تقرير: ياوز أجار
برلين (زمان التركية) – قرر نشطاء في مجال حقوق الإنسان محاكمة نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان افتراضيًا على الجرائم المرتكبة ضد المعارضين، خاصة بعد الانقلاب العسكري المزعوم في 2016.
شهد يوم الاثنين أولى فعاليات “محكمة تركيا” المن.مة الحقوقية غير الربحية المسجلة في بلجيكا.
مؤسسو “محكمة تركيا” وقضاتها يصفونها بـ”المحكمة الشعبية”، ومع أنها ليست هيئة ملزمة من الناحية القانونية إلا أن الأحكام التي ستصدرها سوف تتمتع بسلطة أخلاقية عالية، ومن المتوقع أن تتقدم المحكمة بطلب إلى المحكمة الجنائية الدولية للنظر في القرارت التي توصلت إليها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي تعرض لها شرائح مختلفة من المجتمع التركي في أعقاب الانقلاب الفاشل، وفي مقدمتهم المواطنون الأكراد والمتعاطفون مع حركة فتح الله كولن.
فندق إنتركونتيننتال في جنيف يستضيف جلسات محاكمة جرائم نظام أردوغان ومن المقرر أن تستمر أربعة أيام وشتمل قضايا التعذيب، والاختفاء القسري، والاختطاف من دول أجنبية، وحرية الصحافة والتعبير عن الرأي وما ماثلها، في ضوء تقارير موثقة وشهادات 15 شخصًا.
وأكد قضاة المحكمة أن محكمتهم محكمة شعبية مستقلة ومحايدة، وأنهم وجهوا دعوة إلى الحكومة التركية لحضور جلسات المحاكمة باعتبارها “المدعى عليها”، ورغم أنه كان من المعروف أنه لن تكون هناك استجابة للدعوة، لكن المفاجأ أن نظام الرئيس أردوغان مارس ضغوطا شديدة، ووجه تهديدات لإدارة فندق إنتركونتيننتال، عبر السفارة التركية في برن، بهدف إلغاء الفعالية، لكن إدارة الفندق رفضت هذه الطلبات بشكل قاطع وتقدمت بطلب إلى السلطات الأمنية السويسرية لاتخاذ الخطوات القانونية اللازمة.
تركيا شهدت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في أعقاب محاولة الانقلاب المزعومة في 2016 أسفرت عن سجن حوالي 80 ألف شخص وفصل أكثر من 150 ألفًا من وظائفهم الحكومية، بسبب تهم غامضة تتعلق بالإرهاب وإن لم يرتكبوا أي جريمة منصوص عليها في القانون والدستور.
شهادة الضحايا
وقد استمعت لجنة قضاة “محكمة تركيا” الرمزية أمس الاثنين إلى شهادة ضحيتين من ضحايا التعذيب ومدافع عن حقوق الإنسان، أحدهم محمد ألب، حيث اختطفته المخابرات التركية في بلدة “جزرة” شرق تركيا في 18 أبريل 2015 حيث كان مدرسا في مدرسة حكومية.
أفاد ألب في شهادته أنه أجبر على توقيع محضر جاهز يتهمه بتشجيع طلابه على الانضمام إلى حزب العمال الكردستاني المحظور، مؤكدًا أنه تعرض للتهديد بالسلاح من أجل الدفع به إلى التوقيع على هذا المحضر المعد سلفا.
وتابع المدرس ألب أنه لم يخبر أحدًا عن هذا التهديد بدافع الخوف، وبينما كان قابعًا في السجن بهذه التهمة وقعت محاولة انقلاب في تركيا في 15 يوليو 2016، وعلى الرغم من أنه كان في السجن وقت وقوع الانقلاب، فقد وجهت السلطات له تهمة الضلوع في الانقلاب، وأضاف: “لقد تعرضت لتعذيب شديد أدى إلى نزيف داخلي وحُرمت من أدنى الرعاية الطبية”.
ولفت المدرس التركي إلى أن الذين مارسوا عليه التعذيب قالوا: “لن نعذبك أنت فقط، بل سنقوم أيضًا بتعذيب زوجتك، وسينتهي الأمر بأطفالك في الحضانة. وإذا كنت تحب عائلتك فلا تخبر المحكمة أنك تعرضت للتعذيب”، ثم أردف بقوله: “في عام 2018 أطلقت المحكمة سراحي قيد المحاكمة، وبعد ذلك استطعت الهرب بصعوبة إلى أوروبا لطلب اللجوء”.
