بقلم: صالح القاضي
القاهرة (زمان التركية) – لقد حظيت تركيا بفترات أكثر ديمقراطية مما هي عليه الآن، ورغم أن تركيا في تاريخها الحديث عاشت انقلابات مختلفة إلا أن ما يحدث الآن في تركيا يعد تراجعا حادا على مستوى الديمقراطية وحرية الرأي، أما عن استقلال المؤسسات فحدث ولا حرج، فكل العاملين وغير العاملين يخضعون لإرهاب الحكومة الحالية وكل من يعارض الحكومة أو توجهاتها، أو تسول له نفسه أن يعبر عن رأيه أو يبحث عن الحقيقة فمصيره المحتوم هو الإهانة والحبس والاستيلاء على ممتلكاته.
لم تعد تركيا بلدا يمثل الديمقراطية ولا الحرية، بل بلد يمثلها حفنة من المقربين لرئيس الدولة والمقربين لهم وكذلك ذوي النفوذ من القوميين المتشددين الذين يشاركون الحزب الحاكم في الاستيلاء على مستقبل تركيا، فهؤلاء هم الذين يسيطرون على مقدرات الدولة التركية بدءا من الحكومة إلى البرلمان، ومن وزارة الداخلية إلى هيئات القضاء التي أصبحت مسيسة. أما عن المؤسسة العسكرية فهي تعيش حالة ما بعد صدمة مسرحية انقلاب ٢٠١٦ حيث تم إذلال أفراد المؤسسة العسكرية التركية على مسمع ومرأى العالم كله، كما لم يحدث في أي دولة وطنية من قبل، وما كان هذا إلا خطة ناجحة لتصفية المؤسسة العسكرية التركية وتحويلها إلى مؤسسة عسكرية خادمة لمصالح الحزب الحاكم والحزب القومي المتحالف معه.
أما عن المؤسسة الإعلامية فهي وبالتحديد منذ عام ٢٠١٦ تمت تصفيتها ليستولي عليها أعوان الحزب الحاكم المقربين، حتى إن أي رأي قد يخالف هوى توجهات الحزب الحاكم يكون التشويه الإعلامي وربما الحبس مصيره. أما في عهد أردوغان فحدث ازدهار وانتعاش للمافيا التركية، وهذا أمر طبيعي فكلما ابتعدت الحكومة عن اتباع الديمقراطية واتخذت تصفية معارضيها منهجا احتاجت إلى المافيا حتى يشعر المواطن العادي أنه مهدد طوال الوقت، وأنه وإن كان يعلم بأن الحكومة فاسدة إلا أنه يعلم أيضا أن المافيا ورجالها لا رحمة لهم، مما يعني أن المواطن العادي أصبح بين المطرقة والسندان.
إن التصريحات التي أدلى بها رئيس المافيا التركي تظهر إلى أي درجة من الفساد وصل الحزب الحاكم، ولكن ما يجعلني أشعر بالأسى في الحقيقية أنه يجب أن تكون رجل مافيا حتى تستطيع أن تفضح الفساد في تركيا، تنظر إلى المشهد التركي ما من يخطر على بال عزيز نسين أكثر كتاب الكوميديا السوداء، ولكن أكثر ما يعقد المشهد الداخلي التركي ليس مغامرات الحزب الحاكم الخارجية في ليبيا وسوريا وغيرها من مغامرات غير محسوبة كان الغرض من هو تقوية موقف الحزب الحاكم داخليا ومحاولة الاستيلاء على النفط هنا وهناك أو ايجاد فرص جديدة لرجال أعمال مقربين يستحوذون على المناقصات الداخلية وشركاء في المغامرات الخارجية، إن كنت تعتقد عزيزي القارئ أن هذا يعقد المشهد الداخلي فدعني أخبرك أن لا، إن ما يعقد المشهد الداخلي التركي أن المشاكل الاقتصادية تزداد سوءا وكلما ازدادت سوءا أزداد استياء المواطن العادي، فما يحكم المسألة هو الحكمة القائلة (عض قلبي ولكن لا تعض رغيفي). كانت الورقة التي يلعب عليها أردوغان دائما في خطابه الشعبوي هو تذكيره الدائم بأن الاقتصاد ازدهر على يديه، وكان المجتمع حتى وهو يشعر بتقلص حقوقه الديمقراطية ويعلم بفساد الحكومة أنه يقول نعم إنهم فاسدون ولكن الاقتصاد جيد، اليوم المعادلة تتغير لا سيما وأن أعضاء الحزب الحاكم المنشقين والذين كانوا يوما ما وجوها للتقدم الذي أحرزه الحزب الحاكم في سنواته الأولى يستمع ويصغي إليهم المواطن العادي .
أمر أخير أريد أن أختم به هذه المقالة لا يمكن النظر إلى وضع دولة ما داخليا دون وضعها في سياقها الدولي، في السنوات الأخيرة وبتدهور الديمقراطية داخليا تكونت حالة من الاستياء من الحكومة التركية على المستوى الدولي، وأصبح حلف الناتو مستاءا من سياسات الحزب الحاكم وميله للجانب الروسي، رغم أن الجانب الروسي أيضا لديه حالة من الاستياء بسبب مشكلة قصف الطائرة التابعة له بأوامر من القيادات العليا، لقد كون الحزب الحاكم على الصعيد الدولي عداوات مع أغلب الجيران وبدلا من أن يتعاون مع الدول تحول إلى التعاون مع عصابات المافيا كما حدث مؤخرا حيث استعان الحزب الحاكم بالمافيا القرغيزية لاختطاف رجل التعليم التركي الأصل أورهان إيناندي والذي يحمل الجنسية القرغيزية .
إن ما يحدث في تركيا عزيزي القارئ هو ما يحدث للدولة عندما يتحول حاميها إلى خاطفيها.