بقلم: ياوز أجار
برلين (زمان التركية) – كشف الصحفي التركي المعروف جوهري جوفين مؤخرا أن تنظيم أرجنكون (الدولة العميقة) وضع خطة من أجل إعلان حركة الخدمة منظمة إرهابية في ليلة محاولة انقلاب عام 2016، وهو الهدف الذي يسعى التنظيم إلى تحقيقه منذ تسعينات القرن المنصرم، وخطة أخرى لاغتيال الرئيس أردوغان أيضًا من أجل التخلص من “عدوين” في نفس الليلة.
الواقع أن خطة أرجنكون للتخلص من جماعة كولن – حركة الخدمة- وحزب أردوغان كشفتها صحيفة طرف الليبرالية في 2009، حيث كانت تنص على ضرورة الإيقاع بين الطرفين، والتخلص من الجماعة أولا ومن ثم أكل أردوغان بسهولة، مما أثار ضجة كبيرة حينها، ودفع حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى رفع دعوى أسفرت عن اعتقال عديد من رجال أرجنكون في الجيش والهيئات الأخرى، إلا أن هذا التنظيم استطاع في النهاية السيطرة على أردوغان بشكل أو بآخر ليستخدمه في تنفيذ مشروعه.
بعدما فشل أرجنكون خلال العقود الثلاثة الأخيرة في إقناع الرأي العام أن حركة الخدمة إرهابية، بل تم اعتقال عدد كبير من رجاله ضمن “تحقيقات تنظيم أرجنكون” التي بدأت في 2007، قرر التنظيم الاستعانة بشخص يعتبر من داخل “البيت الإسلامي” -إن صح التعبير- وهو أردوغان، لكي يتم تنفيذ خطة القضاء على الحركة دون اعتراض من الشارع الإسلامي.
ومع وجود اختلاف أيديولوجي بين الطرفين، إلا أن أرجنكون أجبر أردوغان على التحالف معه، بعد بدء تحقياقات الفساد والرشوة في 2013، ليبدأ “أرجنكون” بعد ذلك استعادة نفوذه السابق من جانب؛ ويواصل “أردوغان” البقاء في السلطة من جانب آخر، بفضل مؤامرات حاكها الطرفان طيلة العقد الأخير من الزمن.
التحالف الأردوغاني الأرجنكوني صنع أولا “الكيان الموازي”، ومن ثم أعلن جميع البيروقراطيين الديمقراطيين أو الملتزمين بالقانون والدستور، على شتى توجهاتهم، كمنتمين إلى هذا الكيان الوهمي، وتخلصوا بهذه الطريقة من كل مَنْ يمكن أن يقف حجر عثرة أمام “عودة أرجنكون” و”بقاء أردوغان” بطرق غير ديمقراطية، بعدما فقد هذا التحالف الحكومة المنفردة في 2015 بفضل دخول الحزب الكردي إلى البرلمان بثمانين برلمانيا.
ثم دبر التحالف مؤامرة “الانقلاب الفاشل”، وتخلص مما تبقى من البيروراقرطيين الوطنيين الشرفاء، وبعدما أنجز أرجنكون الجزء الأول من هذه الخطة بنجاح توجه إلى الخطة الثانية ألا وهي التخلص من أردوغان أيضا!
لذا نرى أن الصحفي جوهري جوفين كشف أن أرجنكون كان وضع خطة أخرى في ليلة الانقلاب لاغتيال أردوغان والتخلص منه أيضًا، واتهام جماعة كولن بالوقوف وراءه، مثل الانقلاب، من أجل القضاء على احتمالية تصالح حزب العدالة والتنمية مع جماعة كولن مرة أخرى أو التقاء قاعدة هاتين المجموعتين مجددًا وإحياء “النموذج التركي” الذي صنعه حزب أردوغان وحركة كولن من عام 2002 حتى 2012 ثم انحرف الأول من هذا المسار وقضى على المكتسبات التي حققها الطرفان في غضون هذه الفترة.
