليشيات في الدولة العراقية وعرف “بحراك تشرين”، وراح ضحيته 1500 قتيل في مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن، والميلشيات الشيعية الموالية لإيران حيث كان أحد أبرز القضايا الاحتجاجية هو رفض الشباب العراقي لتوغل النفوذ الإيراني بالبلاد.
-بعد استقالة الحكومة العراقية تولى في مايو 2020 رئيس المخابرات العراقية الأسبق “مصطفى الكاظمي” رئاسة الحكومة في ظل جملة من التحديات الداخلية والخارجية المعقدة، وخلال عام ونصف عمل “الكاظمي” بكل جدية وسعى للتقارب مع المواطنين من خلال جولات ميدانية غير رسمية مستمرة، كما نفذ معظم وعوده بإجراء انتخابات مبكرة وعدم الترشح فيها.
-يعد أبرز نجاح لحكومة “الكاظمي” في مجال السياسة الخارجية هو كسر الأحادية الدبلوماسية لبغداد وإرتباطها بإيران، فسعى لإعادة هيكلة علاقات العراق بالدول العربية، بدءا من مصر حيث فعل تحالف “المشرق الجديد” الثلاثي بين (مصر، الأردن، العراق) وعقد قمته الثانية ببغداد، كما زار دول الخليج العربي، وتم عقد «مؤتمر بغداد للشراكة والتعاون»، الذي شهد حضور قادة “مصر، فرنسا” والجامعة العربية، كما استقبل بابا الفاتيكان عام 2020 وكان حضوره لبغداد حدثا مؤثرا في سياسة العراق الخارجية. كما أكد الكاظمي” أكثر من مرة منذ توليه منصبه ضرورة حياد العراق إقليميا وبعده عن المحاور والاستقطاب الاقليمي والطائفي.
-وعلى الصعيد الداخلي سعى “الكاظمي” لتشين مشروعات تنموية عراقية جديدة لكسر الاعتماد على النفط كمورد أساسي للدولة، كما سعى لتعزيز قوة الجيش العراقي وبسط سلطته على كافة إرجاء البلاد، وحل الخلافات العالقة بين بغداد وإقليم كردستان العراق. بيد أنه أخفق في مواجهة نفوذ الميليشات الشيعية الموالية لإيران، نظرا لقوتها المتغلغلة في مفصل الدولة العراقية منذ عقدين ولذا تحتاج لتكاتف كل الرئاسات الثلاث لمواجهتها.
-ألقى “الكاظمي” خطاب متلفز يوم 8 أكتوبر الحالي، وهو الأخير له بمنصبه كرئيس للوزراء. كان بمثابة كشف حساب على ما نفذته حكومته خلال عام ونصف، وأكد فيه على “العراق ليس ضيعة أو حديقة لأحد، وسأشرف شخصياً على عملية الأمن الانتخابي، الانتخابات المبكرة التي شكلت جوهر التغيير السياسي المنشود وإنني نأيت بنفسي وفريقي الحكومي الدخول كطرف منافس في الانتخابات المبكرة”. وأكد أن “حراك تشرين” مثّل احتجاجاً حقيقياً صالحاً ورغبة حقيقية بالإصلاح ووفرنا كل الدعم لقواتنا الأمنية بكافة صنوفها ورغم كل الظروف فإن شعبنا سينعم بانتخابات أكثر أمناً مما سبقها للمرة الأولى منذ عام 2003. كما قام في نفس اليوم بجولة غير رسمية قبل الانتخابات بيومين امتدت إلى جانبي الكرخ والرصافة في العاصمة بغداد، وشملت عدد من المقار الانتخابية وعقد اجتماعات مع القادة الأمنيين، دعاهم لتأمين الانتخابات وحماية المواطنين من أية محاولات للمس بهم.
