بقلم: ياوز أجار
برلين (زمان التركية) – يتزايد التقارب التركي مع الدول العربية بشكل يثير الانتباه والعجب من مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتناقضة، ما يستدعي النظر بعمق في أهداف تلك التحركات المريبة.
الشهر الأخير شهد زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد تركيا ولقائه بالرئيس أردوغان، الذي دأب طوال السنوات الخمس الماضية على توجيه الاتهامات إلى الإمارات بإرسال الجواسيس إلى بلاده وتمويل محاولة انقلاب 2016.
كما عقدت الجولة الثانية من المفاوضات الاستكشافية بين وفدي مصر وتركيا في العاصمة أنقرة في إطار المساعي الرامية إلى إصلاح العلاقات المتدهورة بين البلدين.
في هذه الأثناء نشر موقع خليجي تقريرا زعم فيه أن أنقرة مستعدة لتسليم نحو 20 إخوانيا تورطوا في عمليات مسلحة إلى القاهرة، وذلك في مقابل تقييد أنشطة حركة فتح الله كولن على الأراضي المصرية.
انتشرت تلك الأنباء وتناقلتها العديد من وسائل الإعلام التركية، حتى أعلن مسؤول تركي أنه لا سند لها من الصحة، ونفى اتخاذ أي خطوات في هذا الصدد.
الكاتب الصحفي المعروف مراد يتكين، المطلع على كواليس أنقرة، نقل عن مسؤول تركي، لم يكشف عن هويته، نفيه صحة هذه الأنباء، ودعوته إلى الاعتماد على التصريحات الرسمية فقط في مثل هذه المواضيع الخطيرة.
كما نوه الكاتب يتكين بأن أنقرة حساسة للغاية في الأخبار والمعلومات التي تنشرها مواقع إخبارية إماراتية، وأن المسؤولين الأتراك طالبوا الرأي العام بالثقة في المعلومات والتصريحات الرسمية فقط في هذا المضمار.
نقل الكاتب عن المسؤول التركي ذاته قوله: “تركيا لم تبدأ أي إجراءات رسمية من أجل ترحيل أي شخصيات إخوانية إلى مصر، ولا يوجد بين البلدين أي اتفاقيات لتبادل أسماء من جماعة الإخوان المسلمين مقابل تسليم عناصر تابعة لمنظمة فتح الله كولن في مصر”، على حد تعبيره.
وفق مراقبين، لقد هرع رجال حزب العدالة والتنمية إلى تكذيب أنباء تسليم الإخوان إلى مصر خوفًا من تأثيراتها السلبية على قاعدتهم الإسلامية قبل الانتخابات القادمة التي ستعقد على الأكثر في عام 2023.
تكشف استطلاعات الرأي العام، حتى تلك التي تجريها شركات موالية للحكومة، أن حزب الرئيس رجب طيب أردوغان يواصل فقدان دعم مؤيديه منذ عام 2018، وأن هذا النزيف تسارع جراء الأوضاع الاقتصادية السيئة منذ تفشي جائحة كورونا.
مع أن التقلبات والتحولات الحادّة السابقة للرئيس أردوغان تدل على أنه يدور حيث تدور مصالحه، وأنه يمكن أن يتخلى حتى عن أقرب حلفائه إذا رأى في ذلك مكاسب سياسية محققة، غير أن مصادر مطلعة ترجح أن أردوغان سوف يفضل مماطلة الوفد المصري في المفاوضات الرامية إلى ترميم العلاقات بين البلدين ليؤجل القرار الحاسم فيما يخص الوجود الإخواني في تركيا إلى ما بعد الانتخابات المقبلة، وذلك خشية وقوع انفصالات جديدة من قاعدته المحافظة.
هناك تساؤلات عديدة حول مصداقية وإخلاص أردوغان فيما يخص مساعيه الرامية إلى التصالح مع جواره والأهداف المرجوة من ذلك، يرى بعض المحللين أن هذا تكتيك عابر يستهدف (أردوغان) من وراءه تقديم صورة للدول الغربية والعربية والشارع التركي على حد سواء توهم أنه تراجع عن نهجه التصادمي في السياسة الخارجية، بغية تلميع سمعته، بشكل يضمن له الفوز في الانتخابات القادمة والبقاء في السلطة لفترة جديدة.
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن أردوغان لم يتراجع حتى خطوة واحدة إلى الوراء فيما يتعلق باستخدامه الخطاب الإسلاموي في السياسة الداخلية والخارجية في آن واحد، بل زاد من الاعتماد عليه في الآونة الأخيرة، كما بدا في موقفه من حركة طالبان في أفغانستان، فإنه لن يكون تكهنًا إن قلنا إنه سوف يغير نهجه في التعامل مع الدول العربية، بما فيها مصر والإمارات والسعودية، وسيعود إلى أجندته الإسلاموية مجددًا.
ولعل هذا التكتيك الموقوت بـ”الانتخابات” يفسر سبب ضبابية مواقف أردوغان بشأن جميع القضايا الإقليمية تقريبا، بما فيها الحرب في كل من ليبيا وسوريا، والملف الإخواني، إذ تدل المؤشرات على أنه سوف يوظف فترة الصلح هذه في تلميع صورته وتمديد عمر نظامه، ومن ثم يعود إلى أحلامه الخاصة بالخلافة الإسلامية أو زعامة العالمين العربي والإسلامي تحت أي عنوان كان.
خلاصة القول إن الرئيس التركي غير عازم على التضحية بورقة الإخوان، رغم إقصائهم في المغرب، والانتفاضة ضدهم في تونس، والثورة عليهم في مصر، لذا يتخذ مواقف ضبابية لكي يعود إلى استخدمها بعد الانتخابات، نظرا لأنه يرى فيهم ذراعًا ممتدة إلى العالم العربي والإسلامي ولن يتخلى عنهم بشكل كامل إلا إذا تراجع عن أطروحاته الإسلاموية الطوباوية.
–