إلا أن أرجنكون فشل في إنجاز الخطة الثانية، أي اغتيال أردوغان، ليلة الانقلاب، ومع أن أردوغان عرف الجهة التي تقف وراء هذه المحاولة، كما كشف الصحفي المذكور، إلا أنه لم يتعرض لأرجنكون نظرا لاستمرارية التحالف بين الطرفين، منتظرا اللحظة المناسبة للمحاسبة.
ثم كشف جوهري جوفين أن الفريق المكون من وزير الدفاع خلوصي أكار ورئيس المخابرات هاكان فيدان ورجالهما اتفق مع أرجنكون في الاجتماع الأخير لمجلس الشورى العسكري، وأن الطرفين يخططان الآن لنقل تركيا إلى مرحلة جديدة بدون أردوغان.
كشْف جوهري جوفين عن تحالف أكار+فيدان+أرجنكون ضد أردوغان أزعج زعيم المافيا سادات بكر، وهو اسم سبق أن تم اعتقاله في إطار تحقيقات أرجنكون، ما دفعه إلى الزعم بأن جماعة كولن تتفاوض مع حزب أردوغان للتصالح، مستدلا على ذلك بتوقف العمليات ضدها، في مسعى لتشتيت الأذهان وإخفاء الحقائق.
والأقلام المحسوبة على جماعة فتح الله كولن ردت على مزاعم سادات بكر بأن العمليات والحملات لا تزال مستمرة على قدم وساق، ويتم اعتقال العشرات يوميا، رافضة أي تصالح بين الطرفين مبدئيًّا ما لم يتراجع حزب أردوغان عن أخطائه السابقة والحالية في سياساته الداخلية والخارجية التي قادت تركيا إلى الجحيم.
لكن هذه الأقلام لم تنفِ محاولات بعض الأسماء المرتبطة بحزب أردوغان للتصالح مع الجماعة، من وقت لآخر، وعلى رأسهم مجاهد أرسلان، الموصوف بـ”الصندوق الأسود لأردوغان”، إلا أن الجماعة أكدت في كل مرة استحالة أي تصالح ما لم يكن هناك اعتراف بالأخطاء السابقة والإقلاع عن السياسات الخاطئة الراهنة.
بحسب رأيي، جماعة كولن أفضل من يعلم أن عهد أردوغان انتهى في تركيا، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار مرضه المتفاقم يوميا بيوم، بل حتى رجال أردوغان من هاكان فيدان وخلوصي أكار وآخرين يرون ذلك ويتجهون إلى رسم معالم “تركيا ما بعد أردوغان” مع الفاعل الآخر وهو أرجنكون، لذلك من غير المنطقي أن تتوجه الجماعة إلى ركوب سفينة أردوغان وهي على وشك الغرق.
لكن المشكلة التي يواجهها هذا التحالف الجديد تكمن في كيفية الحفاظ على هذا النظام غير الديمقراطي الذي أسسوه عن طريق أردوغان، ذلك لأ أرجنكون تنظيم ليس له قاعدة شعبية في تركيا، وكذلك هاكان فيدان رجل بيروقراطي، وخلوصي أكار عسكري سابق ليس لهما أي نفوذ سياسي في قاعدة حزب العدالة والتنمية وكذلك عند الشعب بحيث يمكنهما من خلافة أردوغان بعد رحيله، الأمر الذي يدفع هذا التحالف إلى البحث عن طرق غير قانونية/ديمقراطية تضمن له البقاء على النظام الحالي، لمعرفته المؤكدة أن الوصول إلى السلطة أو البقاء فيها عن طريق الانتخابات مسدود عليه.
وسط هذه المعادلة يقع على كل الأحزاب السياسية، إلى جانب القوى المدنية الأخرى، من الكتاب والصحفين ومنظمات المجتمع المدني، واجب في غاية الخطورة والأهمية، وهو العمل على رحيل هذا النظام الأردوغاني الأرجنكوني الإجرامي الحالي بكل عناصره وأدواته أولا، ثم منع استمرار هذا النظام تحت أي اسم أو لون أو كيان جديد، حتى يمكن إنشاء تركيا الديمقراطية بالمعنى الحقيقي مع فاعلين جدد ليس لهم ماض ملطخ.
–