– ويمكن القول، أن “الكاظمي” حقق خلال عام ونصف من رئاسته للوزراء ما لم يحققه سابقيه منذ عام 2003 حيث إنه .. تمكن من إجراء انتخابات هي الأفضل حيث لم تشهد خرقا يمكن أن يشار إليه، فضلا عن إيفائه بالوعد الذي قطعه على نفسه بإجراء الانتخابات في موعدها برغم حملة التشكيك التي رافقتها، كما أنه أول رئيس وزراء لا يرشح للانتخابات منذ 2003، ولم يؤسس حزباً يشارك فيها، على عكس ما فعله أسلافه “إياد علاوي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي، حيدر العبادي”. وبعد قيامه بالتصويت في الانتخابات، كتب “الكاظمي” على موقع التواصل الاجتماعي الخاص به .. “الانتخابات تجري بإنسيابية بعد أن تجاوزنا منتصف اليوم الانتخابي وأدعو الناخبين غير المصوتين حتى الآن إلى سرعة التوجه نحو المراكز الانتخابية لاختيار ممثليهم. صوتوا من أجل العراق، ومن أجل مستقبل أجيالنا”.
ثالثا: المواقف وردود الأفعال :
1-ردود الأفعال الداخلية:
-ألقى زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” كلمة متلفزة إحتفالا بفوزه في الانتخابات، دعا فيها لحصر السلاح بيد الدولة فقط والقضاء علي ظاهرة السلاح المنفلت، حتى ممن كانوا يدعون مقاومة تنظيم “داعش” الإرهابي (في إشارة إلى الفصائل الشيعية المسلحة الموالية لإيران ومنها الحشد الشعبي). ورحب بكل السفارات وبعلاقات العراق مع كل دول العالم دون تدخل خارجي في الشأن الداخلي أو في تشكيل الحكومة المقبلة. وشدد على أن “العراق للعراقيين فقط”.
-أوضح “محمد الحلبوسي” رئيس البرلمان العراقي السابق يتزعم تحالف “تقدم”، إن التحالف والحزب الديمقراطي الكردستاني سيدعمان زعيم التيار الصدري “مقتدى الصدر” لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة. وأشاد المتحدث باسم التحالف “سعود المشهداني”، بالعملية الانتخابية، قائلاً إنها كانت “نظيفة ونزيهة ونرحب بنتائجها”. وأضاف أن “المفوضية أوفت بتعهداتها وأدارت انتخابات ناجحة.. ليس منطقياً اتهام المفوضية بالتزوير والاحتيال”. وأكد “المشهداني” أن تحالفه سيتولى أحدى “الرئاسات العراقية الثلاث” وهي (الجمهورية، الوزراء، البرلمان)
-رفض “هادي العامري” (المقرب من إيران وزعيم ميليشا الحشد) رئيس تحالف “الفتح” القبول بنتائج الانتخابات العراقية. ووصفها بأنها “مفبركة”، قائلاً إن “التحالف لن يقبل بها مهما كان الثمن”. وهذا بعد خسارته الكيبرة بالانتخابات
-وصف المتحدث باسم كتائب “حزب الله” العراقية “أبو علي العسكري”، الانتخابات العراقية بأنها “أكبر عملية احتيال” ودعا إلى الاستعداد لمرحلة “حساسة” ولوح لدعوة أنصاره بالنزول للشارع احتجاجا على نتائج الانتخابات. كما أعلنت معظم الأحزاب العراقية الشيعية الموالية لإيران رفضها لنتائج الانتخابات والطعن بها، وهذا بعدما تراجعت نتائجها بدرجات متفاوتة في الانتخابات العراقية.
-أكد “هوشيار زيباري” وزير الخارجية العراقي الأسبق القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، يوم 12 أكتوبر 2021، إن “الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن الترشيحات للمناصب” الرئيسية في العراق بعد الانتخابات التي شهدتها البلاد. ووصف الانتخابات بأنها كانت نزيهة ورفضها بالمجمل سيخلق الفوضى” حيث إن “التهديد بالنزول للشارع سيؤدي لنتائج كارثية للعراق”، وشدد على أن “منصب رئاسة الجمهورية سيبقى مع الأكراد، ورئاسة البرلمان ستبقى من حصة السنة ولن يحدث تبديل”، وأوضح أن بقاء رئيس الوزراء الحالي “مصطفى الكاظمي” في منصبه من يعتمد على التوافقات السياسية بعد ذلك.