وعندما سأل القاضي ليدي بيانكو عما إذا كان قد قدم أي شكاوى للسلطات الرسمية في تركيا بشأن التعذيب الذي تعرض له، أجاب المدرس ألب بأنه فعل ذلك ولكن دون جدوى.
بعد الاستماع إلى شهادة المدرس محمد ألب، أدلى المدرس الآخر أرهان دوغان بشهادته أمام هيئة القضاة أيضًا، مشيرًا إلى أنه اعتُقل بعد 10 أيام من الانقلاب الفاشل، ونُقل إلى صالة ألعاب رياضية تستخدم كمركز احتجاز من قبل وحدة مكافحة الإرهاب التابعة لإدارة شرطة أنقرة.
قال دوغان: “لقد بدأ التعذيب فور وصولي إلى السجن واستمر لمدة 10 أيام ؛ حيث تعرضت للضرب بالهراوات والتجريد من ملابسي، واعتقدت أن كل عظامي كسرت. طلب الشرطة مني أن أعطيهم أسماء 10 أشخاص على الأقل، متعهدين بالإفراج عني إذا فعلت ذلك.. قالوا لي: قد تموت هنا، فهناك أناس قد ماتوا هنا ولا أحد يعرف عنهم.. ومن ثم وضعوني في غرفة رأيت فيها آثارًا للدم من حولي، وعندها لاحظت صحة حديثهم عن الوفيات”.
وتابع دوغان: “بعد فترة أرسلوني إلى المستشفى وسألني طبيب عما إذا كنت على ما يرام، لكن بطبيعة الحال لم يسمح الشرطة لي بإخبار الأطباء بما تعرضت له من تعذيب وسوء معاملة، مهددًا بمزيد من التعذيب إذا تحدثت عن التعذيب”.
وذكر دوغان انتهاكًا جسيمًا آخر قائلا: “رأيت الشرطة وهم يقودون ثلاث نساء… كنا نسمع صراخهن، وهن يتوسلن لهم بقولهن: أرجوكم لا تغتصبونا”، ثم علق المعلم دوغان قائلا وهو يبكي: “قال لي الشرطة: قد يحدث هذا لزوجتك وابنتك إذا لم تتبع أوامرنا! ما زلت أسمع صراخ هؤلاء النساء”.
وعندما سألت القاضية الرئيسة د. فرانسواز البارونة تولكنز عما إذا كان بإمكانه سرد طرق التعذيب الأخرى التي تعرض لها، بصرف النظر عن الضرب والمضايقة، قال دوغان إن الشرطة تحرش به جنسياً بلمس أعضائه التناسلية بعد تجريده من ملابسه.
جدير بالذكر أن محكمة تركيا ستواصل جلساتها خمسة أيام ومن ثم ستعلن في ختامها في 24 سبتمبر عن القرارات التي توصلت إليها في ضوء تقارير وشهادات الضحايا أنفسهم تمهيدًا لتقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية.
يذكر أن “محكمة تركيا” أسسها أستاذ الدستور يوهان فاندي لانوت، الذي سبق أن شغل منصب نائب رئيس الوزراء في الحكومة الفيدرالية البلجيكية لثلاث فترات بين عامي 1995 و2014، ويتكون أعضاؤها من القضاة المعروفين على الصعيد الدولي، وهم:
الأستاذ. م. دكتور فرانسواز بارونة تولكنز: القاضية السابقة ونائبة رئيس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (1998-2012).
يوهان فان دير ويستهويزين: القاضي السابق بالمحكمة الدستورية لجنوب إفريقيا (2004 – 2016).
البروفيسور أنجيليتا باينز: نائب رئيس منظمة “روبرت ف. كينيدي” الدولية لمناصرة حقوق الإنسان والتقاضي والأستاذ مشارك في القانون بمركز القانون في جامعة جورجتاون منذ عام 2012.
البروفيسور جورجيو مالينفيرني: قاضي المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (2007-2011) وهو حاليًا نائب رئيس المحكمة الإدارية لمجلس أوروبا
البروفيسور ليدي بيانكو: قاضي المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (2008-2019)
دكتور جون بيس: أمين لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (1978-1991 و 1993-1994)