بقلم: هيثم السحماوي
أ(زمان التركية) – (لم يجد المراسلون الأجانب في سنغافورة فضائح فساد كبيرة أو تصرفات خاطئة خطيرة يوردونها في تقاريرهم ، وبدلا من ذلك تحدثوا عن حماس وتكرارية هذه الحملات التي تحض على السلوك الفاضل الصالح ، وسخروا من سنغافورة بوصفها الدولة – المربية- كنا نثير ضحكهم ، لكنني كنت على ثقة من أننا نحن الذين سنضحك أخيرا – ولو لم نبذل هذه الجهود لحث شعبنا على تغيير أساليبه وطرائقه ، لكنا مجتمع بدائي وفظ وفج.
لم نتظاهر بأننا مجتمع مهذب ومتحضر ،
ولم نخجل من الشروع في محاولة التحول إلى مثل هذا المجتمع في أقصر فترة ممكنة ، ولتحقيق ذلك فأولا قمنا بتثقيف وحض شعبنا، وبعد أن نجحنا في إقناع غالبيته العظمى وكسبها إلى جانبنا ، ووضعنا القوانين المناسبة لمعاقبة الأقلية المتشبثة بعناد بعاداتها البالية ، وهذا ما جعل سنغافورة مكانا بهيجا يمتع قطانه، وإذا كانت سنغافورة دولة مربية فأنا فخور برعايتها وتنشئتها).
هذه كلمات رائد النهضة في سنغافورة لي كوان يو رئيس وزرائها الأسبق الذي قاد حملة التطوير والتحويل والنهضة الحقيقية في سنغافورة من 1965-2000 ، تلك الدولة النموذجية في الانتقال من دول العالم الثالث إلى العالم الأول .
فلقد اتخذت منهجا شاملا وجديا لتحقيق هذا التقدم والانتقال ، وكان من بين محاور هذا البرنامج تحقيق المعادلة الصعبة في كثير من الأمور ، فمثلا في النظام الاقتصادي الذي ينبغي تحقيقه ، فقد رأت أن الاشتراكية المطلقة لا يمكن أن تجعل شعبا يعمل ويتقدم ، وكذلك الليبرالية المتوحشة لا يمكن أن تحافظ على مجتمع إنساني متكامل ، فتبنت الدولة الوسطية منهجا .
وأيضا أعطت سنغافورة للمفكرين والمبدعين اهتماما خاصا يساعد في تحقيق الهدف المراد وحلم الجميع في التقدم .
كان هناك منهج كلي للمحافظة على انضباط الجميع ضمن منظومة عمل الدولة ، ومنهج دقيق للبقاء على الجميع طاهر نظيف اليد.
لم يترك الإعلام وإنما وضعت له خطة محكمة .
كان هناك مشروع كبير لتحويل سنغافورة إلى ساحة خضراء .
واستفادت الدولة من تأييد النقابات المختلفة . وعمل الجميع وشارك في إطار منظومة تحقيق حلم الوطن والمواطن، حتى تحقق الحلم وتقدمت سنغافورة .
وعلى هذا النهج وذلك الضرب من الالتزام والكفاح المستمر والعمل الجاد ينبغي أن تسير الدولة التي تريد أن تحقق هذا التقدم .
ووجهة نظري لتحقيق هذا التقدم والتطوير في مجتمعاتنا ينبغي أن تراعي عدة جوانب منها:
فأولا : ينبغي أن يكون هذا الانتقال من العالم النامي إلى العالم المتقدم هدف كل من المواطن والوطن في آن واحد ، فمعظمنا ينتقد ويلعن مجتمعاتنا ويسبها ليلا ونهارا ، وهؤلاء يعتقدون أن هذا التغير وهذا التحول المسؤول عنه الدولة والآخر، وينسون أو يتناسون أنهم جزء من هذا المجتمع وأن البداية ينبغي أن تكون من عند كل واحد، ومن ثم كل واحد ينبغي أن يكون التغير الذي يحب أن يراه ، ويبدأ بنفسه .
أيضا ينبغي أن نشعر ونؤدي المسؤولية الملقاة على عاتق كل منا تجاه مجتمعه دون أن تقتصر الأهداف على تنمية وتحقيق الأهداف الذاتية وفقط .
أيضا ينبغي أن ندرك أن هذا التحول لن يتم بالجانب الاقتصادي وفقط ، بل يبدأ بالجانب الثقافي والمعرفي الجيد ، والحفاظ على الأخلاقيات والتخلص من العادات السيئة التي تضر وتدمر المجتمع .
دامت الأمة الإنسانية بكل حب وخير