-بعث رئيس حكومة إقليم كردستان “مسرور بارزاني”، رسالة تهنئة بمناسبة “الفوز العظيم” الذي حققه الحزب الديمقراطي الكوردستاني في الانتخابات العراقية المبكرة، حيث تصدر الحزب النتائج في محافظات الاقليم (أربيل ، دهوك، السليمانية) وفي المناطق المتنازع عليها أبرزها (كركوك، سنجار، نينوى). وأكد أن الفوز في كركوك، دليل على وفاء جماهير كركوك للمنهج المقدس “لبارزاني ومنهج المقاومة والروح الكوردية العالية”. كما شكر “الايزيديين” في سنجار على دعمهم للحزب. ودعا كافة الكتل الفائزة “للعمل معا من أجل المصالح العليا للشعب والأمة ولتطبيق الدستور بأكمله، وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني وتطبيق الشراكة الحقيقية على مستوى العراق، بهدف تعزيز العلاقات بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية.”
2- ردود الافعال الخارجية:
-أصدر وزراء خارجية 12 دولة غربية بيانا مشتركا حول الانتخابات العراقية، أكدوا فيه أن هناك “فرصة أمام العراقيين للقيام بعملية حرة ونزيهة، من أجل تقرير مصيرهم، بعدما واجهوا العنف والترهيب”. وهؤلاء الوزراء هم .. الأمريكي “أنتوني بلينكن” والأسترالية “ماري باين” والكندي “مارك غارنو” والدنماركي “بيلي بروبرغ” والفنلندي “بيكا هافيستو” والألماني “هايكو ماس” والإيطالي “لويجي دو مايو” والهولندي “توم دي بروين” والنيوزيلندية “تانيا ماهوتا” والنروجي “أريكسن سوريدي” والسويدية “آن ليندي” والبريطانية “ليز تراس”، ، كما أضاف البيان ما يلي ..
• الانتخابات المبكرة تشكل فرصة للناخبين العراقيين كي يقرروا مستقبلهم بشكل ديمقراطي، وهذه اللحظة مهمة في تاريخ العراق، لاحظنا استجابة لطلبات من الشعب العراقي وتم حشد موارد كبيرة لدعم انتخابات حرة ونزيهة.
• في مايو 2020 عزز مجلس الأمن الدولي التفويض الممنوح لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي” من أجل المساعدة في الانتخابات، مشيرين إلى أن بعثة المساعدة الانتخابية المكلفة بدعم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات هي الأكبر من نوعها في العالم، حيث يزيد عدد مسؤولي الأمم المتحدة على خمسة أضعاف من كانوا حاضرين خلال انتخابات عام 2018.
-قالت “فيولا فون كرامون” رئيسة بعثة المراقبين الأوروبيين إن “الانتخابات العراقية تمت إدارتها بشكل جيد”. وتم احترام “حرية التعبير” خلالها. حيث أدلى الناخبين بأصواتهم بسهولة، مشيرة إلى أن البعثة رصدت “إرسال أكثر من 100 مراقب إضافة إلى 59 دبلوماسيا من الاتحاد الأوروبي”.
رابعا: الأبعاد والتداعيات والسيناريوهات المستقبلية:
1- عوامل تدنى نسبة المشاركة بالانتخابات:
– تعرضت مفوضية الانتخابات إلى انتقادات شديدة رغم إشادة المراقبين بعملها خلال يوم الاقتراع، وذلك بسبب:
• إخلالها بموعد الإعلان عن نسب المشاركة، وإرتباكها في إعلان نتائج الانتخابات
• الجدل حول نسبة المشاركة التي أعلنت عنها بنحو 41% من إجمالي الناخبين البالغ عددهم 26 مليون نسمة، بينما قدر المحلليين أنها لا تتجاوز الـ34 %. ورجح بعض المعارضين العراقيين أن نسبة المشاركة لا تتجاوز 10% .
• أعلن عن تدني نسبة المشاركة في عموم مناطق إقليم كردستان، وجاءت السليمانية وهي أكبر محافظات الإقليم جاءت بعد بغداد مباشرة في تدني نسب المشاركة، والمشاركة الضعيفة أثرت على كل القوى الكردية وتراجعت أصواتها بشكل كبير حتى تلك التي فازت بعدد كبير من المقاعد، وهذا مؤشر مقلق لأن 60 % من الناخبين الكرد غير راضين عن أداء حكوماتهم.
