بقلم: ماهر المهدي
القاهرة (زمان التركية) – قاربت الساعة على العاشرة صباحا بتوقيت ذلك البلد الإفريقي الجميل ، حين دق التليفون على مكتب القائد العسكري الكبير ، ليرفع وجهه عن كومة المستندات التي ارتاحت على كفيه – ريثما يتصفحها بعناية – ويمد يده إلى سماعة التليفون ويرفعها إلى أذنه، دون ان يصدر صوتا، ليخبره سكرتيره فورا أن وزير الأراضي موجود بالفعل بصالون الانتظار الملحق بمكتب القائد، وأن وزير الأراضي يريد مقابلة القائد لأمر هام وعاجل .
لم ينطق القائد الكبير بحرف وأعاد السماعة الى موضعها برقق، كانما يخشى أن يؤلم عدة التليفون. فقد كان هذا طابع القائد الرزين الطبع والسلوك . وقد خبره سكرتيره وخبر طبعه وفهم ما يجب عليه فعله، فنهض فورا عن مقعده في غرفة السكرتارية متوجها إلى صالون الانتظار، ليبلغ الوزير بترحيب القائد برؤيته والاستماع إلى ما جاء من أجله دون سابق ميعاد أو سابق إحاطة، كما يتوجب مراسميا .
كان مكتب القائد الكبير يغص في صمت رهيب – رغم اتساعه وكبر مساحته – ولا يقطع سكونه سوى صوت واهن لأحد قراء القرآن الكريم الأفارقة أحيانا أو لبعض انغام الموسيقى الكلاسيك في أحيان أخرى. ترقب القائد الضيف المباغت بعينين يقظتين وملامح باردة حذرة، بينما فتح باب المكتب الفخيم وتقدم سكرتير القائد إلى داخل المكتب مؤديا للتحية مستأذنا لدخول الضيف .
تقدم الوزير الضيف الى مكتب القائد الصامت الذي قام عن مقعده باسطا يده بالتحية إلى ضيفه الرفيع، ليتبادل الرجلان كلمات التحية البسيطة ويدعو القائد ضيفه الى الجلوس قبالة مكتبه .
نظر القائد إلى ضيفه أن هات ما عندك ، فقال الوزير جئتك في أمر عاجل ولن أطيل عليك. فمعى رسالة من الرئاسة إليك – بصفتك قائد المنطقة الشمالية – لتأمر بإعلان المنطقة من العلامة كذا إلى العلامة كذا منطقة غير عسكرية وتعطينا إفادة بذلك مشكورا. وغاية الأمر أن الرئاسة تريد أن توزع تلك المنطقة الساحلية على رجالات الدولة الكرام وأنت منهم طبعا يا حضرة القائد. وأضاف الوزير: بل سوف يكون لك مقابل مادي مجز أيضا .
اشتعل وجه القائد حمرة من الغيظ وصارت نظرته حادة كالسيف البتار وتكاد تشق وجه الضيف، ولكنه لم يحرك ساكنا، بل انتظر لبرهة، ثم سأل ضيفه بهدوء: هل انتهيت مما جئت من أجله؟
لم ينتظر القائد ردا من الوزير الضيف ، وأكمل حديثه: أما تعليمات الرئاسة فتخصك انت ولا تخصني، فأنا قائد للجيش. وأما الأرض التي جئت من أجلها فهى تخص الجيش، ولن يضع أحد يده عليها ما دمت أنا في موقعى، وأنت تعرف الطريق إلى الخارج الآن. وفي أقرب فرصة نقل القائد المحترم إلى موقع آخر، وأعلنت الأرض المطلوبة ملكيات خاصة برجالات الدولة ترفف عليها أعلام سوداء .