-هذا الاستحقاق بالكاد حفّز الناخبين الغاضبين من الفساد المزمن والخدمات العامة المتردية وسيطرة بعض الفصائل المسلحة على المشاركة، معتبرين أن معظم العراقيين فقدوا الأمل من أن يأتي هذا النظام السياسي بأي تغيير قادر على تحسين ظروف حياتهم. ويذكر أنه في العام 2018، بلغت نسبة المشاركة 44,52%، وفق الأرقام الرسمية، بيد أن الانتخابات الحالية أعلنت المفوضية أن نسبة المشاركة فيها بلغت 40% وهي نسبة متفائلة حيث أن بعض المحللين رجحوا أن نسبة المشاركة هي 25 % أو 10% .
-الانتخابات التي أجريت هي انتخابات برلمانية مبكرة أجريت قبل موعدها بعدة أشهر، حيث كان مقررا إجراؤها في 2022، بيد أنه بعد الموجات الاحتجاجية التي شهدها العراق في “تشرين الأول 2019” وكان دافعها الاحتجاج ضد الفساد وتراجع الخدمات العامة والتدهور الاقتصادي في بلد غني بالثروات النفطية، إضافة إلى محاصصة الأحزاب، وسطوة بعض الفصائل المسلحة. وأسفر هذا عن إقالة الحكومة العراقية آنذاك وتقرر إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
-في المناطق المتنازع عليها وخريطة الأحزاب الكردية فيها فقد شهدت تغيرات واضحة، حيث وفق المعطيات المعلنة يظهر جليا تمكن الحزب الديمقراطي الكردستاني من مضاعفة عدد مقاعده في نينوى والحصول على تسعة مقاعد وفق النتائج الأولية، كما تمكن من الحصول على مقعدين في كركوك التي لم يكن له فيها أي تمثيل في الانتخابات السابقة، أما الاتحاد الوطني الكردستاني، فقد خسر نصف عدد مقاعده في كركوك التي لطالما كانت تعد معقله الثاني بعد السليمانية، حيث تشير النتائج الأولية إلى حصوله على ثلاثة مقاعد، فيما حصلت حركة الجيل الجديد على مقعد في كركوك لأول مرة.
2-قراءة في دلالات نتائج الانتخابات:
-التصويت الطائفي: تقدم الكتلة الصدرية في معظم محافظات وسط وجنوب البلاد ذات الغالبية الشيعية، مما يؤكد أن التصويت مازال طائفي في العراق فالكتل الشيعية فازت في المحافظات الشيعية. والكردية فازت في كردستان العراق. وتحالف “تقدم” السني فاز في أغلبية المحافظات ذات الأغلبية السنية (نينوى، صلاح الدين، الأنبار).
-عوامل فوز “الصدر”: وما حققه “الصدر” يعد إنجاز سياسي غير مسبوق لتياره حيث كانت أعلى نسبة حصل عليها في الانتخابات هي 54 مقعد في انتخابات عام 2018. وفي النتائج الحالية بلغت 73 ويمكن أن تصل الي 80 مقعد بعد إعلان النتائج النهائية، ويرجع فوز “الصدر” لعدة عوامل منها ..
• أن التيار أثبت قدرته على الحشد للانتخابات رغم انسحابه وعودته مرة آخرى، كما أن كتلته متماسكة وباقي الكتل السياسية الشيعية والسنية تشهد تفكك وانقسامات، كما تتواصل الكتلة باستمرار مع قاعدته الانتخابية والحفاظ على كتلته التصويتية وثقتهم وولائهم في زعيمهم “مقتدى الصدر”، والأخير سيصبح “صانع الملوك” الذي سيختار اسم رئيس الوزراء العراقي المقبل، والتيار يصر على ان يكون قيادي في التيار ولم يتم الكشف او ترشيح اي اسم له حتى الآن.
• مقاعد التيار الصدري رغم كونها الأولى في الانتخابات إلا أنها لا تؤهله بمفرده لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة التي تتطلب وفق الدستور حيازة أكثر من 135 مقعد برلماني ، مما سيدفعه لتشكيل تحالفات سياسية، والعلاقات الجيدة التي يحظى بها “الصدر” مع الكتل السياسية السنية والكردية في إقليم كردستان ربما تسهل عليه تشكيل حكومة جديدة جامعة للكتل السياسية العراقية.
-مفاجأة “المالكي”: ائتلاف “دولة القانون” “بزعامة “نوري المالكي” حافظ على شعبيته وتمكن من مضاعفتها حيث حصل 35 مقعد مقابل 23 مقعداً في الدورة الماضية. ويرجع فضل ذلك للسياسي المخضرم “المالكي” الذي يطلق عليه “رجل إيران” في العراق وذلك رغم اتهامه بالفساد والمحاباة للشيعة واضطهاد السنة والأقليات وتعزيز النفوذ الإيراني بالعراق خلال رئاسته للوزراء (2006-2014) ، كما أنه تمسك بالسلطة ورفض اعترافه بالهزيمة بعد انتخابات عام 2014 وبعد ضغوط داخلية وخارجية عليه سلم السلطة وتم تشكيل حكومة جديدة. كما نجح “المالكي” في الحصول على مركز من الثلاث الأولى في اي انتخابات عراقية تجرى منذ عام 2006 حيث يخوضها بائتلاف “دولة القانون” وهذا يضمن له دور في تشكيل أي حكومة عراقية، كما أنه ساهم في تشكيل ميليشيات “الحشد الشعبي” عام 2014 بعد سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي علي ثلث محافظات العراق. ويعد “المالكي” كذلك من أبرز المرشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، بيد أن العلاقات الغير جيدة بينه وبين “الصدر” ستدفع الأخير لرفض هذا الترشيح لأنه يملك الكتلة الأكبر سيكون من حقه ترشيح رئيس الوزراء والموافقة عليه.
-تقدم الكتل الجديدة: أثبتت الكتل السياسية الجديدة التي تم الإعلان عنها خلال الحملات الانتخابية وخاض معظم المرشحين عنها الانتخابات لأول مرة منها كتلة (تقدم) السنية، وكتلة (حراك تشرين) وكتلة “الجيل الجديد” الكردية، قوتها وشعبيتها السياسية حيث أنها حصلت على أعلى نسبة مقاعد، بل لقد تفوقوا على مرشحين مخضرمين سياسيا. ويرجع الفضل في ذلك “لحراك تشرين” عام 2019 لأنه مهد لظهور نخبة سياسية عراقية جديدة سيكون لها دورا بارزا في تشكيل المشهد العراقي بعد الانتخابات.
-تراجع الكتل التقليدية: تحالف “قوى الدولة” (تحالف شيعي معتدل) يضم رئيس تيار الحكمة “عمار الحكيم” ورئيس الوزراء السابق “حيدر العبادي”، حصل علي 20 مقعد. وهو ما يمثل خسارته كبيرة وتراجعا في شعبيته لأنه حصل علي 35 مقعداً في الانتخابات السابقة.
-فشل المرحلة السابقة: الانتخابات أثبتت فشل وصفة الحكم ما بعد عام 2003 الأمر الذي أدى بالناخبين إلى مقاطعة الانتخابات رغم الدعوات للمشاركة وهو جزء من معاقبة الطبقة السياسية بنسب مختلفة، وبناء على نتائج الانتخابات فإن كتلة “الصدر” بالبرلمان سوف تتحكم بالمشهد السياسي القادم خلال أربع سنوات تالية بالعراق بما في ذلك طريقة اختيار الرئاسات الثلاث.
-تراجع النفوذ الإيراني بالعراق: أكدت نتائج الإنتخابات تراجع النفوذ الإيراني بالعراق إثر هزيمة كافة الأحزاب والكتل السياسية الموالية لإيران وتراجع عدد المقاعد الفائزين بها مقارنة بالانتخابات السابقة، ولذا ستسعى طهران للدفاع عن مكتسباتها في العراق عبر تشكيل أكبر كتلة برلمانية موالية لها، ولذا ترددت أنباء عن تواجد قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني “إسماعيل قآني” في بغداد غداة الاعلان عن النتائج ورغم نفي طهران لذلك، إلا أن المؤشرات تؤكده حيث هددت فصائل الحشد الشعبي برفض الانتخابات والنزول للشارع بينما يسعى “المالكي” حليف طهران لتشكيل أكبر كتلة برلمانية.
3- السيناريوهات المقبلة :
في ضؤ نتائج الانتخابات العراقية الحالية فإن هناك ثلاث سيناريوهات تتمثل في ..
-السيناريو الأول: تشكيل الصدر الحكومة الجديدة
وهذا السيناريو يقضي بقبول النتائج رغم اعتراض بعض الكتل الموالية لطهران عليها، وقيام كتلة “الصدر” بتشكيل الكتلة الأكبر شيعيا مع كتلة “تقدم” الأكبر سنيا، مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الأكبر كرديا، وهذا التحالف حال تم فإنه سيحدد ريس الحكومة المقبلة، كما أنه سيشكل عامل توازن واستقرار للحياة السياسية العراقية التي ستمثل فيها مختلف الكتل والطوائف السياسية بشكل مناسب. وحال تم تشكيل هذا التحالف فإن “الصدر” سيختار رئيس الوزراء المقبل، والأكراد سيختارون رئيس الجمهورية، والكتلة السنية ستختار رئيس البرلمان الذي من المرجح أن يكون “محمد الحلبوسي” للمرة الثانية.
-السيناريو الثاني: التصعيد والفوضى
وهذا السيناريو تصعيدي حيث إن تلويح الأحزاب والكتل السياسية الموالية لإيران برفض النتائج واللجوء للعنف والنزول للشارع، ربما يتم تنفيذه وهي قادرة على ذلك بما تمتلكه من عناصر مسلحة قادرة على إثارة العنف والفوضى في إرجاء المحافظات العراقية، وهنا سيكون ستستمر المواجهات بين قوى الأمن والميليشيات الشيعية، مع وجود تظاهرات احتجاجية للرافضين والمرحبين بنتائج الانتخابات. وهذا مع استمرار “الكاظمي” كرئيس لحكومة تصريف أعمال وربما تستمر هذه الفوضى لمدة عام أو أقل.
-السيناريو الثالث: فشل تشكيل الحكومة الجامعة
وهذا السيناريو يقضي باستمرار رفض الكتل الشيعية لنتائج الانتخابات والتعبير عن ذلك من خلال إثارة حالات من العنف المؤقت، وبالتزامن مع هذا تقوم الكتل الشيعية الفائزة بالانتخابات بدعم إيراني وبزعامة “نوري المالكي” الذي فازت كتلته “دولة القانون” بأكثر من 35 مقعد بتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر التي تقوم بدورها بتسمية رئيس الوزراء العراقي الجديد وبهذا تكون طهران قد حافظت على نفوذها في العراق والتفت على خسارة حلفائها في الانتخابات. والدليل على ذلك السيناريو بدء “المالكي” باتصالات مع كتل .. “عزم” السنية، والكردية “الاتحاد الوطني الكردستاني”. لتشكيل تحالف مواز “للصدر” نظرا للخصومة المستمرة بينهم. ولذا فإن هناك “سباق زمني” بين الفائزين للإعلان عن الكتلة الأكبر في أقرب وقت ممكن.
خلاصة القول، إن نتائج الانتخابات العراقية الحالية ستحدد مستقبل الدولة والتكتلات السياسية خلال السنوات الأربع المقبلة، من خلال تشكيل نخبة سياسية جديدة تتميز بالحس الوطني العروبي والحفاظ على سيادة الدولة ومحاربة الميليشيات والنهوض بالاقتصاد القومي وهو ما أجمع عليه أبرز الفائزين وعلى رأسهم “الصدر”، وهذا سينعكس بدوره على المشهد الإقليمي وسيحدد ملامح السياسة الخارجية العراقية المقبلة التي نجح “الكاظمي” في إعادة توجيه دفتها نحو البيت العربي، في محاولة لتقليص النفوذ الإيراني بالعراق. واستمرار تلك السياسة خلال المرحلة المقبلة رهن بطبيعة التوازنات والتوافقات لتشكيل الحكومة الجديدة، حيث إنه من المنتظر أن يتم تقليص هذا النفوذ وليس القضاء عليه تماما، الأمر الذي سيكون له انعكاسات داخلية وإقليمية بالغة.
• باحثة في العلاقات الدولية والشأن التركي